التقنيــات الرقميــة وفرضيــات الهيمنـــة على المســـرح المعاصـــر

إن كتاب” المسرح والتقنيات الحديثة” من المفترض أنه  ينتمي إلى ذلك النوع من الدراسات التي تبحث في علاقة التقنيات الحديثة في تطور الفن المسرحي ، بمعنى آخر ،

 

تطور جميع تمفصلات المسرح من الناحية التقنية ، سواء على مستوى العرض المسرحي وما يدخل فيه من تقنيات تشتمل على تكوين المعمار المسرحي ابتداءً أو على مستوى تأسيس فضاء العرض من ناحية الإضاءة المسرحية والمناظر والتقنيات الأخرى ، وانتهاءً بتقنيات الممثل (الجسد والصوت) ، ومن جهة أخرى فإن النص الدرامي يفترض به ان يدخل في منظومة التقنيات ، الأمر الذي دفعنا إلى التفكير في كتابة درامية تنسجم مع تلك التقنيات الحديثة التي أشار إليها عنوان الكتاب.

ان جميع المشتغلين في المسرح صاروا يدركون إشتغالات التقنيات في تطوير العرض المسرحي ، منذ العروض الأولى التي قدمت في المسارح الإغريقية  ، والتي استخدمت فيها التقنيات بالرغم من انها في عصرنا الحالي عصر التقنية لم تعد فاعلة بالرغم من انها كانت تشكل المرجع الأساس في تكوين مفهوم التقنيات المسرحية .
أن هذا الكتاب يهشم جميع الفرضيات والطروحات التي تتعلق بمفهوم التقنيات المسرحية التي منحنا فرصة افتراضها في العنوان ، لتبدأ رحلة البحث عن المسرح في ظل تقنيات مسرحية تقصي المفهوم التقليدي والحديث للعرض المسرحي.
ولابد لنا من الإشارة إلى هذا الكتاب ، هو مجموعة من الدراسات تنتمي جميعها إلى ” المؤتمر الدولي عبر – المنهجي ( المسرح والتقنيات الحديثة) الذي نظمه مركز جاك بيتيه ومسرح فرانش – كونتيه الجامعي أيام 15-16-17 نوفمبر 2001 في بيزانسون”، بمعنى أن هذا الكتاب هو مجموعة من الدراسات التي تبحث في ظاهرة باتت تشكل واقعاً فاعلاً في المسرح العالمي الأمر الذي استدعى دراستها في مؤتمر علمي ، وفي إشارة إلى علاقة التقنيات بالمسرح من خلال استطراد تاريخي بسيط تذكر المترجمة في هامش الكتاب في إشارة لتعريف (الإله من الآله) تقول بانها ” شخصية أو حدث غير محتمل حدوثه يقود إلى نهاية غير متوقعة أو كما يقول الرومان (الإله من الآله) “، وفي ذلك العديد من المغالطات اولها ان هذه التسمية اطلقت على آلة تستخدم لرفع الالهة وإدخالها الى المسرح أو إخراجها منه ، وثانياً إن من بدأ باستخدام هذه الألة هم اليونان ، وخاصة في مسرح (يوربيديس) ، وقد كان يريد من ذلك تخليص العروض المسرحية من هيمنة الصفة الدينية عليها لذلك كان يعمد إلى إدخال الالهة في بداية العرض المسرحي لكي يوهم الجمهور ان الالهة مشاركة في الحدث ولكنه سرعان ما كان يرفعها من المسرح لتبدأ المسرحية بأحداث واقعية ، وفي ختام المسرحية فإنه كان يعمل على إدخال الآلهة عن طريق الآلة لكي تنهي العقدة التي اتسمت مسرحياته بصعوبتها .
ندرك جميعاً ان أهمية وجود التقنيات في العرض المسرحي تفيد على نحو خاص المخرج المسرحي ، وذلك لارتباطها بالمساهمة في تكوين رؤيته الاخراجية ، إلا ان التقنيات الحديثة التي يشير إليها كتابنا هذا ، تقصي المخرج من اشتغال التقنيات وذلك عن طريق التركيز على المؤلف في العديد من المواضع والتي يذكر فيها أن ” تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تؤدي بالمسرح إلى داخل مجموعة من  التجارب الجديدة التي من شأنها شحذ اهتمامات المؤلفين وإثارة فضول المتفرجين وطرح أسئلة أساسية عن الفن والانسان”.
ومع التداخلات  المعرفية المتوافرة في هذا الكتاب ، الذي يقدم نظرية جديدة  يعبر من خلالها عن مفهومه للمسرح الذي تتداخل فيه المفاهيم والتقنيات، والتي اطلق عليها (نظرية الهجين) قائلاً ” أن غزو التقنيات داخل العرض المسرحي يولد تساؤلات أساسية تتعلق بعلاقة المسرح وارتباطاته بما يحيط به ، التلاقي بين مجموعة الإمكانيات الحديثة المتوفرة للمسرح وإبداعات مؤلفيه وممثليه ومخرجيه يؤدي بالقطع إلى تعقيد طرق تناول العروض، بين المسرح والتقنيات الحديثة توجد عندئذ أشكال مسرحية جديدة مهجنة “، ويمكننا ان ندرك ان المؤلف يشير إلى وجود تقنيات هجينة على المسرح إلا انها باتت تشكل ظاهرة في المسرح المعاصر ، وبرغم الضعف الواضح في الترجمة والتي بدت في مقاطع عدة غير مترابطة إلا ان الفكرة العامة يمكن التقاطها .
ويرد في موضع آخر من هذا الكتاب رأي مختلف عن تلك الاراء التي باتت ساكنة في بحيرة المسرح والمتمثل بعلاقة الجسد بالتقنيات ، مشيراً إلى ” أن علم التقنيات يهدف إلى إلغاء الجسد الإنساني وإبداله بجسد بديل بواسطة تقنيات رقمية ذات ذاكرة محسوبة ومبرمجة ومراقبة ” ، ربما يمكن للتقنيات ان تدخل في تفاصيل الحياة اليومية ، كما هو حاصل في التخلي عن الكثير من عمال المصانع واستبدالهم بتقنيات رقمية ، إلا اننا في المسرح نتعامل مع جسد وروح الممثل الذي يجسد الشخصية ، وبالرغم من ان تجسيد الشخصية لم يعد بعيدا عن التقنية إلا أنها ليست قادرة على إضفاء الروح الكامنة في الممثل، وقد جربت السينما ذلك في العديد من التجارب السينمائية  وبخاصة في الفيلم الأمريكي (سايمون) تمثيل (آل باتشينو ) والذي تشتغل فيه التقنيات الرقمية والحاسوب في تكوين ممثلة افتراضية، من اجل الخلاص من عجرفة الممثلين المحترفين ، إلا انه في النهاية يفشل في منحها تلك اللمسة الأخيرة المتمثلة بروح الممثل/الإنسانية.
ويؤكد الكتاب على الإطاحة بالمخرج المسرحي في المسرح التقني من اجل ” تكوين مرتكز يتيح إمكانية الشطحات المادية والشاعرية للمؤلف- الممثل، وفي الوقت نفسه مثيراً للمشاهد في انطلاقة بصرية وذهنية ” ، بمعنى آخر فإن الحاجة الى مصمم السينوغرافيا في المسرح الرقمي /الافتراضي  لم تعد ضرورة ملحة، ولم تعد هناك حاجة إلى المخرج ، فيبدو ان هذا المسرح عازم على إقصاء الجميع واللعب في فضاءات التقنية الافتراضية  فحسب .
ويقدم المؤلف مقترحاته في مشاركة الجمهور داخل العرض المسرحي التقني عن طريق وجود الكادر المسرحي” على خشبة المسرح ، هناك ممثل ومصممة رقصات وتقني يقومون بتلبية اقتراحات المتفرجين الذين قد طلب منهم استخدام الحاسب الآلي وبعض الأدوات وكاميرا ، وكل هذه الاشياء ترتبط بالشاشة التي وضعت تحت تصرفهم وهم في هذه الحالة مخيرون بين مجرد المشاهدة أو المشاركة العملية ” ، وبذلك يكون المتفرج هو الفاعل الابرز في العملية المسرحية التي انتفت فيها عناصر الدهشة والصراع الدرامي الذي بات بإمكان المتفرج إلغاءه بمجرد الضغط على أزرار التحكم .
وفي عودة إلى نظرية الهجين التي طرحت في بداية الكتاب  حيث يعمد الباحثين إلى تقديم   بعض القرائن التي تؤكد على افتراضاتهم  ” من المؤكد إننا ونحن امام جهاز الحاسب الآلي لسنا أمام عرض مسرحي، لو اخذنا مثلا الاعمال المقدمة على أقراص مدمجة ، فإننا في أغلب الحالات مع مشاهد يبحث ويستعرض الشاشات المقترحة من البرنامج حتى إننا بالكاد نقترب من تأويل ودراسة وثيقة سمعية بصرية” .

(1-2)

صميم حسب الله

http://www.almadapaper.net/


شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *