من اخراج عواطف نعيم: ماخور جان جينيه.. ملجأ للفاسدين

 

استطاع ثلاثة ممثلين وممثلتان ومخرجة استفزاز مشاعر الجمهور وكسب تصفيقه وثناءه واعجابه، حينما قدموا عرضا مسرحيا يحاكي الواقع العراقي بالكثير من التفاصيل التي يشعر انه قريب منها ويعيش احداثها.  عرضت على خشبة مسرح المعهد الثقافي الفرنسي في شارع ابو نؤاس، يومي الاربعاء والخميس الماضيين، مسرحية (الشرفة) تأليف الكاتب الفرنسي جان جينيه واعداد واخراج الدكتورة عواطف نعيم، وتمثيل نخبة من فناني المسرح: عزيز خيون وسمر محمد وفلاح ابراهيم وفائزة جاسم ومحمد هاشم، والسينوغرافيا لسهيل البياتي والازياء والمكياج لعماد غفوري والادارة المسرحية لسلام سكيني.  احداث المسرحية تدور في بيت للعاهرات (ماخور) يلجأ اليه الجنرال العسكري (فلاح ابراهيم)، والقاضي (عزيز خيون) ورئيس الشرطة (محمد هاشم)، وفي الماخور هنالك غانيتان هما كارمن (سمر محمد) وايما (فائزة جاسم)، حيث تقوم ثورة شعبية ضد الحكم الفاسد، فيما كان هؤلاء المسؤولون الثلاثة يعيشون اوهام القوة، الا ان الثورة تشتعل ويقتص الثوار من رئيس الشرطة، وتتصاعد الاحداث في كشف الفساد وسقوط الفاسدين والظالمين، وقد كان لاشتغال المخرجة على المرايا الموزعة في ارجاء خشبة المسرح تأثير في المتلقي والعرض وقد اعطت تلك المرايا العرض عمقا افتقدته قاعة المركز الفرنسي بسبب صغرها، لكن المرايا اعطت امتدادا للشخصيات من جهة وكذلك تعريتها اجتماعيا، حيث يتم قتل رئيس الشرطة وسط المسرح بعد خمس دقائق من بداية العرض، وصولا الى المشهد الاخير عندما يرمي عزيز خيون(القاضي) الكتاب من يده ليقف في زاوية المرايا وكذلك (الجنرال) فلاح ابراهيم الذي يرمي اوسمته ونياشينه على الارض ويتخذ مكانه في الزاوية الاخرى وتتشظى صورهم بواسطة المرايا وكأنه تعدد لشخصيات مشابهة.  وعلى الرغم من ان قاعة العرض لم تخدم المسرحية لصغر مساحتها وكونها لا تمتلك عمقا ليؤكد الدلالات البصرية والصور التي ينشدها الاخراج، وهو ما ادى الى ضياع الكثير من الدلالات القصدية التي ارسلها العرض إن كانت بواسطة اجساد الممثلين والتكوينات التشكيلية أو الميزانسين، كما اكد على ذلك عدد من المتابعين، فيما يمكن الاشارة الى ان الحضور الرجالي طيلة وقت العرض ساهم بتدفق ديناميكي في الايقاع، وكان لخروج القاضي عزيز خيون ليدخل الجنرال فلاح ابراهيم قد اضاف روحا جديدة واداء جديدا داخل العرض ومن ثم اداء رئيس الشرطة محمد هاشم بروح مغيرة وطريقة اداء مغايرة عن سابقيه مما اعطى بعدا هارمونيا في الاداء وفق اختلاف طرائق الاداء، وهي محاولة في الانعتاق من كلائشية ادائية خبرها المسرح العراقي، وايجاد تفوق على الذات والمنجز، اما المرأتان فيبقى حضورهما في شرفة جان جينيه أو عواطف نعيم فرصة للاستمرار في العروض المسرحية الجادة  وقالت الدكتورة عواطف نعيم: مسرحية الشرفة نص للكاتب الفرنسي جان جينيه، هو عرض مسرحي جديد قدمه محترف بغداد المسرحي بالتعاون مع المعهد الثقافي الفرنسي، وهو قراءة جديدة بتصرف من قبل الدكتورة عواطف نعيم ككاتبة ومعدة له، العمل هو قراءة تتحدث عن مفهوم السلطة والدكتاتورية ووهم السلطة ووهم الدكتاتورية في زمن الخراب كيف يكون، العمل تدور احداثه في (ماخور ) وفي هذا الماخور وحيث هنالك المرايا يتصور الجميع ان الثورة قائمة خارج الماخور والثوار ينطلقون بقوة وهناك حرائق تحترق فيها المدن والسادة الذين يحملون رتبا عسكرية ومناصب قضاة وشرطة يجولون في الماخور وهم يعيشون وهم السلطة و يتصورون كيف انهم في مأمن وبمنأى عن الشعب. واضافت: العمل فيه معالجة اخراجية تعتمد الحداثة وتعتمد القراءة ذات الرؤى المتعددة التي تعكس ما يدور في الاوطان العربية وليس فقط على خشبة المسرح او عند جان جينيه في مرحلة من مراحل وتاريخ فرنسا السياسي. وتابعت: اعتقد ان هذه العروض ضرورية اولا لتوطيد وشائج العلاقة وتأكيدها ومد الجسور بيننا وبين العالم الاخر لكي ننفتح على ثقافة الاخر من باب الندية والتكافؤ ومن ثم نستطيع ان نصوغ خطابنا المسرحي وهو خطاب انساني اخلاقي ووطني وهو خطاب ينزل الى الناس ويقدم لهم ما يحلمون به وما يطمحون اليه وما يرتؤون وما يتوقعون ان يكون من متغيرات تمس حياتهم وتحفظ كرامتهم. واستطردت موضحة: لان العمل للكاتب جان جينيه والعمل تدور احداثه في ماخور واللعبة هي لعبة السلطة، وكان من الضروري جدا الحفاظ على العمل كأجواء ولون والحفاظ على شيء اراده جان جينيه، واعتقد انه عندما اختار الماخور لم يختره عبثا، لذلك يجب ان يبقى الماخور كما هو في النص المسرحي لان جميع الفاسدين يعيشون في وهم السلطة وفي وهم النفوذ والمال ووهم الاستحواذ من خلال مواخير غافلين فيها حيث الشهوة والجنس وحيث الاندلاق والانغماس في اللذات حتى انها تعمي الرؤية وتضيع الصواب.  وختمت حديثها بالقول: هذا العمل ينطلق من رؤية إخراجية تعتمد الحداثة والجديد في صياغة خطاب مسرحي ينتمي للجمال وينفتح على أفق أدائي متميز ونأمل ان يحقق النجاح المطلوب كما تحقق في العروض السابقة وجميعها شكلت نماذج متقدمة للاضافة ولتفعيل الحراك المسرحي العراقي الذي كان ومازال في صدارة المشهد الثقافي والابداعي في الداخل والخارج  من جانبه قال الفنان فلاح ابراهيم: احداث المسرحية تدور حول مفهوم صراع السلطة خاصة اذا كانت السلطة فاسدة ولذلك اختار جان جينيه الاحداث في المبغى، واكيد ان الوطن الذي لا يقوده اناس حقيقيون ورائعون ومحبون سيكون بالحضيض ويكون مبغى ولذلك المؤلف كان يقصد بالمبغى هو حال الشعب حينما يكون القاضي والجنرال ورئيس الشرطة اكثر الناس فسادا، المسرحية تقول عندما يثور الشعب على الظلم والملجأ الوحيد لهذه الشخصيات الثلاثة هو المبغى، حيث المسرحية عبارة ثلاثة شخصيات رجالية وشخصيتين نسائيتين. واضاف: عندما نجد ان السيدات اللواتي يمارس البغاء اكثر شرفا من هذه الشخصيات التي تمثل السلطة، في المسرحية حاولت المخرجة عواطف نعيم ان تعمل بها اقترابات انسانية، وهي همها انساني اكثر ما هو هم فرنسي او عراقي ودائما ما يسببه الحاكمون للشعوب هو مقدار سعادة هذه الشعوب وتقدمها او تخلفها وانحطاطها.  وتابع: انا قمت بدور الجنرال والفنان عزيز خيون بدور القاضي والفنان محمد هاشم بدور رئيس الشرطة والفنانتان سمر وفائزة بدوري كارمن وايما، الجنرال مهزوم في كل الحروب التي شارك بها، والجميل في المسرحية انها تبدأ عندما الشعب بالثورة، ويحاول الانتقام من هذه الشخصيات الثلاث ورئيس الشرطة الذي يعتقد ان واجب الشرطة قمع الناس. اما الفنان محمد هاشم قال: الشرفة عمل مسرحي يسلط الضوء على اﻻنتهازيين الذين يستغلون الثورات لمصالحهم الشخصية، وهي تعري هنا اﻻجهزة الفاسدة للقضاء والجنرالات.  واضاف: انا اؤدي شخصية رئيس الشرطة الذي يعمل في ماخور، الشخصية صعبة ومركبة على الرغم من مساحتها القليلة، حيث ﻻ يتجاوز ظهورها 5 دقائق، لكنني كممثل اقبل التحدي وخصوصا مع المخرجة الدكتورة عواطف نعيم، فهاك نوع من التفاهم الفني والإيمان بإمكانية وانتماء بعضنا للمسرح، وهذه التجربة الثالثة لي معها

 

عبدالجبار العتابي

http://www.elaph.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *