مرضى لبنانيون يشاركون في العلاج بالدراما

كسر 16 من نزلاء مستشفى الفنار للأمراض العقلية والنفسية والعصبية، في الزهراني – جنوب لبنان – حاجز الخوف، وتواصلوا مع العالم الخارجي بعد انقطاع طويل. وقفوا على خشبة مسرح المدينة، وعلى مدى 50 دقيقة، استعرضوا نوعية وأعراض أمراضهم، مروراً بمرارة ما يعيشونه جراء نظرة المجتمع لهم.

كل ذلك حصل في مسرحية مختلفة من نوعها، اختارت لها معدتها ومخرجتها زينة دكاش ومساعدتها المخرجة سحر عساف عنوان “من كل عقلي”.

المسرحية تدخل في سياق العمل الفني العلاجي الذي تعمل عليه دكاش عبر مركز “كثارسيس” اللبناني للعلاج بالدراما منذ عدة سنوات. ويأتي هذا العمل بعد عملين سابقين لها الأول في سجن روميه للرجال، حيث قدم عدد من السجناء بعد جلسات العلاج بالدراما مسرحية “12 لبناني غاضب” في2009، أعقبه “شهرزاد ببعبدا” الذي قدمته سجينات بعبدا في 2012.

عن العلاج بالدراما وأهميته، تحدثت دكاش للشرفة.

الشرفة: نبدأ من “من كل عقلي”. ماذا عن حيثيات هذا العمل؟

زينة دكاش: بعد دخول مركز “كثارسيس” إلى سجني روميه للرجال، وبعبدا للنساء، قرر المركز وبالتعاون مع إدارة مستشفى الفنار للأمراض العقلية والنفسية والعصبية في الزهراني تقديم جلسات علاجات بالدراما للنساء والرجال الذين يتلقون العلاج فيه، بتمويل من السفارة الإيطالية.

ومنذ 2010 إلى اليوم، نعمل مع نزلاء المستشفى مِمَن واجهوا صعوبات المجتمع، لجهة الرفض لهم والتمييز، وصولاً إلى انقطاع الأهل والأصدقاء عن زيارتهم. رمت جلسات العلاج بالدراما إلى بناء ثقة المرضى بأنفسهم، وتمكينهم من تعزيز استقلاليتهم، والإفراج عن عواطفهم المكبوتة، والتعبير عنها بصوت عال.

الشرفة: وكيف أدت جلسات العلاج إلى فكرة المسرحية؟

دكاش: لنقل إن المسرحية هي نتيجة ما توصلت إليه جلسات العلاج الطويلة مع النزلاء.

فبعدما واجهنا صعوبة في التواصل معهم، بدأوا يتجاوبون مع جلسات العلاج بالدراما التي ظهرت نتائجها بوعي واضح للمرضى لوضعهم، من خلال النظرة الجديدة إلى واقعهم.

كانوا في هذه الجلسات يروون عن مرضهم، والعوائق التي صادفوها في مجتمعاتهم. عملياً، قصص نزلاء المستشفى الشخصية أدت إلى مسرحية “من كل عقلي” حيث روى 16 منهم قصصهم، فتركزت على مدى صعوبة المعاناة من مرض نفسي ما، ونظرة المجتمع إليهم.

أبطال المسرحية، وعبر 14 مشهداً بين مونولوجات جماعية وثنائية، عرّفوا عن الأمراض التي يعانون منها كالوسواس القهري، والفصام، وثنائي القطبين والاكتئاب.

الشرفة: إلى أي مدى المسرح والفنون والدراما يشكلون علاجاً ناجحاً؟

دكاش: إن دمج الدراما والفنون التعبيرية مع العلاج، طريقة فعالة تساعد في حل المشاكل وتعزيز النمو. الفنون تسمح ببناء الجسور بين الثقافات وفئات المجتمع المختلفة. استخدام الدراما لأهداف علاجية يعطي الفرد دوراً فاعلاً خلال علاجه، في جو سليم وآمن يسمح له بالتعبير عن نفسه.

الشرفة: وهل من معايير محددة في اعتماد العلاج بالدراما؟

دكاش: يقدم المركز خدماته للمجتمع وفقاً للمعايير الأخلاقية المعتمدة في العلاج بالدراما من خلال توفير وسيلة فعّالة للتعمق في الصعوبات، والتعامل مع المعاناة المحدّدة لدى مجموعة متنوعة من المستفيدين من العلاج، بمن فيهم الأكثر عزلة وحرماناً. ويعمل المركز أيضاً على بناء القدرات المحترفة في مجال العلاج بالدراما، ويقدم التدريب والتوجيه للراغبين بالعمل فيه، في لبنان والمنطقة العربية.

الشرفة: وهل يمد المركز خبرته من الخارج؟

دكاش: طبعاً، نتواصل باستمرار مع جمعية أميركا الشمالية للعلاج بالدراما “NADTA” وانطلاقاً من كوني مسجلة في هذه الجمعية كمعالجة بالدراما، نقف على تطور هذا العلاج، واستشارتهم في أمور كثيرة.

الشرفة: من هي الفئات المستهدفة بهذا العلاج؟

دكاش: نقدم العلاج بالدراما وبرامج المركز في أطر اجتماعية وتعليمية وعلاجية مختلفة، كمركز إعادة التأهيل من الإدمان على المخدرات، ومراكز العناية بالصحة العقلية والنفسية، والسجون، والعيادات الخاصة للأطفال والراشدين، والمدارس، والمسارح، والشركات. وفي كل هذه المراكز ومساحات العمل، نقدم مجموعة متنوعة من البرامج. فإضافة إلى المسرح كعلاج بالدراما، نعالج الإجهاد، وتعزيز التواصل، وتخطي مشاكل خاصة وتحسين نوعية الحياة.

الشرفة: بعدما قدمت عدة مسرحيات ضمن العلاج بالدراما، ما الذي تحقق؟

دكاش: سلطنا الضوء في مرحلة أولى على مشاكل موجودة، منها في سجني روميه للرجال، وبعبدا للنساء، وُرفع الصوت لتعديل واستحداث قوانين. اليوم، نأمل من خلال “من كل عقلي” أن نكون قد أوصلنا رسالة إلى المعنيين، لا سيما وزارة الصحة العامة، لإعادة النظر في تصنيف المرضى المصابين بأمراض نفسية وعصبية وعقلية، وتغطية كل ما يصابون به من أمراض أخرى.

الشرفة: ماذا بعد هذه المسرحية؟

دكاش: تمويل هذا المشروع من قبل السفارة الإيطالية انتهى. لكننا سنستمر بالعمل مع نزلاء المستشفى الذي يضم حوالي 250 مريضاً.

هاد طوباليان من بيروتhttp://al-shorfa.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *