المسرح الوطني يغرق في الشتاء ويلتهب في الصيف

لا تزال بغداد تزرع الحب والحياة، ولا يزال المسرح الوطني يشهد العديد من الفعاليات الثقافية والفنية، لاسيما مع بدء فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013، فهو

 

المسرح الكبير الوحيد الصالح للعروض السينمائية والمسرحية والنشاطات المهمة في بغداد. توافد الوفود العربية والأجنبية للمشاركة في هذا الحدث الكبير والمهم، وضع القائمين على ادارة المسرح في حرج كبير فهذا الصرح الحضاري لا يزال يفتقر للكثير من الخدمات المهمة، واولها عدم وجود تبريد داخل قاعة المسرح، رغم المبالغ الكبيرة التي رصدت لإعماره على مدى السنوات الماضية.«المسبح الوطني»
مدير قسم العلاقات والإعلام في دائرة السينما والمسرح زينب القصاب بينت أن المسرح الوطني من المعالم المهمة في العاصمة بغداد وقد افتتح في ثمانينيات القرن الماضي، اذ كان من أكبر المسارح في المنطقة، لكنه عانى من الاهمال ولم تكن محاولات اعادة اعماره بالمستوى المطلوب بسبب حالات الفساد، وفضلت القصاب أن تتولى عملية اعادة إعمارالمسرح الشركة التي قامت بانشائه، لانها تمتلك مخططات كاملة وبتفاصيل دقيقة عن جميع المرافق الموجودة فيه ، فسطح المسرح مازال يمتلئ بالماء شتاءً نتيجة الشقوق في سطحه والخشبة الخاصة بالعرض في حال أسوأ من الخشبة القديمة نتيجة تشبعها بالماء المتساقط عليها من السقوف ، وفي الشتاء الماضي غمرت المياه اجزاء واسعة منها، واطلق عليه البعض تندرا اسم (المسبح الوطني) ، مبينة ان فصل الصيف يشهد اقامة العروض المسرحية والاعمال الفنية في جو حار جدا، لأن التبريد المركزي للمسرح عاطل منذ فترة طويلة ، ولم يتم اصلاحه، بل استعيض عنه بمرواح واجهزة تكييف مخصصة للغرف الصغيرة ، علما ان العاصمة بغداد مقبلة على استضافة مهرجان عاصمة الثقافة العالمي ، مشيرة الى ضرورة ان يتولى ادارة المسرح الوطني شخص يستطيع ان يوظف الاموال في مكانها الصحيح من اجل اعمار هذا الصرح الكبير، واضافت لا تنتهي المعاناة الى هذا الحد بل تتعدى ذلك الى ان المسرح الوطني يضم ملاك دائرة السينما والمسرح بأقسامها الكبيرة والمتعددة ولاتوجد بناية خاصة بها.

استمرار ثقافي

الفنان عزيز خيون قال : أغلب البلدان تهتم برموزها وتهتم بصروحها الثقافية، والعراق الآن أحوج ما يكون للاهتمام بالمعالم الثقافية ومنها المسرح الوطني، لا سيما أننا نمر بفترة تعد من أصعب الفترات التي عاشها المواطن العراقي، مشيرا الى أن الحديث عن المسرح الوطني كصرح ثقافي لايقصد به شخص او مسؤول ، وانما نتحدث عن عناوين، لأن إعمار المسرح الوطني هو استمرار ثقافي للظاهرة المسرحية العراقية وللفعاليات الثقافية من موسيقى وتشكيل ومهرجانات، خاصة اننا لا نملك غيره كمسرح يمكن ان يحتضن مثل هكذا فعاليات او مهرجانات بعد ان نسينا الرشيد والمنصور وبعض المسارح الأهلية .
وأوضح خيون لايوجد شيء ملموس في إعمار المسرح الوطني ابتداءً من الاستعلامات الخارجية وانتهاءً بالكافتيريا ومنظومة التدفئة والتبريد، عندما تدخل في مكان يخضع للإعمار فلا بد من أنك تشعر بوجود لجنة تضم مهندسين وخبراء يتابعون هذا العمل وعندما ينتهي يجري الكشف والتحقق مطابقة العمل للمواصفات المتفق عليها حسب ما تمت دراسته وتخطيطه”، وأفاد “للأمانة لم يحدث اعمار في المسرح الوطني وهذه خسارة لنا ولثقافة البلد.

مقاول أرصفة

من جانبه يرى المخرج حسين السلمان أن عملية إعمار المسرح الوطني متلكئة ولم تصل الى حد المتوسط، إذ لا ينظر الى تغليف الجدران والزجاج وانما ينظر الى المسرح الذي هو الأهم في عملية الإعمار، وتساءل السلمان هل امتلك التقنية الحديثة المعاصرة الموجودة في المسارح العالمية؟ ويرجع السبب حسب رأي السلمان الى أن “المقاول المنفذ ليس له معرفة ودراية بمثل هذه المشاريع، فعمله يقتصر على تبليط شارع او عمل رصيف، فالذي يرمم المسرح يجب أن يكون مختصا في المسارح.
وأكد السلمان، أن “الإعمار بشكل عام لا يتوافق او ينسجم مع متطلبات المسرح الوطني ولم تنفع عمليات الترميم في اعادة المسرح الى ماكان عليه، بل جعلته أسوأ من السابق، واصبحت المعاناة مضاعفة للممثل والجمهورعند مشاهدة العروض في جو حار وخانق بسبب عدم وجود التبريد.

مسرح يتيم

المخرج ابراهيم حنون قال : المسرح ذاكرة وشاهد على الإبداع العراقي وهوالمسرح اليتيم في العراق ، وقضية إعمار المسرح الوطني اصبحت شبه أزلية، فالمكان تم بناؤه منذ سنوات طويلة ويحتاج الى إدامة بصورة مستمرة، وأهم مشكلة فيه هي التبريد المركزي في القاعة الرئيسة للعرض، فمنذ سنوات لم يجد القائمون على امر المسرح حل جذري وحقيقي لهذه القضية، لذلك فإن الجمهور المتعطش للعروض يتردد في الحضور بسبب معاناته من الاجواء الحارة في قاعة المسرح، مبينا انها مسألة بسيطة وممكن تحقيقها باستشارة المختصين بهذا الشأن،كما أن المسرح لم يعد يواكب التطورات السريعة الحاصلة في المسارح الكبرى كالإضاءة وباقي التقنيات الحديثة الاخرى.

حلول ترقيعية

مدير التقنيات سهيل البياتي تحدث عن تلكؤ إعمار المسرح الوطني قائلا : السبب الرئيس لتلكؤ عملية الاعمارهو ان أصحاب الاختصاص خارج مواقعهم الصحيحة، فأغلب المدراء ليس لهم علاقة بعمل المسرح، ولايمتلكون الخبرة التي تؤهلهم لترؤس تلك المناصب، مما ادى الى نتائج عكسية نشاهدها بوضوح ، واضاف : هناك قوانين تنص على ان الجهة المستفيدة لا تدخل طرفا في الموضوع، فلا يمكننا ابداء آرائنا، بينما الجهة المستفيدة تكون أعرف بما يحتاجه المسرح الوطني”.
وبين البياتي أن ” وزارة الثقافة ترسل لجنة تضم عددا من المهندسين يكونون في اغلب الاحيان غير مختصين في بناء المسارح لمعاينة ما يحتاجه المسرح، فتكون النتيجة في بعض الفقرات ناجحة، واخرى ليست بالمستوى المطلوب، مشيرا الى وجود امور معلقة بين المقاول والوزارة منعت من تسليم المسرح الى الوزارة بانتظار اللجنة التي ستتولى الكشف وبيان صلاحية المسرح للعرض، علما ان العروض المسرحية مستمرة منذ فترة.

تغيير جذري

مسؤول تقنيات خشبة المسرح الوطني عماد صفوك: بين أن احدى الشركات الفرنسية وبالتعاون مع عدة شركات عالمية اخرى قامت ببناء المسرح الوطني الذي افتتح في العام 1981 وكانت الضمانات التي أعطتها الشركة آنذاك انه يعمل لمدة 10 أعوام ومن ثم يدخل في الصيانة الأولى، وبسبب الحروب والحصار لم تدخل اية شركة أجنبية للصيانة المسرح منذ ذلك الحين، وبدأت الشركات المحلية تتولى عمليات الصيانة، وبما ان الشركة المنفذة هي التي تعرف خبايا هذا المسرح فكل الشركات التي جاءت كانت أعمالها ترقيعية.
وعن سبب تسمية المسرح الوطني بـ”المسبح الوطني”، قال صفوك إنه “في أحد الانفجارات التي حدثت بالقرب من المسرح الوطني حدث شق كبير في سطح المسرح تم اصلاحه لأكثر من 22 مرة ولم تنفع جميع عمليات الاصلاح بغلق هذا الشق، الامر الذي ادى الى امتلائه بالماء خلال موسم الامطار وتسرب المياه المتجمعة في السطح الى خشبة المسرح .
واضاف صفوك غالبا ما تأتي لجان من الوزارة ليس لنا علاقة أو علم بها وهي غيرمتخصصة بأمور المسرح من اجل عمليات الصيانة وتقع في العديد من الأخطاء، ومن تلك الاخطاء أن الشركة المنفذة جاءت لعمل ستارة المسرح الرئيسة وكان ظن اللجنة انها ستارة شباك تتألف من قطعتين، ولا يعلمون ان لها تصميما وشكلا خاصا ولها تكسيرات محسوبة حتى تكون ستارة مسرح، مشيراً الى أن “أغلب عمليات الصيانة التي حدثت في المسرح الوطني جميعها معمارية وليست تقنية ، لافتا الى حصول اتفاق مبدئي مع احدى الشركات التركية المتخصصة باعمار المسارح ، لكن تم رفض الاتفاق معها بسبب عدم تعاملها ( بالقمسيون)، منوها الى ان المسرح الوطني مريض بداء التقنيات، فهناك ضعف بالأجهزة والاضاءة والتكييف وعدم صلاحية الخشبة وباقي البنى التحتية الاخرى للمسرح، مؤكدا ان حب موظفي الدائرة الهندسية لعملهم في المسرح هو الدافع الرئيس لاستمرار العروض في المسرح الوطني، ولولا وجود هذا التعامل لما كانت هناك اية عروض مسرحية، ويرى مسؤول تقنيات المسرح أن الحل يكمن في جلب شركة ذات اختصاص تقوم بإعمار المسرح فعلياً، فالمسرح الوطني صرح ثقافي يجب أن يدخل في قائمة التراث والآثار لما يكتسبه من مكانة فنية في قلوب العراقيين .

40 درجة مئوية

من جانبها قالت المواطنة شيماء حسين: إنها لا تحتمل البقاء أكثر من ربع ساعة داخل المسرح لمشاهدة العروض التي تقدم فيه بسبب الحر الشديد، الجميع يحركون أيديهم ممسكين بأوراق أو أي شيء آخر لتحريك الهواء من أجل تخفيف شدة الحر، وتتساءل كيف يمكننا الاندماج مع ما يقدم على خشبة المسرح ونحن تحت درجة حرارة تصل الى 40 درجة مئوية، كما ان الحمامات والمرافق الصحية تعاني من الإهمال وتراكم الأوساخ”.
وطالب المواطن عباس لعيبي الجهات المسؤولة عن المسرح الوطني بالإسراع في إيجاد حل ينقذ هذا المعلم الحضاري الكبير مما يعانيه من إهمال متعمد، فمن المعيب ان يجلس ضيوف عرب واجانب في قاعة المسرح في قلب العاصمة بغداد وهم يتصببون عرقا بسبب عدم وجود تكييف في مسرح يمثل وجه الدولة الثقافي.
الصباح

 

بغداد – نورا خالد

http://www.sotaliraq.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *