كفاح الخوص: حكواتي الشام يحيي ذاكرتها الشعبيّة

على خشبة «بابل»، أول من أمس، تألّق كفاح الخوص (1978) سارداً حكايا جمعها من الذاكرة الشعبية وأعاد تأليفها تحت عنوان «يوميات ملك حزين» قدّمها ضمن أمسيات

 

المسرح البيروتي الرمضانية. هكذا، نقل إلينا موروثاً جديداً من الحكايات التي تدور حول خواطر الشام الآن. لم يعد كفاح مجرد راوٍ شعبي من الشام، بل أصبح المدينة نفسها وهي تصرخ قصصها الدموية والبطولية ضمن قالب سردي شاعري قوامه عالم نوستالجي. أصبحنا نستمع إلى حواديت المدينة بخشية، كأطفال ينصتون إلى أمّهم المفجوعة: «الشام وصّتني خبّركن إنها مشتاقة لولادها، غصباً عنكن رحتوا وما بتعرف وين صرتوا».

ينمو شعورنا بأننا ننتمي إلى الحكاية، رغم أننا لم نسمعها قبلاً. ربّما كان كفاح يوقظ فينا لاوعياً جماعياً توارثناه عن أجدادنا الذين سمعوا هذه الحكايات ولو بأشكال مختلفة. جدة كفاح التي كانت تخبر الحواديت في قريتها الزبداني، كانت تقول لحفيدها بأنّ هناك فقط 13 حكاية في العالم، ولك أن تؤلف على أساسها. لم يتباطأ كفاح في عملية التأليف. منذ 2002، عمل على الحكاية الشعبية وتطويرها وصولاً إلى مسرحتها وأنسنة الشخصيات وربطها بالحاضر.
ينتقل الحكواتي السوري من حكاية الى أخرى على أنغام البزق (آري جان سرحان)، فيكمل هذه الموسيقى السردية في أبيات عتابا. كل بيت يعود إلى قصة تنتمي بدورها إلى زمان ومكان بعيدين يُعيدهما الى الواقع بكلمة أو بإشارة، فتشكّل مسرحة عالية بين تداخل الشخصيات والأزمنة والأمكنة، ثم إرجاعها إلى «الآن وهنا». تعود الأزمنة في الحكايات إلى عهد ظلم فيه أبناؤه وأعادوا الحق بالذكاء والشجاعة. من سالم الديب الذي رفع الحجر الثقيل ومنع البيك من ممارسة الجنس مع عرائس البلدة، مروراً بسعيد الفقير الذي مزّقته القذائف بعدما لعب دور الحصان لراجي الغني، وصولاً إلى الأمل في الجيل الجديد الذي انتصر بذكائه في جمع الشظايا من مكان عال لا يطاله أحد. إلا أنّ «يوميات ملك حزين» كانت الأقوى من بين القصص الأربع لناحية اللغة الشعرية، والأداء المضبوط. هنا، مزج كفاح بين دوره الذي يتوق فيه لأن يكون زبالاً أي زبال الحكايات الذي يكنّس ذهب الملوك، ودور رجل يتوق ليكون ملكاً في حديث مع أمّه، فيزيد القضبان والبطش. تتداخل الأدوار ويلعب كفاح حوار «الأنا» على مستويات مختلفة، كأنه يرسم هذه الأدوار بخطوط متوازية لا تلتقي أبداً. دوران _ الملك والزبال _ يمشيان معاً ولا يلتقيان إلا في مونولوجات متداخلة. هكذا أفصحت لنا الشام عن مكنونات سالم الديب، سعيد، أولاد الحارة، والحكواتي، كما أفصحت عن مكنونات الملك الحزين وما بينهم من صراع طويل.

 

خلود ناصر

http://www.al-akhbar.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *