قاطعت المسرح حرصا علي حرية الإ بداع

الحديث مع فنان بقيمة أحمد بدير يشعرك أنك أمام مرحلة مهمة في تاريخ المسرح‏;‏ ذلك أنه عاصر العديد من التحولات السياسية والاجتماعية في مصر‏,‏ ورصد بأعماله هموم المواطن البسيط بأسلوبه الكوميدي الصارخ والساخر معا‏.

خاصة وأنه نشأ في أسرة متوسطة الحال, ترتيبه السادس بين أحد عشر ابنا لأحد ضباط الجيش المصري, ورغم دراسته في كلية الآداب إلا أن الفن استهواه, فمارس الإخراج والكتابة المسرحية في صباه وشبابه لمراكز الشباب مقابل ستة جنيهات, وارتقي سلم الفن حتي صارت أدواره وإفيهاته ثابتة في أذهان المشاهدين كبارا وصغارا, فمن منا لا يتذكر عبدالعال في ريا وسكينة أو محمود عتريس في دستور يا اسيادنا, وغيرها من الأعمال التي تحدث عنها في السطور التالية طارحا رأيه في أزمة المسرح الحالية وأشياء أخري..

>> إذا بدأنا برحلتك المسرحية.. كيف تلخصها؟
بدأت بأدوار صغيرة جدا في مسرح القطاع الخاص, كان أفضلها بكالوريوس في حكم الشعوب أمام نور الشريف, ثم سهرة مع الضحك, وتوالت الأعمال بعد ذلك حتي مسرحية ريا وسكينة التي قدمتي بشكل عظيم لجمهور مصر والوطن العربي, ثم ع الرصيف أمام سهير البابلي والراحل حسن عابدين, كما أعتبر مسرحية دستور يا اسيادنا للمخرج جلال الشرقاوي والكاتب محمود الطوخي, نقلة نوعية في أدواري الفنية بشكل عام, لأنها كانت أجرأ مسرحية سياسية تقدم في عهد النظام الماضي, وانتقدته بعنف, لدرجة أنها توقفت بأمر الرقابة لمدة أسبوع, ثم استؤنفت مرة اخري, ولكن تحقق ما نادت به المسرحية بعدها بحوالي15 عاما وهو أن الترشح للرئاسة صار بانتخابات وليس باستفتاء.
>> لماذا قاطعت المسرح بعد آخر أعمالك مرسي عاوز كرسي سنة2008 ؟
لم أقاطعه بالمعني الحرفي ولكن كيف يخرج المشاهد من بيته ويذهب لدار العرض في ظل ظروف الانفلات الأمني وأزمة المرور المميتة, والإضرابات, وإذا تجاوز كل هذا, فإنه سيظل قلقا من سرقة سيارته مثلا, فهل هذه أجواء ملائمة لتقديم حالة إبداعية توفر للمشاهد متعة فكرية قبل التسلية المرح!!
>> ولكنك شاركت قبل أيام بدور الراوي في أوبريت حبيبي يا وطن؟
الأوبريت حالة إبداعية خاصة جدا, وبالطبع لم أكن أستطيع الرفض لأن كاتب أشعاره هو الخال عبدالرحمن الأبنودي, ومخرجه هو المتميز جدا خالد جلال, ورغم أنه ينتمي للقطاع الخاص إلا أنه تتوفر فيه كل مقومات الإنتاج التي كان من المفترض أن تتبناها وزارة الثقافة او مسرح الدولة, فقد شارك فيه نخبة من أروع فناني مصر والوطن العربي, وهو أوبريت ضخم في حب مصر, كم تمنيت أن يستمر عرضه للجماهير في الأوبرا لمدة عام علي الأقل, ولو بالمجان, لأنه يعيد لنا الحماس المفقود والأغنية الوطنية الجذابة والانتماء الضائع, لهذا فأنا لا أتردد أبدا في مثل هذه الأعمال العظيمة.
>> كيف توصف أزمة المسرح حاليا؟
أزمة المسرح تزداد تعقيدا كل يوم, فقبل أكثر من عشر سنوات كانت الأزمة إنتاجية تتمثل في اسعار التذاكر والتكلفة وقيمة الإعلانات وما شابه, ورغم هذا كنا نقدم أعمال سياسية بكل جرأة وحرية, أما اليوم فإن مسرحيات القطاع العام التي تنتقد سياسات الحكومة مثلا تتعرض للضغط والإيقاف فما بالك بمسرح القطاع الخاص! والحقيقة انني قدمت علي مسرح الدولة مسرحيتين سياسيتين مهمتين جدا وهما الملك هو الملك ورأس المملوك جابر للمؤلف السوري الكبير سعد الله ونوس, ولم تتعرضا لأي مشكلات, أما الآن فلا أضمن ذلك, لأن الفن في واد والسياسة في واد آخر, فكل ما ينتمي لحرية الإبداع من فن وصحافة وإعلام مرفوض, ومسرح الدولة في النهاية مثل كل المؤسسات ينقصه الفكر المخطط له, لذلك ليس هناك بديل عن استقلال رؤساء ومديري المسارح عن سلطة الدولة حتي لا يتم تسييس الإبداع لصالح أي نظام أيا كانت هويته.
>> وماذا عن أعضاء البيت الفني للمسرح؟
أرفض تماما مبدأ الفنان الموظف لأن الدولة حينما تمنح الفنان مرتبا شهريا فإنها تتحكم فيه, وبالتالي يضطر للموافقة علي تقديم عروض قد تكون ضد قناعاته حرصا علي مستحقاته المالية, بالإضافة للروتين العقيم والبيروقراطية العفنة التي تحول أي إبداع لعمل إداري بحت, لذلك كنت أفرض شروطي علي مسرح الدولة قبل البدء في أي عمل, لأنني اعتدت علي الحرية الكاملة في القطاع الخاص, وهذا حق كل فنان.
>> صف لنا شعورك حينما رأيت حريق المسرح القومي؟
المشهد كان مفزعا للغاية, ففي غمضة عين انهار صرح وقف عليه عمالقة الفن في مصر, لذا شعرت بالضياع, وأن جزءا مني يحترق بالفعل.
>> عملت مع جلال الشرقاوي في عدة أعمال, فكيف تثمن إعادة فتحه لمسرحه في ظل هذه الظروف؟
طبعا جرأة شديدة, والحقيقة أنه عرض علي بطولة مسرحية الكوتش ولكنني اعتذرت لنفس الأسباب التي ذكرتها قبل لحظات, ولشعوري بأنها مغامرة صعبة بالنسبة لي.
>> من هم أكثر الفنانين متعة ممن عملت معهم؟
علي مستوي الممثلين استمتعت واستفدت كثيرا من الوقوف أمام نور الشريف وعملاق المسرح سهير البابلي والراحل حسن عابدين وحسن حسني, أما المخرجون فقد تعلمت كثيرا من جلال الشرقاوي والراحل العظيم السيد راضي, وحاليا اعتبر أن المخرج خالد جلال من أهم مخرجي المسرح في مصر لقدراته الفنية والقيادية العالية جدا.

إشراف‏:‏ محمــد بهجــت ـ ‏حوار ـ باسم صادق

http://www.ahram.org.eg

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *