جدلية التناقضات الإنسانية في “مكبث”

 

يجمع إبراهيم سالم بين مأثرتين، الأولى هي الجرأة في اقتحام الصعب من النصوص المسرحية، والثانية هي المغامرة بإعطاء أدوار رئيسية لممثلين مبتدئين، ليحفزهم على العطاء والإبداع، وهذا ما فعله مساء أمس الأول على خشبة مسرح معهد الشارقة للفنون المسرحية خلال عرض “مكبث” الذي أخرجه لفرقة المسرح الحديث، وأعده أحمد الماجد عن نص وليام شكسبير الشهير .
ملخص مسرحية شكسبير أن مكبث أحد قادة جيوش اسكتلندا يعود هو وصديقه القائد بانكو ظافرين من إحدى المعارك، فتقابلهما في الطريق ثلاث ساحرات يخبرن مكبث أنه سيصبح نائب ملك ثم ملكاً، ويخبرن بانكو بأنه سيكون أباً لسلالة ملكيةٍ، ويتعجبان، ثم يأتي رسول دنكن ملك اسكتلندا ليخبر مكبث بأنه قد عينه نائباً له جزاء شجاعته وتفانيه في الدفاع عن المملكة، فيحس بأن نبوءة الساحرات حقيقية، وتطمح نفسه إلى أن يكون ملكاً، ويخبر زوجته بأمر الساحرات، ويأتي الملك لزيارة مكبث في منزله، فتضع زوجة مكبث خطة لقتله، وتحرض زوجها على أن ينفذ عملية القتل، لكنّ أخلاق الفروسية تأبى عليه الغدر وخيانة ملِكه الذي أكرمه وقربه، فتذكره بنبوءة الساحرات، وتظل به حتى تقنعه بقتله، فيقتله هو وابنه، ويلصق التهمة بخادميه، ويهرب الابن الصغير للملك وقائد جيوشه مكدف، ويعتلي مكبث العرش، وتسكنه الهواجس والشكوك في كل من حوله، فيبدأ في التخلص من كل من يشك فيهم حتى صديقه المقرب بانكو، وتصاب زوجته بالجنون، ويصبح العرش نقمة تولد في نفسه الرعب الدائم والكوابيس خوفا من أنه سيقتل، وهو ما سيحدث في النهاية على يد مكدف .
تخلى عرض إبراهيم سالم عن الكثير من التفاصيل الجانبية في النص الأصلي، وركز بشكل مباشر على عملية اغتيال الملك وما ترتب عنها من تداعيات نفسية على مكبث، وشكلت علاقة مكبث بالساحرات أحد مرتكزات العرض ومحركاته التصاعدية، وكان الممثلون الذين أدوْا أدوار الساحرات بارعين في أدائهم، وقدموا لوحات استعراضية جميلة ورامزة، كما أن الديكور الذي طغى عليه الأحمر والأسود خدم العرض، فعبر عن حالة الدم المتدفق والمأساة المفتوحة، وقد برع المخرج في تكييف قطعة الديكور الوحيدة مع مشاهد العرض، فهي كرسي العرش بطلائها الجانبي المذهّب، وداخلها الأحمر الذي يشير إلى الدم، وعند استدارتها إلى الخلف تصبح بظهرها ذي اللون الطيني كأنها بئر تخبئ فيها الساحرات تمائمها وبخورها، كما ظلت الخشبة في معظم الحالات مضاءة بالأبيض لتعكس واقعية الحدث ولم تتغير إلا في حالات نادرة لتماشي الحالات النفسية للشخصيات خاصة في حالة الصراع النفسي، وكانت الأزياء أيضاً تعكس إلى حد ما طابع الشخصيات .
استطاع العرض أن يماشي برشاقة الطرح الدرامي لمسرحية “مكبث”، وتخلى عن الكثير من الزيادات، لكنّ المشكلة الأساسية التي عاناها تعلقت بقدرات الممثلين الأدائية، وخاصة الممثل الرئيسي الذي أدى دور مكبث فقد ظهر نقص التجربة جلياً في أدائه، فلم يعكس عمق التحولات النفسية التي حدثت للشخصية، وعمدة مسرحية مكبث الأصلية هي الانتقال النفسي الذي حدث لهذه الشخصية، والصراع الداخلي المرير الذي عاناه مكبث وهو في طريق ذلك التحول، بين قيم الفروسية المتمثلة في الوفاء والإخلاص والنبل والشجاعة، وبين صفات الوضاعة المتمثلة في الخيانة والخذلان والخديعة والغدر، فنجاح مثل هذا النوع من المسرح يقوم في الأساس على نجاح البطل في تجسيد ذلك التحول وتداعياته .

 

الشارقة – محمد ولد محمد سالم

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *