تجاوز الخيال والواقع

 

سعى المخرج الشاب «عروة العربي» في عرضه «عن الحرب وأشياء أخرى» نص زيد الظريف، الذي يعرض اليوم على مسرح الحمراء بدمشق، لأن يتجاوز الشكل المتحفي الذي اتخذه سابقا في إخراجه لمسرحية هاملت لوليم شكسبير. حيث حاول في عرضه هذا المأخوذ عن مسرحية «روميو وجولييت»، أن يخلق توليفة بين نص كلاسيكي وفضاء يحاكي واقع سوريا اليوم.
هنا لن يجد الجمهور نفسه وسط الظلمة في انتظار مشهد البداية كما هي العادة، إنما سيدخل ليرى بروفة «جينرال «مصطنعة يقوم بها الممثلون، يصعد المخرج في مطلعها على الخشبة ذاكرا للممثلين تأخر أحد زملائهم في تناسي كامل لوجود الجمهور وكأنهم في بروفة فعلا. ويضيف أن مصمم الأزياء عاجز عن الوصول إلى المسرح مؤكدا على بداية البروفا رغم عدم مجيء البطل. لينطلق المشهد الأول المأخوذ بأكمله ومن دون أي إعداد من مسرحية «روميو وجوليت». يكمل اللعبة المسرحية هذه دخول «روميو، وسيم قزق» بلباسه المديني «جينز وقميص» مناقضاً ملابس باقي الممثلين المنتمية إلى العصر الشكسبيري. يفسر للمخرج سبب تأخيره ومن ثم يدخل في اللعبة المسرحية (المفترضة)، خارجا من شخصيته الأولى، ليلعب دوره في مسرحية روميو وجولييت. إلا ان هذا اللعب على ثنائية خيال/حقيقة لم يصل إلى درجة الإقناع أو حتى الإيهام، إذ لم يمايز قزق بين أدائه عند دخوله في أول المسرحية كممثل شاب تأخر على الحاجز، وبين أدائه كروميو، وكأن روميو وقف على حاجز عسكري في دمشق وأتى ليكمل دوره على الخشبة.
على وقع موسيقى حية، يسرد العرض قصة روميو وجولييت الشهيرة من دون إعداد يطال البنى العميقة للنص، إذ قُدم النص كما هو دون أي تعديل يُذكر. باستثناء فجوات في النص الشكسبيري بغية التقليل من زمن العرض ليس إلا. يختفي اللعب بين ثنائية حقيقية/ وهم، ليقدم العرض بكليته حدوتة معروفة في فضاء اختاره المخرج ركاما متناثرا على المسرح، دلل من خلاله على الوضع السوري محاولا جعل هذا الركام فضاء عاما يحمل الحدث الدرامي. بيد أن هذه الدلالة كذلك وقفت على السطح، فالممثلون يظهرون وكأنهم مفصولون عن الفضاء المبني، فلا توظيف لهذه السينوغرافيا في النص، ولا انسجام لحركة الممثل والفضاء، بمعنى أن الممثلين بقوا يتحركون في فضاء النص الشكسبيري (القصر، الغابة…) متناسين الركام المحيط بهم. لم يتغير تعاطي العربي مع الأداء في عرضه هذا عن مسرحياته السابقة. الشخصيات تصرخ على الدوام، ويطغى عليها سمة المبالغة الفجة في الأداء، والحركة الميكانيكية على الخشبة، ساهم في ذلك اللغة الخشبية المترجم بها النص الانكليزي التي لو غُيّر في بنيتها لأصبحت أداة طيعة بيد الممثل. هذه الفجاجة طالت الإضاءة أيضاً، فأتت مباشرة حادة على عين المشاهد، تشتد إلى حد المبالغة، ولا سيما في المشاهد التي تجمع روميو وجولييت. حضر الرقص في العرض عبر لوحات راقصة تصور الحالة العامة للمسرحية، من دون أي مبررات درامية لها، فبقيت بذلك خارج مسار العرض وكأنها أقحمت عليه إقحاماً. كذلك كان دور الصوت البشري، إذ يخترق المغنيان «حسين عطفة، لونا محمد» فضاء العرض، مناقضين بذلك البناء الواقعي الذي ينشده العرض منذ لحظاته الأولى.
يحمل المشهد الأخير العرض إلى محاكاة الوضع السوري اليوم، والبحث عن إجابات لكل هذا العنف الممارس على الأراضي السوري، إلا ان عجز العرض عن الوصول إلى صيغة فنية محترفة غيب هذه الفكرة، ليحل محلها فجاجة مسرحية وعجز إخراجي.

علاء الدين العالم

http://www.assafir.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *