المسرح الحديث… الخطاب المعرفي وجماليات التشكيل

صدر حديثاً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق- سلسلة الدراسات كتاب المسرح الحديث الخطاب المعرفي وجماليات التشكيل، لمؤلفه الأستاذ عبد الفتاح قلعه جي، وهو موسوعة موجزة في المسرح الحديث واتجاهاته ويقع في 220 صفحة قطع كبير، وقد

 

جاء في مقدمة الكتاب رحلة المسرح هي رحلة الفكر والخطاب المعرفي، ورحلة الجمال والتشكيلات البصرية، ورحلة النفوس التواقة إلى عالم أكثر سعادة وأمناً وخيراً. وكان قدر المسرح دائماً أن يكون الشاهد والمحرِّك والمرهص للمتغيرات في القيم الكبرى، وفي الأحداث السياسية والاجتماعية، وأن يكون الإنسان دائماً في عمارة نصوصه وعروضه محور اهتمامه، يصور آماله وآلامه وعواطفه، وحركة روحه التائقة إلى الحرية والخير والسعادة، في زمن أصبحت العولمة فيه قدراً وضعياً أشد ضراوة على الفرد والمجتمعات المهمشة من أقدار الزمن الإغريقي.
كان لا بد لهذا الكتاب بعد أن يستعرض جوانب من وظيفة المسرح وظروفها المحيطة أن يبدأ بتباشير الحداثة وحركة المخاض الأولى قبل الولادة مع مسرح تشيخوف في واقعيته ورصده لجزئيات الحياة اليومية، ليغوص بعد هذا في أعماق اللاوعي فيكشف قيعان النفس والمجتمعات مع المسرح التعبيري، ثم يعرض للخطاب الإيديولوجي والخروج عن القواعد الأرسطية في المسرح الملحمي، ثم يأتي دور الوثائق والسجلات في الكشف والإدانة مع المسرح التسجيلي، ثم يوغل في التجريب واختراق المألوف والخروج على المفاهيم والقواعد الأرسطية لتحقيق مسرح عكسي يطرح بجرأة وقسوة لا معقولية الوضع الإنساني وذلك في المسرح الطليعي الذي بلغ فيه التجريب مداه الأبعد، لتنتهي رحلة الحداثة بعد هذا، وتبدأ اتجاهات مسرح ما بعد الحداثة ما بعد التجريب، بسلبياتها وإيجابياتها، بقيمها الفكرية المتباينة وأشكالها الجمالية الجديدة، وهي تحولات جذرية لم تكن على مستوى الشكل والتشكيل الدرامي فحسب، وإنما على مستوى الفكر والخطاب المعرفي أيضاً.
رحلة المسرح هذه في محطاتها ومتغيراتها السريعة لم تجرف معها أجناساً أخرى كالأوبرا والأوبريت اللتين حافظتا منذ منشئهما الكلاسيكي على جمالياتهما الحكائية والاستعراضية من غير إهمال لجوانب من الفكر والنقد والتصوير، مع استفادة مثلى من التقنيات الحديثة للعصر الجديد.
حركة المسرح وما اعتراه من تطور في الشكل والمضمون وفي أشكال التعبير كانت موازية لحركة الحياة، ولحركة الفكر وبحث النفس الإنسانية عن اكتشاف ذاتها، وعن توق الإنسان الدائم إلى الخروج من السكون إلى الحركة، واكتشاف وورود مواطن جديدة للجمال الفني، وهذه الدراسات والبحوث المسرحية على تعددها تجمعها وحدة الطريق، إنها معالم في طريق المسرح الطويلة.. هذه الطريق التي لن تنتهي أبداً مادام المسرح كائناً حياً جميلاً دائم التوالد والإبداع.

http://www.alraimedia.com/


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *