«لينا أبيض» أعادت تقديم «عائد إلى حيفا» على خشبة بابلرض مؤثّر.. حضور كثيف.. وتواصل يستمر حتى 16 الجاري..

لم يكتب كبير نصاً إلا وعاش طويلاً.

وهو يعيش فقط لأن مضمونه المتميز والعميق وحامل الرؤيا، فيه إسقاط على هذا العصر وأزماته… وهذا على الأقل وحصراً ما واكبناه مع رواية عائد إلى حيفا، التي لا تكف عن الحضور بقوة بكل مفاعيلها في يوميات القضية وأبنائها، وقد كانت فرصة منذ أيام أن واكبنا المسرحية مجدداً مع المخرجة لينا أبيض، حيث أعادت تقديم العمل بتنظيم من مؤسسة غسان كنفاني الثقافية على خشبة بابل أيضاً وتمتد حتى السادس عشر من حزيران/يونيو الجاري، مع حفلات ماتينيه أيام السبت والأحاد في 8 و9، 15 و16 الجاري.
قلنا للسيدة لينا التي تجاوزت رأينا السلبي في مسرحيتها للأطفال (سيكابرازق) إننا أحببناها أكثر في عرضها الثاني مع أن «عائد إلى حيفا» قدمت كما هي، كما كانت في أول مرة وقالت: من هنا أنا مع الريبرتوار، إعادة الأعمال المهمة والمميزة مجدداً، ومرة أو أكثر في العام الواحد لكي تأخذ حقها من الإهتمام.
وكان جيداً أننا التقينا ببطلة المسرحية رائدة طه القادمة من رام الله مباشرة إلى بيروت كما إلتقينا بأرملة الراحل كنفاني السيدة آني حيث وفد نجلها فايز من الدانمارك لمشاهدة العرض وتذكر والده الذي لم يعرفه إلا عندما كان في عمر التسع سنوات فقط، وهو يعيش حالياً في بلد والدته ويعمل صحافياً عربياً هناك في مجال السياسة للدفاع عن الحقوق العربية كما قال.
صالة بابل كانت مكتظة.
حضور يعرف كله مناخ القصة، من ألفها إلى يائها، من قراءة: عائد إلى حيفا، أو من متابعتها ممسرحة مع لينا أو مع غيرها على مدى الأربعين عاماً الماضية. وبالتالي فإن المفاصل الأساسية في العمل معروفة مسبقاً… تبقى كيفية التعبير عنها والمخرجة أبيض قدمت قراءة مؤثرة للرواية خصوصاً لجهة المشاعر، واختلاطها عند الزوجين في أكثر من موقف حرج واجههما بعد زيارة منزلهما في حيفا، الذي تركاه بعد وقت قليل على زواجهما فيه عام 48، وهي قصة حقيقية تناقلها الناس وأخذها الكاتب كنفاني عن ألسنة رواتها الحقيقيين.
غنام غنام، ورائدة طه هما الزوجان اللذان يصلان إلى منزلهما الأول في حيفا بعدما غابا عنه عشرين عاماً، كانت هي في البداية تهدئ من روعه لعصبيته بعدما عانى عند الحواجز الإسرائيلية كثيراً حتى وصل إلى حيفا، وإلى عنوان منزلهما ثم إنقلبت الصورة بعدما تحولت الأمور إليه وهو يحاول تهدئة روعها أمام إطلاعها على معالم المنزل، وماذا بقي فيه من الماضي.
صفية وسعيد، وجدا في المنزل اليهودية مريم كوشن (علية الخالدي). وهي سيدة عجوز تخيط الملابس، وتعيش مع إبنها الشاب دون كوشن (حسين نخال) الذي نتبين لاحقاً أنه نجهلما خلدون الذي تركاه رضيعاً في شهره الخامس هناك، وتكون المفارقة أنه راح ينهرهما ويتهمهما بالجبن وعدم الرغبة به لذا تركاه، وبدا هذا التعنيف أو التأنيب مسقطاً على ترك الزوجين الشابين منزلهما والهرب، وطبعاً يكون لسان حاله إسرائيل عندما يتحدث عن كونه إسرائيلياً وليس فلسطينياً، في واحدة من اللحظات الصعبة، والحرجة، والمتداخلة للزوجين.
كان ما حصل أشبه بدرس لهما.
وهما رددا أن القوة هي الوسيلة الوحيدة لاسترجاع الأرض والكرامة بعد كل هذا الهوان والمهانة، ودائماً مثل هذه العبارات تستنفر شباب الصالة للتصفيق على إعتبار أن هذه الطريق إنما تعني كل مؤمن بقضيته، وبحتمية إسترجاعه لكل ما إغتصب في وقت سابق.
تعيد المسرحية فتح باب النقاش حول أي علاقة موجودة حالياً مع إسرائيل وكيف يمكن الفوز بالحقوق، أهو عبر المفاوضات، أم المواجهات، والمناخ السائد في الأفق حول إمكانات تحقيق الآمال من خلال البندقية أم جلسات الحوار.
الممثلة رائدة طه أبلغتنا أنها تمتلك نصاً وطنياً جيداً، أحبته المخرجة أبيض، سيكون مشروعهما المسرحي المقبل، كنوع من تتمة ما أنجز حالياً في إنسجام بين الإمرأتين في الكواليس وعلى الخشبة، من خلال تخاطب ذهني يختصر علاقة الآدميين بقضاياهم بأوطانهم، وبما يحبون، وهذا ما أوجد دائماً نتاجاً عبقرياً في صياغة المواضيع بحيث تكون مؤثرة، حاضرة، ومتميزة جداً.
الطفل هاني الهندي (نجل علية الخالدي) سميرة الأسير (العروس) عزام مصطفى (العريس) وصوت المغنية ساندي شمعون رافق المشاهد غناء بشكل حي، إنهم من أسرة المسرحية التي تدخلنا بهدوء، بمشاعر خاصة عفوية ومتدفقة، مع سيل من الصدق والشفافية في أداء الممثلين، فالجميع كانوا في التكوين المشهدي فاعلين، خصوصاً العروسين في خلفية مشهد دخول الزوجين لأول مرة إلى منزلهما الأول، لتذكرنا الأعمال الكبيرة التي تترك أثراً عميقاً وطيباً في المشاهد.

 

بقلم محمد حجازي

http://www.aliwaa.com

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *