شكسبير والنفس البشرية


يكاد يقر رجال الأدب في زماننا هذا وبالاجماع تقريبا لوليم شكسبير أنه أعظم عباقرة الأدب العالمي قاطبة, فما سر هذه العبقرية الفذة?

 

 

إن عبقرية شكسبير الانكليزي المولد والوفاة راجعة لادراكه أسرار النفس البشرية التي اتخذها موضوعا لمسرحياته الرائعة, وكذلك لأن سليقته اللغوية السليمة هدته إلى انتقاء اللفظة المحكمة المبينة للمعنى المقصود, وهذا وذاك قمة النبوغ الأدبي!
فالرجال والنساء الذين يعمرون مسرحياته يمثلون الجنس البشري في كل زمان ومكان, فهو في مسرحية “هاملت”- على سبيل المثال – حشد في صفحاتها كل دوافع النفس البشرية بتمام تناقضاتها او درجاتها من حب وطمع وغرور وتواضع واخلاص وخيانة وجرأة وخوف بحيث يرى كل منا فيها صورة لدوافعه وسلوكه وهواجسه في مرحلة أو أكثر من مراحل حياته رغم انه كان يعيش في القرنين السادس عشر والسابع عشر اي منذ عام عام 1585 وحتى 1616 ميلادي ونحن نعيش في القرنين العشرين والحادي والعشرين!
وفي مسرحية “الملك لير” بين لنا شكسبير ما يمكن ان تكون عليه حالة الوالد اذا ما قسم ملكه وماله بين أبنائه وبناته قبل موته, معتمدا على حب الولد لوالده وهو يراه زيفا وبهتانا لا يمت للحقيقة بصلة!
فقد قسم لير ملكه بين بناته وهو حي يرزق فلما اراد بعد ذلك العيش في كنف احدى بناته ضاقت به اولاً ثم نهرته ثانيا ثم طردته ثالثا, فراح المسكين من هول الصدمة غير المتوقعة بالمرة نظرا لما كانت محبته لهن او محبتهن له قبل توزيع الإرث والملك عليهن. راح المسكين يهذي في الأرض العراء.
وما لبث هذيانه ان صار جنونا صريحا, اذن حب الولد لابيه ليس حقيقة بالمطلق لكن حب الوالد لولده هو الحقيقة المطلقة في كل زمان ومكان.
وشكسبير في هذه المسرحية – المترجمة الى العربية والى لغات كثيرة اخرى – يبين لكل مشتغل في الأدب كيف يكون الخيال خلقاً فالملك لير لم يكن ملكا حقيقيا من اصحاب العروش الذين عرفهم التاريخ وسجلهم في سفره الطويل, بل خلقه شكسبير بخياله الخصب ليصور ما يمكن ان تكون حالة الوالد اذا ما خدع بحب ابنائه وبناته الزائف, او المتغير اما جهلا وإما طمعاً وقسم ملكه بينهم في حياته.
وعليه, فإن كان الأدب خيالا او عنصره الرئيس هو الخيال, فهو الخيال الهادف او الممتع والمفيد في آن واحد!
ان القارى لمسرحيات شكسبير والمتفهم لها سيكون قد قام بخير دراسة للنفس الانسانية, ان كل ما يمكن ان نشعر به في دخيلة انفسنا ونريد التعبير عنه بعبارات محكمة وسليمة لابد ان يكون قد جرى على سنان قلم وليم شكسبير وهذا سر عالمية مسرحياته وخلودها مئات السنين ورغم هذا – وغيره موجود- نجد كتب الادب العربية في مدارسنا الثانوية تخلو من اي مسرحية من مسرحيات شكسبير وهذا شيء مؤسف نأمل تداركه في المنهاج الجديد, اما اذا لم يجر تدارك هذا الخطأ, فلا يسعنا سوى ترديد حكمة من حكم شكسبير الرائعة والكثيرة في إحدى مسرحياته العالمية: هناك قوة عليا تقرر مصائرنا وعبثا نحاول ان نثنيها الى ما نحب!
عضو جمعية الصحافيين الكويتية

 

عدنان مكاوي

http://www.al-seyassah.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *