فنان مسرحي مغربي يعلن ‘موت الممثل’ ويحتفي بـ’الفنان المؤدي’

اختار الفنان المسرحي المغربي الدكتور يوسف الريحاني أن يخوض تجربة جديدة أطلق عليها ‘جزء خارج 1’، تركز على الجانب البصري من خلال شاشة افتراضية تظهر عليها صورة مؤد كخلفية، ويغيب فيها الممثل.

لمدة ربع ساعة، يدعو صاحب العرض الجمهور إلى التحلي بعين رقمية تلتقط الإشارات دون أن تهتم بإنشاء معنى منسجم، ‘لأنه لم يعد ثمة جدوى من الفهم، وأنه كلما قلّ إدراكنا للأمور كلما نما إحساسنا بها’، كما يقول.
يعتبر الفنان الريحاني أن غرضه من هذا العرض القائم على الكتابة الشذرية هو الاحتفاء بميلاد الفنان المؤدي وإعلان موت الممثل، حيث أفول الجسد وانمحاؤه يصير بديلا عن مركزية انتصاب الممثل.
يتناثر في أرجاء هذه الشاشة سائل أسود لزج، ينتهي إلى ابتلاع كل شيء بما في ذلك بقايا هذا الجسد، الذي يكتسي جلد إنسان، وقد يكون ذكريات أشباح ما تزال تحوم بيننا.
جسد المؤدي وهو هنا الفنان يوسف نفسه – في هذا الأداء شاحب ومتوار. ومن ثم، جزء ثوري من الحقيقة. يعترف أنه لم يكن يريد أن يركز على التشخيص التقليدي، على العكس، كان يسعى لمحق دوره المركزي المعتاد. ويضيف قوله: ‘كان بإمكان أي كان أن يقف بدلا مني ويحسن أداء ما أديته إيمائيا. سعينا إلى جعل جسد المؤدي دارة كهربائية تضيء ولا تمثل. بترنا كل وظائف الأعضاء المتعارف عليها ومحقناها. وأدنا كل إيماءة يمكن للجسد أن يقوم بها، وتركناه جثة هادة شاهدة على موت الإنسان فينا. استعضنا عن كل ذلك بمنجزات الفنون البصرية، والوسائطية، وفن الفيديو، وفنون الأداء (البرفورمانس)، وتقنيات سينما التحريك، كأدوات بصرية فعالة’.
في هذا العمل، ليست هناك حكاية أو شخصيات، كما لا وجود لأي مكان أيضا. أما الزمن، فغير محدد بالمرة. هناك فقط شاشة افتراضية يتناثر في أرجائها سواد يلخص أسئلة هذا الكائن، الذي يكتسي جلد إنسان، وقد يكون ذكريات أشباح ما تزال تحوم بيننا. لا ندري إن كان المؤدي الماثل أمامنا متلحفا في إهابه معصوم العينين، كائنا واقعيا أم افتراضيا داخل الشاشة.
مما جاء في العرض العبارات التالية: ‘كل الكلمات والألوان والأشياء والصور بداخلي.. ولا أعلم ماذا تمثل في حقيقة.. أخشى التفكير الذي أخترعه ولم يكن يوما كذلك../ وما أكتشفه، أنني في يوم مماتي/ سأرى بطريقة أخرى/ في اللحظة التي سيسقط فيها../ جسدي../ سأصطنع الحديد لأغرسه في لحمي../ سأكسر عنقي وأشق بالفأس جمجمتي../ سأصطنع العقل الإلكتروني لأغذيه بمعلومات ضدي/ أنا الجرح والسكين/ العنق والمشنقة/ الرأس والمقصلة/ قبضتي، موجهة/ ضدي’.
اندرج العرض ضمن تجارب ‘مختبر بكيت لفنون الأداء المعاصرة’ الذي أسسه يوسف الريحاني عام 2006، احتفاء بمرور مائة عام على ميلاد صمويل بكيت’، واختير فضاء المعهد الوطني للفنون الجميلة في تطوان مقرا له في انتظار إيجاد قاعة عرض خاصة تكون مقره الدائم. ويهدف المختبر إلى تطوير فنون العرض البصرية/ الرقمية- الحية بالمغرب والعالم الناطق بالعربية، وخلق تقليد مشاهدة فنون العرض البصرية/ الرقمية- الحية بين مختلف شرائح المجتمع المدني، وإنتاج مختلف أشكال العروض البصرية/ الرقمية الحية غير الموجهة للربح، والتوجه بها نحو جمهور الأطفال والشباب خاصة، للعمل على حمايتهم من الأفكار المتطرفة. كما يقدم من خلال إنتاجاته الفنية فلسفته ورؤيته من أجل التغيير الجمالي، ومحاولة الوصول إلى أكبر جمهور ممكن من جميع الفئات.
تبقى الإشارة إلى أن يوسف الريحاني الذي يعمل مديرا للدراسات بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، كتب نصوصا مسرحية متنوعة: ‘الخراتيت لا تلتفت خلفها’، ‘آت من الجنوب’، ‘الغابة تحكي’، جامع مزواق، كما أخرج عدة مسرحيات، وهو حاصل على دبلوم الإخراج المسرحي، من المعهد الأندلسي للمسرح بأشبيلية وعلى الدكتوراه في المسرح من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. وسبق له أن نال الجائزة الكبرى محمد تيمور لسنة 2007 من وزارة الثقافة المصرية.

 

الرباط ـ ‘القدس العربي’ ـ من الطاهر الطويل:

http://www.alquds.co.uk/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This will close in 5 seconds