المسرح الطقسي والربيع العربي

قال الزميل الناقد المسرحي جمال عياد، إن «المسرح الطقسي والربيع العربي»، يمكن تناوله عبر محورين، يتمثل الأول في تقنيات المسرح الطقسي التي حضرت في تظاهرات «الربيع العربي»، فيما يتجسد الثاني بدور المسرح الطقسي في تهذيب الطاقة الثائرة.

 

 

جاء ذلك في الندوة التي نظمها «الرأي الثقافي» في مركز «الرأي» للدراسات، حول «المسرح الطقسي والربيع العربي»، بمشاركة عدد من المسرحيين العرب الذين زاروا عمّان مؤخراً بدعوة من مهرجان عشيات طقوس في دورته الخامسة.

وأضاف عياد أن تقنيات المسرح الطقسي أثناء التجمعات ذات الطابع العفوي والتي انتظم فيها الناس وفق الاختيار الحر، برزت عبر الأنساق الدينية أساساً، فكانت الشعارات جُلها مفادة من الفضاء الفكري الإسلامي، مثل «الله أكبر» و»لا إله الا الله» و»الشهيد حبيب الله»، وسوى ذلك من شعارات مشابهة تكررت في الشوارع والساحات أثناء توق الشعوب إلى حريتها، وتعبيرها عن الذات الجمعية التي وحّدها الاضطهاد السياسي والطبقي، والمعاناة من ظواهر الفساد.

أما المحور الثاني، فيؤشر على دور المسرح الطقسي في تهذيب الطاقة الثائرة، كي لا تتحول هذه الطاقة إلى منحى تدميري، وبحيث يتم توظيفها في بناء مرحلة ما بعد الثورات.

في ثورات «الربيع العربي»، يقول عياد، كأننا شاهدنا الآفاق الطقسية القديمة؛ فجاءت الثورات عفوية، ولم تبدأ بقرار من جهة معينة، سواء من السلطات السائدة أو من قوى المعارضة التقليدية. وكانت الحاجة ماسّة ليطالب الناس بالحرية وحق العمل، وسوى ذلك من أمور حيوية. وكذلك كان المسرح الطقسي القديم، إذ كان الناس يعبّرون من خلال فضاءاته عن حاجتهم إلى المطر والصيد.. وعبر أنساق الديانات، والأعراف والعادات المفادة من تلك الأنساق، كانت الشعوب قديماً بحاجة إلى الحرية والتخلص من الاضطهاد.

فعلُ حرية

رأى الفلسطيني عيد عزيز، أن من يمارس أي فعل طقسي، يجب أن يكون حرا، وإن ما كان يجري في الساحات العربية من ثورات هو عبارة عن طقوس كاملة أو عروض مسرحية. ففي أحد البلدان العربية كان الناس يصطفّون ويقومون بالغناء، ويشعلون النار ويلتفّون حولها، تماما مثل رقصة النار في الطقس القديم.

وبيّن أن أهم رابط بين الطقس المسرحي قديماً والربيع العربي حالياً، هو أدوات التعبير التي كانت تُستخدم، وهي الشعارات الدينية، فقد كانت بعض الديانات تستخدم أثناء تأدية الطقس كلمات وأصواتا خاصة بها. كما أن أدوات التعبير التي استُخدمت في ثورات الربيع العربي، جاءت لتحاكي الطقس المسرحي القديم، وقد تجلى ذلك في مجموعة ممارسات، وبخاصة تحريك أجساد المجاميع بحرية لصنع لوحات مسرحية ضخمة. فعندما أدرك المواطن أن بإمكانه نيل حريته، استطاع أن يمارس الطقس الذي يحبه، وأن يوثق العلاقة الروحية بين جسده والفضاء المحيط به.

ورأى أن أي شيء مؤذٍ روحياً أو جسدياً لا يُعَدّ طقساً في «الربيع العربي»، وأن هذا «الربيع» أسهم في اكتشاف كل فرد لنفسه، وبيّن أهمية تعاضد الجماعة، بعد أن أدت فترة الكبت والحرمان التي مورست على جوارح الإنسان العربي وجسده خلال أربعة عقود، إلى منعه من اكتشاف روحه.

الطقس لا يتكرر

ذهب النمساوي شمال أمين، إلى أن الطقس استثناء، فهو يتجاوز العادات.. إنه الخروج من اليوميات.. هو تحويل الزمن اليومي إلى زمن طقسي، وتحويل المكان اليومي إلى مكان طقسي، وتحويل الحدث اليومي إلى حدث طقسي، فـ»الربيع العربي» مكان وزمان وحدث كلّ منها واقعي.

وقال إن الطقس هو «الفرجة» كمفهوم أوسع من المسرح، وإن الطقس تظاهرة وتجمع إنساني، والرقص عادة شعبية. فعند الحديث عن «الربيع العربي» وعلاقته بالطقس، لا بد من معاينته بالربط بينه وبين المكان، ومن دون المكان لا نستطيع تحديد الزمان أو تجسيد الحدث. إذن، فـ»الربيع العربي» هو خروج من العادات وخلق حالة استثناء، وهو خروج أيضا من الزمن اليومي.. فقد كان هناك تجمُّع لساعات في ساحات التحرير، ولكن هذا الزمن والمكان والحدث تحولت جميعها إلى حالة استثنائية.

وأضاف أن بالإمكان ربط «الربيع العربي» بهذه الحالة الطقسية، فهناك نوع من الإخراج المسرحي، إذ يتم تحضير المكان وتحضير المواد، ولا يوجد هناك بروفة للطقس. فالطقس يجري لمرة واحدة ولا يتكرر، والطقس لا يوجد له تكرار بالمعنى اليومي، فالطقس يخلق صفات جديدة دائماً.

واستطرد بقوله إن هناك طقوساً فردية وجماعية تمارَس منذ الحياة البدائية حتى زمننا هذا، كما يحدث في ظاهرة الختان أو الوشم، ففي بعض القبائل يغادر الفرد ليخوض التجارب ويعود بهوية جديدة مختلفاً عن حالته الطبيعية الأولى. والأمر نفسه بالنسبة للشعوب العربية التي خرجت إلى الميادين وخاضت تجارب جديدة، فهي لن تعود كما كانت عليه.

الحفاظ على الهوية

قال المصري سامي جميل، إن البطل في الطقس القديم كان تراجيدياً، يعتمد أساسا على الكلمة وبعض الأفعال التي يؤديها، ولكن في ميدان التحرير أو أيٍّ من الميادين العربية الأخرى، كان هناك أبطال تراجيديون حقيقون، فعندما نشاهد شخصاً يقف في مواجهة الدبابة، فهذا يعدّ فعلا تراجيديا، لأن هذا الشخص يمارس هنا طقسه الخاص، في بحثه عن الحرية والتحرر.

وأضاف أن علاقة الطقس مع «الربيع العربي»، نشدت الحفاظَ على «الهوية العربية»، فقديماً استوردت بعض الدول العربية أفكاراً مستحدثة ليس لها أي علاقة بعاداتنا وتقاليدنا، فجاء الطقس في هذه المنطقة لإعادة هذه الهوية. والسؤال هنا كيف نحافظ على إنسانية طقوسنا، لنصنع منها ملحمة عربية إنسانية كاملة، نواجه بها أي مركزية وهيمنة فكرية غربية؟

ولفت جميل في هذا السياق، إنه مع فكرة «المثاقفة»، ولكن دون إغفال قول غاندي: «عليّ أن أفتح شباكي لكل الثقافات شرطَ ألاّ تقتلعني من جذوري».

وتوقف جميل عند الدراما بعد الربيع العربي، إذ أصبحت تنشغل بإعادة بناء الإنسان، والتخلص من الشوائب التي حملناها على مدار نحو قرنين من الزمان، والعودة الى الوجدان والحس والتأثير في المجتمع.

خروج عفوي للشارع

ورأى العراقي عبد الرضا جاسم أن المسرح نشأ طقساً، فالطقس هو الذي أسس المسرح، وهو الذي منحهُ أجواءً روحانية ودينية وفلكلورية وتراثية.. فنشأ المسرح من خلال العبادات والتقاليد والطقوس، ولم تكن تلك تجري ضمن أمكنة محددة، بل اعتمدت على الساحات والحدائق ودور العبادة، وكان مكان العبادة عفوياً وغير ممنهج وغير مقنن، ثم أصبح يُكتَب للاحتفالات السنوية نصوص ومقاطع مسرحية في وقت لاحق.

وأوضح أن خروج الناس عفوياً إلى الشارع للتعبير عن رفضهم للسياسات الرسمية، يتقاطع مع المسرح الملحمي عند بريتولد بريشت، من مفهوم التطهير إلى مفهوم التحريض والتغيير. فالثورات العربية هي ثورات ملحمية ومحطات، لأن المسرح الملحمي يعتمد على المحطات وليس على النسق المتكامل، فهو ينطلق من محطة، ومن ثمّ يلغيها باتجاه محطة أخرى.

وبيّن جاسم أن الشعارات التي تتبناها المجاميع في الشارع، تشكل الهيكل العام لهذه الثورات، حيث رفْض الهيمنة والتسلط والاستبداد.

وقال إن القضية الأساسية في الثورات العربية، تتمثل في ألاّ تؤثر في طقوسنا وألاّ تخدش معتقداتنا، وفي الوقت نفسه ألاّ تكون تهديمية وتدميرية. ومن خلال الثورات علينا أن «نبروز» هذه الطقوس ونعرّف العالم بأن شعوبنا تنطوي على قدر كبير من الإنسانية والوجدانية، وأنها خيّرة وصانعة للحياة بعد أن كانت مصدرا لصناعة الموت، بحيث وصل بنا الحال في التسعينات، إلى أن العربي هو مصدر قلق وخوف أينما ذهب.

http://m.alrai.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *