«شهيد التين».. سخرية من المتاجريـن بالدم والمقدّس

في ظل ما تعيشه بعض الدول العربية، وسقوط ضحايا نتيجة أحداث ما اصطلح على تسميته «الربيع العربي»، صار يتفاخر ذوو القتيل بأن لديهم شهيداً، ويعيشون على ترديد هذا في وسائل الإعلام، ويتغنون ببطولات فقيدهم، حتى وإن قتل في مخبئه، إذ صار الاتجار والتسويق للشهيد يعود بالنفع الكبير على ذويه، الذي يبكونه ويزغردون لنيله هذا الشرف العظيم.

هذا جزء من الواقع المعاش حالياً، إلا أن الفنان المبدع عبدالله صالح، جسد تصوراً آخر أكثر مبالغة وسخريةً، في مسرحية «شهيد التين» التي قدمها مسرح دبي الشعبي، والتي هي من تأليف عبدالله صالح، واخراج الفنان محمد سعيد السلطي، إذ تمكن المؤلف من استثمار فكرة الشهادة في سبيل الذود عن الوطن والموت في سبيل الله، والمتاجرة بها من خلال استغلال رجب (عبدالله صالح) والد الشهيد مبروك (حمد الحمادي)، استشهاد ابنه في الحرب بعد ان اجبره على ان ينال شرف الاستشهاد دفاعاً عن قرية التين.

فما أن يصل إلى أسماع سكان القرية، نبأ استشهاد مبروك، حتى تقام الاحتفالات ابتهاجاً بخبر الاستشهاد العظيم، الذي انهالت على إثره الأموال والعطايا على رجب، لتحوله من شخص معدم إلى احد اعيان القرية، التي لم يبقَ أحد فيها لم يقدم ضريبة الشهيد التي جمعت من الغني والفقير وقدمت لوالد الشهيد تكريماً له.

ومع استمرار العطايا والعيش الكريم الذي بات يتنعم به رجب، طمع الأخير في المزيد، فبات يروي قصصاً عن ابنه الشهيد، ويدور في المقاهي والأسواق التي فتحت له لكي يتلذذ، ويحصل على ما يريد كونه والد الشهيد، بل ان والي قرية التين بوجبران (الفنان فؤاد القحطاني) ومساعده خربوش (الفنان الكوميدي عادل ابراهيم) أكرماه بالخير الكثير والأموال والعطايا، فالراحل في اعتقادهم أسهم استشهاده في اعلاء مكانة القرية بين القرى كونها تضم شاباً ضحى بنفسه في سبيلها، بل ويعتقدون أن قريتهم ستصبح يوماً ما مزاراً سياحياً.

وهكذا يعيش رجب دور الرجل الذي قدم ابنه في سبيل القرية ليتمكن من استثمار ذلك لمصلحته، فلم يبقَ أحد في القرية لم يقدم له هدية أو عطية، حتى إن بعضهم تسابقوا لتسمية ابنائهم على اسم الشهيد مبروك ليتباركوا بهذا الاسم، ومن هنا تتغير حياة رجب الرجل البسيط إلى تاجر يستثمر قصص الشهيد ويحصل على ما يريد.

سخرية

بتصاعد مشاهد المسرحية، صار رجب أحد أعيان القرية، وبمساعده خربوش خرج الأول على وسائل الإعلام، وتحديداً الصحافة، ليتكلم في مقابلة حصرية عن حياة الشهيد، وكيف كان يتحضر لنيل الشهادة، وتفاصيل أخرى مفبركة أضافها رجب بطلب من خربوش، ويقوم من خلالها بتمجيد دور الوالي في صنع هذا الفارس ونيله الشهادة التي ما كانت ستتحقق لولا دعم الوالي، كل ذلك من أجل حفنة من المال والعطايا التي منحت له من مساعد الوالي.

وفي تمادٍ واضح وسخرية من الاتجار بدم الشهيد، حول رجب منزله إلى متحف عرض فيه مقتنيات ابنه الشهيد، منها ملابس كان يرتديها مبروك وقت استشهاده، وسيفه وخوذته ودرعه، إضافة إلى كل متعلقاته الشخصية، ومن خلالها تمكن من جمع المال من زوار هذا المتحف.

ولأن قرية الرمان القريبة من قرية التين، والمنافس الحقيقي لها، استشهد فيها احد الشبان في الحرب، قرر الوالي تكثيف أعداد الشهداء من قريته فصار يرسل جميع الشباب إلى جبهة الحرب فقط ليقال إن شهداء قرية التين اكثر من أي قرية، وعندما حل الدور على ابناء خربوش، لاذ الأخير بالفرار من القرية لينجي أولاده من الموت المحقق، ولأن منصب خربوش بات شاغراً فمَن غير رجب، والد الشهيد مبروك، أهل لأن يتولاه؟!

وهكذا عين رجب مساعداً للوالي، فصار يستغل كونه والد الشهيد في جمع الضرائب، وأخذ الموال من سكان القرية عنوة، وفي اعتقاده انه تمكن من تحقيق احلامه والوصول إلى مبتغاه، فقد انتقل من حالة العدم إلى العيش الرغد على حساب ابنه الشهيد، إلا أن ما كان ينغص عليه هذا الفرح وينكد حياته، زوجته زمزم (الفنانة اشواق) التي لم تتوقف عن البكاء والنحيب مذ عرفت استشهاد ابنها، وكانت تعارض زوجها وترفض كل تصرفاته واستغلاله وفاة ابنه لتحقيق احلامه، متهمة إياه بقسوة القلب، خصوصاً انه هو من أرغم مبروك على الذهاب للحرب، بل وطلب منه الاستشهاد، وعدم العودة سليماً من ساحة الحرب.

عودة

في أحد أيام الصراع الدائم بين زمزم ورجب، كان الأخير يحاول إقناع زوجته بأن مبروك استشهد، وعليها ان تعيش معه حياة الثراء ورغد العيش، بينما كانت هي تصر أن ابنها لم يمت، وسيعود يوماً إلى حضنها، ولم تنفك تغسل ملابسه، وتجهيز كنتها لتزفها إلى ابنها بمجرد أن يعود، وبالفعل قاطع مبروك الجدال العقيم بين امه وابيه، وأعلن انه تم أسره ولم يستشهد، الأمر الذي لم يصدقه رجب في بادئ الأمر، فيما ركضت الأم لاحتضان ابنها.

ويدخل رجب في حالة انكار وعدم تصديق، فعودة ابنه من الموت ستقضي على ما جمعه من أموال وهدايا، ومنصب تولاه بصفته والد الشهيد، لذا حاول طرد ابنه، وعندما وقفت زوجته في وجهه، تناول رجب بندقيته وأطلق رصاصة أردت الابن قتيلاً ليعود إلى الشهادة التي كتبها هو له.

إضاءة وفرقة

اعترف المخرج محمد سعيد السلطي بأن الإضاءة في العمل لم تكن بمستوى جيد، إذ اتسمت بعض الحوارات والمشاهد بالعتمة، الأمر الذي لم يكن مبرراً من قبل المخرج كونه لم يشرف على الإضاءة او يشاهدها إلا وقت عرض المسرحية، مشيراً الى أنه قد حدثت هفوات في الإضاءة في عدد لا بأس به من مشاهد المسرحية التي كانت تعتمد على بقع الضوء في أحيان كثيرة.

فيما يحسب للمخرج والعمل بشكل عام الفرقة الموسيقية الحية التي كان لها حضور لافت طوال مشاهد المسرحية، بل وأسهمت في ايصال نوع من التناغم خلال اداء الممثلين لحواراتهم وتنقلاتهم، إضافة إلى تبديل الديكورات، ما حقق إيقاعاً سلساً للعمل.

كما أن هناك مشاهد كان من الأولى ان تختزل، منها مشهد المشادة التي حدثت بين والدة الشهيد مبروك التي لم تتقبل الاحتفاء واستغلال موت ابنها وبين احدى الجارات التي اقترحت عليها استغلال اسم ابنها في عمل محل للخياطة، إذ اتسم المشهد بالصراخ واستخدام لهجة محلية غير سليمة (ليست مقصودة) ما جعل الجمهور يصدر أصواتاً وتعليقات على حوار إحدى الممثلات.

المصدر:

    سوزان العامري – الشارقة

http://www.emaratalyoum.com/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *