عبدالله يوسف: عُمان في ذاتها وطبيعتها تمثل سينوغرافيا استثنائية ملهمة للفنان

عبد الله يوسف، فنان تشكيلي ومسرحي ومخرج تلفزيوني بحريني، له العديد من الأعمال المسرحية من بينها مسرحية «البراحة»، ومسرحية «بنت النوخذة»، ومسرحية «وجوه»، عن نص للشاعر البحريني قاسم حداد، إلى جانب عدد من الأعمال الدرامية منها: «العربة»، و«ملح ورماد»، و«بن عقل»، و«عويشة». يحاول في أعماله التلفزيونية والمسرحية أن يوثّق الواقع البحريني الذي عاشه، أو الذي يتخيله عبر أعمال درامية ومسرحية تنحو باتجاه التاريخ الحديث أو المعاصر، وكونه من الفنانين التشكيليين المميزين في مملكة البحرين، فقد أعطاه هذا لمحة فنية بصرية في أعماله المسرحية والدرامية، فهو يعتبر أن كل مشهد مسرحي وكل لقطة تلفزيونية تعتبر في الأساس عملاً تشكيلياً، له أعمال فنية في متحف البحرين الوطني وفي العديد من القاعات والمطارات في العالم، ولذلك جاء تكريمه في مهرجان المسرح الخليجي الـ 12 الذي أقيم في مدينة صلالة بمحافظة ظفار خلال الفترة 8-15 سبتمبر الحالي.

• أولا: دعنا نسألك عن التكريم وكيف تنظر إليه على مستوى الدولة؟

 

•• أنظر إلى التكريم على أنه محطة للتزود بوقود المثابرة والمواصلة لإنجاز المتبقي في البال من الخيال الفني.. كما أرى أنه واجب حضاري على جميع الدول الوفاء به لمبدعيها في كل حين.

ضرورة مستحقة

• إذا عدنا معك بالذاكرة إلى مسرح أوال وأنت أحد المؤسسين له. برأيك هل توقف الدور التنويري والطليعي لمسرح أوال؟ وأين؟ ومتى؟

* انبثق مسرح أوال في سبتمبر 1970 كضرورة مستحقة في مرحلة زمنية مفصلية زاخرة بالفكر والفن والثقافة وإنكار الذات والتضحية، واضطلع فعلاً وحقيقة بدور تنويري طليعي تطلبته سبعينيات القرن الماضي بزخمها الثقافي، والسياسي، والاجتماعي، ومجمل أعماله المسرحية وحضوره اللافت شواهد. حاليًا تبدو الكيانات، والأوضاع الفنية والثقافية والسياسية، والفكرية والاجتماعية، في المنطقة العربية آيلة إلى بعثرة مدروسة وتشرذم مقصود، ومسرح أوال بإمكانياته التطوعية العامة المحدودة، لا يملك ما يستطيع به المساهمة في درء تصحرّ فني، وتفتت ثقافي، وابتذال فكري، يعملون جميعًا بعلم ودراية على نخر عظام ثقافة حيوية أصيلة سادت وأنجزت!
اهتمام

• أنت متعدد المواهب والاهتمامات، وأعتقد أنك تعمل بصبر وأناة وتأمل وتجريد. هل تتفق معي على هذا التوصيف؟

•• إن تعدد الاهتمامات والمواهب في ذات واحدة يقتضي أيضًا التحلي بأكثر مما ذكرتِ، وهذا ما أنا فيه وعليه حتى الآن، برغم أن كثيرين يرون استحالة مَسك أكثر من رمانتين في يد واحدة، بينما أرى أن يدي تسع الزمان كله!!.

– لنقل أنك بدأت مع التشكيل والسينوغرافيا، ثم جمعت ما بين الإخراج للمسرح، والإخراج للتلفزيون، إلى جانب التعليق على بعض الأفلام الوثائقية والإعلانية. أين تجد نفسك بين هذه الاهتمامات والانشغالات؟

•• في كل الأداءات والاشتغالات الفنية أجد ذاتي، وأحاول المزاوجة والمداخلة بين القيم الفنية والفكرية والتقنية التي يتأسس فيها، ويحتويها كل شكل فني أمارسه وأحاول الاجتهاد في إتقانه، إلى الحد الذي يكون فيه جديرًا بالاهتمام والاعتبار والحبّ عند المتلقي الذي هو الهدف الأسمى.

وجدان

•• سأستعمل تعبيرا استعمله الباحث والمثقف الدكتور حسن مدن لتشخيص حال الاستعداد للكتابة اليومية، أنها تعتمد على «الفكرة في امتلاك اللياقة للكتابة اليومية». عندما أحاول أن أنقل تعبيره من حال الكاتب الملتزم بكتابة عمود يومي أو أسبوعي، أجده يقترب من حال إنسان مثلك (متعدد المواهب). هل تمتلك فكرة الرهافة واللياقة للتفضيل بين عمل تشكيلي في الفراغ، أو سينوغرافي على الخشبة؟
* الرهافة، واللياقة، واللباقة، والحساسية، والدقة المتناهية، والبصيرة، والبصر، وملكة الملاحظة الخاطفة والمتأنية، كلها أمور أجد من الضرورة أن يحتويها وجدان المبدع، ولا يمكن بأيّ حال في رأيي الفصل بين العمل التشكيلي والسينوغرافيا، فكلاهما واحد متداخل منبثق من مواقع القبح والجمال في الإنسان والكون، ومن وعي البصيرة وملكات البصر لدى الفنان الذي يرى فضاء المسرح لوحة، وفضاء اللوحة عمقا سينوغرافيا محرضا على إيجاد معادل جذاب، يحتوي القيم الدرامية والبصرية الآخاذة.

«وجوه»

• المعرض التشكيلي (وجوه) أنتَ صممتَ ونفذتَ السينوغرافيا لهذا العمل الرائع. كيف قرأت عملا مرّكبا بتلك الصعوبة وأعدت تشكيله في الفراغ بتلك الجمالية العالية؟

•• المعرض تجربة استثنائية أقترحها على الحركة التشكيلية في البحرين، الفنان التشكيلي المتميز إبراهيم بوسعد. الذي حين دعاني إلى محترفه لمشاهدة التجربة حمّلني مسؤولية أن أكون جديرًا بابتكار شكل جديد مغاير لعرض تلك الأعمال التشكيلية على الجمهور.. وأثناء تأملي الأعمال، وتجوالي بين الوجوه المعلّقة المتفاوتة الارتفاعات والأحجام، قلت لــ أبو سعد: إقامة معرض لمثل هذه الأعمال، يحتاج إلى إخراج. فرد علي فورًا: على يديك ولهذا الغرض دعوتك! تعدد المواهب والاهتمامات والاشتغالات الفنية التي أشرت إليها في سؤالك الثالث، كان الفضل الأكيد في ولادة فكرة بلورة وتصميم وتنفيذ فضاء مميز خاص، يجمع بين التشكيل، والصوت، والكلمة، والسينوغرافيا، والتمثيل، والموسيقى. بمعنى الولوج إلى عالم الإخراج بمعناه الشامل الواسع، لتحقيق معرض لأعمال تشكيلية يتجاوز في شكله وفضائه وتفاصيله، كل السائد والمكرر، والمتعارف عليه في معارض الفنون التشكيلية. اتفقت وبوسعد على دعوة مبدعين آخرين، لمعاينة تجربته، وربما توريطهم بها، فحضر الشاعر قاسم حداد، والموسيقي خالد الشيخ، والمخرج عبدالله السعداوي، وبذلنا جميعا أفكارًا، أو مساهمات إبداعية، حققت تلك الفرصة البصرية والسمعية المدهشة، التي أسميناها (وجوه). وبفضل صدفة تواجده في البحرين فترة انهماكنا في الإعداد للوجوه، لا تفوتني التفاتة حق واجبة نحو مساهمة الشاعر العربي الكبير أدونيس، الذي ساهم معنا بكل الحب ّوالشغف في توظيف ملكة الصوت المدهشة لديه في قراءة أشعار قاسم حداد. وفق هارمونية أدائية أتاحت للفنان خالد الشيخ استثمارها وتوظيفها بذكاء لافت ضمن اشتغالاته التلحينية والأدائية، على نصوص حداد الشعرية، ولقد فتحت تجربة (وجوه) التشكيلية، التي ابتكرها أساسًا في سرّية وصمت التشكيلي البارز إبراهيم بوسعد، أفق الولوج بها إلى المسرح، بعد أن تضافرت وتداخلت معها ابداعات أخرى، أهّلتها لصياغة عرض مسرحي تحت عنوان (وجوه) الذي تبناه مسرح أوال، وتم عرضه في إحدى دورات مهرجان المسرح الخليجي التي أقيمت في دولة الكويت عام 1997م، وحازت جوائز أفضل إخراج وأفضل نص وأفضل ممثلة.

استثناء

• (وجوه) عمل ثقافي استثنائي نخبوي. ما رأيك بهذا الرأي؟

•• في المقولة التقليدية التي نكاد نؤمن جميعًا بها أن: «لكل قاعدة استثناء»، وغالباً ما يستنفرنا ويستحوذ على اهتمامنا هذا الاستثناء، سلبيًا كان أم إيجابيًا.. والجنون استثناء في قاعدة العقل، ولذلك يقال: «الجنون فنون»، كما أن كل شيء، أو حدث غريب جديد مدهش غير مألوف وغير سائد، يدفعنا غالباً إلى التعبير عنه بالقول: «صج فن»، و«وجوه» عمل فني فكري ثقافي، تأسس وتأصّل وفق ما ذكرت، لذلك بات إلى اليوم عملًا استثنائيًا في عموم قواعدنا الفنية المتعارف عليها في البحرين. أما وصفه بأنه «نخبوي» فمرده إلى أنه استثنائي. والنتاجات الفنية، والأدبية، والفكرية الحقيقية الأصيلة الواعدة تشي بوهم النخبوية، لأنها استثنائية، وليس لأنها موجهة لنخب ما في المجتمعات – فذلك فهم سطحي قاصر– هي نخبوية في رأيي استنادًا إلى أن مبدعيها قد انتخبوا موضوعاتها، وتقنياتها، وصاغوها بغير المعاد والمكرر والسائد، بل من معطيات وزخم الآفاق العريضة الشاسعة، وما تحتويه من رموز ودلالات وإشارات في الإرث الثقافي والفكري والإبداعي للحضارة الإنسانية. وحين نتأمل تجربة «وجوه» بحيادية سنلاحظ أنها فعلًا جديدة، ومغايرة لمجمل تجارب ونتاجات المبدعين، الذين ساهموا في إنجازاتهم، رغم أهمية ومكانة ووجاهة ما أنجزوه قبل تجربة «وجوه».
تجربة

• أين محل السينوغرافيا من ثقافة المجتمع وتحولاته المعاصرة، وتغير ذائقته الجمالية من عصر لآخر؟

•• في السنوات العشرالأخيرة من القرن الماضي وصولًا إلى الآن، تقاذفت التجربة الخليجية – المهرجانية بالذات– كلمة «سينوغرافيا»، كبديل لما كان سائدًا، ويطلق عليه (المناظر أو الديكورات المسرحية) التي كان يتم في ضيرها، سكب العرض المسرحي، وأيضًا لإبراز وتحديد الوحدتين التقليديتين اللتين تدور فيهما الأحداث، وهما وحدتا «الزمان والمكان»، واستنادًا إلى ما تحصّلتُ عليه من تجاربي، ومحاولاتي السينوغرافية المحدودة، فإنني أعتبر أن الديكور ما هو إلا مكون جزئي يسير من مكونات السينوغرافيا الواسعة المعاني والدلالات. وأنها لا تعني الديكور حسبما يعتقد، أو يتوهم كثير من مسرحيينا، بل هي أعمق، وأرحب، وأبلغ، معنًى؛ لأنها تتجاوز كتل الديكور الجامدة، وتذهب بعيدًا مستشرّفة أفق الخيال التشكيلي الذي لا حد له.

• قُدمت عدة ورش وندوات هامشية ومركزية في مهرجانات المسرح الخليجي والعربي كذلك، ولكن ظل مفهوم السينوغرافيا حمّال أوجه، يستعمله غير العارفين له، لدرجة بدأ الوضع يُشكِّل تعارضا وتضاربا.

•• السينوغرافيا باختصار شديد تعني وجوب إيجاد فضاءات موحية آسرة، دالة على الأزمنة، والأمكنة الواقعية والمتخيلة، والمناخات والأحاسيس، والخيالات والرؤى، سواء ما يقتضيه العمل المسرحي، أو السينمائي، أو التلفزيوني. ولتحقيق مجمل ذلك يقتضي توظيف الطاقات البصرية المستمدة من الضوء، والظل، ومعطيات الفنون التشكيلية، والخامات الطبيعية، أو ما يماثلها، وإضفاء ما يقتضيه أو يستدعيه الفعل المسرحي أو السينمائي، من التكوينات والدلالات الموحية، والأبعاد الواقعية أو الرمزية، التي تقود إلى جذب المتفرج، وشحذ خياله، وإعمال فكره منذ وهلة العرض الأولى وحتى النهاية. لقد انبثق مصطلح السينوغرافيا وبات متداولًا بين المسرحيين لدينا إثر انعطاف التجربة المسرحية الخليجية، نحو عوالم التجريب ودهاليزه ومتاهاته، التي حسب رصدي ولدت عند المسرحيين حالة من الشغف بمصطلح السينوغرافيا، كبديل بدا لهم تجريبي وحداثي الوقع والإيقاع اللفظي، عن «الديكور»، فتصدّر المصطلح الجديد جل المطبوعات، والملصقات، وكتيبات العروض والندوات. وبذل كثير من المخرجين ومصممي الديكور اجتهادات ومحاولات متفاوتة، لإضفاء ما تيسر لهم استيعابه ومقاربته من المفاهيم السينوغرافية على عروضهم، فأخفق بعضهم وتيسر لبعض آخر تحقيق نجاحات ملحوظة لافتة، ربما من أبرزهم في تقديري المخرج والسينوغرافي الشاب الإماراتي الواعد محمد العامري، الذي تمكن باقتدار ومهارة تقديم عروض مسرحية احتفت بفضاءات سينوغرافية مبتكرة باهرة، تجلت في أجوائها المعاني، والتلميحات الشغوفة، والدلالات الرمزية العميقة المدروسة، والأبعاد التشكيلية والضوئية، والقيم البصرية الآسرة. كان آخرها سينوغرافيا العرض المسرحي اللافت «صهيل الطين» الذي فاز بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل، وأفضل سينوغرافيا في الدورة الثالثة والعشرين لأيام الشارقة المسرحية التي أقيمت في شهر مارس 2012 بالشارقة. ومن متابعتي الحثيثة لمنجزات هذا الشاب المسرحية، أكاد أجزم أن تجاربه السينوغرافية المدهشة، ناهيك عن تجاربه الإخراجية الرصينة، جديرة بالاحتفاء، والدراسة، والتعميم، كونها تصدر عن ذهنية مسرحية باحثة قلقة خلاّقة. أخيرًا فإنّ المتابع لعديد من عروض المهرجانات المسرحية والموسمية لدينا، يتجلى له ما يمكن التعبير عنه بالتنافر واللاتناغم بين مقولة النص والرؤية الاخراجية والفضاء السينوغرافي المقترح لتلك العروض، وهي معضلة على المسرحيين إخضاعها لمباضع المناقشة الفنية العلمية الهادئة بينهم، وبين فنانين تشكيليين، ممن يمتلكون قدرات واقعية وحداثية وتجريبية، في التعاطي مع الرسم، والتصوير، والتلوين، والصياغات التشكيلية. ذلك أنه من المرتكزات الرئيسية الحاسمة لتحقيق السينوغرافيا بجودة تقنية عالية المستوى، وبصرية فنية احترافية أخّاذة، هي الفنون التشكيلية وعوالمها المدهشة، والتي ما برح روادها ومبدعوها انكفأوا إلى ذواتهم وبعيدون جدًا جدًا عن «التشكيلية المسرحية»، التي تحتاجها وتطمح إليها عموم الفرق المسرحية الأهلية الخليجية.

مساءلة

• ماذا عن مفهوم الزمن في فلسفة الإبداع والفن التشكيلي؟
المفروض أن الزمن يرسخ مفهوم الإبداع وينميه سواء في الفن التشكيلي أو في غيره من المجالات الإبداعية. فالزمن هو الذي يتيح مساحة لمراكمة الإنتاج من أجل بلوغ مراتب إبداعية عالية في التجارب الفنية عمومًا، إضافة إلى ما يحققه الزمن أيضًا من فرص تجاوز المنجز، لتطوير الأفكار والرؤى والتقنيات، من أجل تنفيذ غير المنجز بعد.

• صياغتك للأجواء الفرجوية والسينوغرافية للأمسيات الشعرية (لا يتشابه البحر- على قلب واحد- وشائج- تستاهلين الخير…)، يمنح لمفهوم المكان عدة أبعاد منها ترميم الذاكرة، توطينها، مساءلة الأمكنة والشجون… وتبدو أزمة المجتمعات الخليجية اليوم أن إنسانها يعاني من أزمة داخلية (زمكانية) وليست (لغوية). ما رأيك؟

•• برأيي أن الإنسان مرتبط روحيًا بالمعمار الذي يولد ويترعرع في كنفه، والمعمار بالتالي هو المكان، وحين يغادر الإنسان «المعمار /المكان/ الأمكنة»، تتولد في نفسه الغربة، التي هي الأزمة الداخلية، تمامًا مثلما يغادر الإنسان وطنه، فتنشأ في دواخله وأحاسيسه مشاعر بالغربة.. اللغات يمكن اكتسابها، لكن الأماكن يستحيل استنساخها لأنها تتلبد في الذاكرة، والذاكرة طفولة، ونشأة وترعرعا، ومكتسبات وذكريات. وأهل الخليج لم يحافظوا على معمارهم الأصلي ويطوروه بالضرورات العصرية الملحة، بل غادروه تمامًا. إن اشتغالي سينوغرافيًا على الأجواء الفرجوية للأماكن، والبيوت، والمعمار، والأزقة، والحواري، والساحات، في مدن وقرى البحرين العتيقة والقديمة حين أخرجت للشاعر البحريني «علي عبدالله خليفة»، أمسياته الشعرية التي أشرت إليها، كانت فعلًا بقصد نبش الذاكرة وترميمها وتذكيرها وتحريك مخزونها، من أجل إشاعة أحاسيس الشجن، والحنين، والوله، عند المتلقي، وإعادة روحه إلى مرابعها الأولى، حيث الأصالة والدفء والفطرية والعفوية، وهو اجتهاد حاولت مواصلته حتى في المسلسلات التلفزيونية التي أخرجتها مثل «بن عقل، ملح وذهب، ليل البنادر، عويشة، دروب».

«ولهان يا محرق»

• «ولهان يا محرق» هذا عرض فرجوي تراثي تم عرضه في ساحات وأزقة مدينة المحرق العتيقة في البحرين أغسطس 2009. اليوم يمر أهلنا في البحرين بمتغيرات سياسية كبيرة نسأل الله أن يحفظ أوطاننا. سؤالنا عن علاقة الفن بالسياسة وعلاقته بالحرية؟

•• أعددت وأخرجت الفرجة التراثية «ولهان يا محرق» في فضاء سينوغرافي معماري تراثي أصيل مفتوح على كل الناس التي تجوب الأزقة والطرقات و»البرايح»، وهو فضاء قد أعدّ سلفًا بسواعد أهل مدينة المحرق العتيدة في البحرين ربما في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أو قبله أو بعده بقليل، وكل ما أضفته إلى ذلك الفضاء، هي مقتضيات الفرجة والمعايشة والإدهاش الفني من التقنيات المرئية، والضوئية، والسمعية والبصرية، وبعض من أزياء أهل البحرين في تلك الفترة الزمنية، وحشد من الممثلين والفنيين والفرق الشعبية والمجاميع. هذه الفرجة التي دام عرضها ليالي ثلاث استمتع بها وتجاوب معها جمهور البحرين بكل فئاته، إضافة إلى السواح، العرب والأجانب، لكنها ظلت تجربة يتيمة واحدة رغم مطالبة الحضور بإقامة مثلها كل عام في المحرق، وسائر قرى ومدن البحرين، لكن للأسف لم تحظ التجربة باهتمام من يعنيهم أو من بيدهم أمر استثمار مردودها الوطني والفكري والثقافي والتراثي والحسي في الناس..
ومن هنا ندخل على خط مقاربة الفن بالسياسة والعكس، بمعنى أن المشاريع الفنية الحيوية على شاكلة «ولهان يا محرق» التي تعيد وتستعيد وتستحضر وتمجد وتحكي الإرث والتاريخ والقصص والحكايات والأحداث والمواقف الوطنية وتنبش وتفتش في مجمل ذاكرة الوطن، هي في الوجوه والأبعاد المتعددة للسياسة، وجه أو بعد سياسي إيجابي آخر لم تحمله وتفرزه من مضامين ومواقف ورؤى وطنية ينبغي- بل يجب- دعمها وتكريسها ومنحها أقصى فضاءات الحرية في التناول والطرح والتنفيذ وفق أعمال فنية مفتوحة على الناس في كل عام.

رؤية

• السينما والتلفزيون والإذاعة كلها وسائط لها متلقوها وجمهورها وتأثيرها. الفن التشكيلي والمسرح جهازان مختلفان. الأول أقرب إلى الفردانية والنخبوية والتجريد، بينما الثاني شرط حضوره هو المجتمع. ما شكل المتلقي في الأزمنة البصرية القادمة إذا تقاطعت هذه الفنون وتجاورت؟

•• أنا أرى الفنون جميعها خيوط نسج لقماشة واحدة هي الإبداع. وإذا كان كل فن منفردًا بذاته في أزمنة خلت، فإنّ الفنون جميعها تتقاطع، وتتداخل، وتتجاوز، وتتمازج، ويكمِّل بعضها الآخر حاليًا.. وأن الفنون البصرية على الأخص هي الأبرز تداخلًا وتلاحمًا ومزاوجًة في عصرنا الراهن، وسيزداد حضورها ووهجها وطغيانها على ما عداها مستقبلًا. والمتلقي خاضع منذ الآن لسطوة وهيمنة الفنون البصرية وتجلياتها، وما الإبداع السينمائي المعاصر، والوسائط البصرية الحديثة إلا دليل دامغ على ذلك.

جائزة

• فزتَ بجائزة أفضل سينوغرافيا لمسرحية (يوم من زماننا) لسعدالله ونوس. وعُرضت المسرحية في مهرجان المسرح الخليجي السادس الذي أقيم في مسقط. بين زيارتك تلك لعُمان وزيارتك الحالية يفصلك ما يقرب الــ 11سنة. كيف تنظر إلى هذه المسافة الزمنية؟

•• أسعدني جداً أني فزت بجائزة أفضل سينوغرافيا في عُمان لسببين: الأول أن عُمان في ذاتها، وطبيعتها، وأجوائها، وجمالها، تمثل سينوغرافيا استثنائية ملهمة للفنان.. والثاني أني عرفت الإنسان العماني عن قرب فأدهشني بعلو أخلاقه وتواضعه وإنسانيته وثقافته وبديع تعامله، فأحببت عمان جدًا، وأجد أني محظوظ إلى حد بعيد كوني فزت بجائزة السينوغرافيا في عمان، وأعود إليها الآن وبعد أحد عشر عامًا لأسعد بالتكريم على أرض صلالة.. إنها مصادفة مفرحة مدهشة.. فتحية صادقة من القلب لعمان ولأهلها الطيبين الكرام.

• هل من كلمة أخيرة تود إيصالها إلى المسرحيين والأخوة العرب الذي يحتفون بك في صلالة؟

•• من شغاف قلبي أتقدم إلى كل الأحبة الزملاء الفنانين المسرحيين، والأخوة الأعزاء من الفنانين العرب، الموجودين بيننا في صلالة، بالمحبة والامتنان والعرفان لفضلهم، وأعلن أني مدين بالكثير مما عرفته، وجربته، واشتغلتُ عليه في تجربتي الفنية المحدودة المتواضعة، إلى ما تعلمته منهم، واستفدته من نقاشاتهم، وآرائهم، وتجاربهم، وكتاباتهم. متمنيًا لهم جميعًا النجاح والتوفيق والتفوق في مهماتهم الإبداعية. كما أزجي شكرًا خاصا، ومحبة صادقة لصلالة عمان الجميلة.

 

http://main.omandaily.om

حاورته: آمنة الربيع


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *