المسرح التونسي… ومن الهمّ ما يُضحك

لمسرح البلدي بالعاصمة التونسية يشهد من 9 مارس-آذار إلى غاية 16 من الشهر ذاته انطلاق فعاليات الدورة الثانية من المهرجان المتوسطي للكوميديا، وتأتي هذه الأيام في فترة تعيش فيها تونس تجاذبات سياسية وأحداثا أثرت على المزاج النفسي العام للمواطنين، مما أفقدهم القدرة حتى على الابتسام.

عزز مقتل المناضل السياسي شكري بلعيد من مخاوف التونسيين، وزاد من قلقهم حول مستقبل البلاد والعباد في ظل تفشي ظاهرة العنف اللفظي والمادي. ولعل هذا ما دفع الساهرين على تنظيم المهرجان المتوسطي للكوميديا إلى تأثيث فعالياته بمجموعة من العروض الكوميدية بغية افتكاك الضحكة من المواطن التونسي.

الضحك شفاء من الخوف

سيكون جمهور الفن الرابع على موعد في هذه الدورة مع عديد المسرحيات من نوع الـ” وان مان شو”، تتمثل في “الزمقري” للممثل محمد علي النهدي و”كروسة” لسماح الدشراوي و”فركة صابون” لمعز التومي وعزيزة بولبيار و”مايد إن تونيزيا” للطفي العبدلي و”غربي ونص” لمحمد العربي المازني، هذا بالإضافة إلى عرض للممثل الجزائري بعزيز الذي سيكون عرضه في الافتتاح يوم 9 مارس-آذار الجاري. 

هذا وسيختتم المهرجان يوم 16 مارس-آذار بعرض لـ”لاباس كوميديا شو” لنوفل الورتاني وبسام الحمراوي وفيصل الحضيري ومحمد العربي المازني مع مشاركة خاصة لجعفر القاسمي.

زمن كوميديا سوداء

تتنوع العروض خلال أيام المهرجان ولكنها تظل تصب في خانة نقد ما صارت إليه حال المجتمع التونسي وما يعيشه من تحولات سياسية أثرت في طبيعة حياته، وصارت جزءا لا يتجزأ من معيشه اليومي. فمواضيع المسرحيات تختزل في مواضيع مثل غلاء الأسعار والاعتصامات والإضرابات والصدامات السياسية والحالة النفسية للمواطن التونسي الذي ظل تائها بين وعود الساسة وتكذيب الراهن وبين القلق والخوف من مصير البلاد ومستقبلها.

وتكاد تتفق هذه العروض على أسلوب النقد اللاذع من خلال مواقف تلوذ بالكوميديا السوداء سبيلا إلى تعرية مجريات الواقع التونسي، وخاصة ما اتصل منها بمسألة شعور المواطن بانعدام الأمن في الشارع وفي مقارّ العمل وحتى في البيوت.

وفي هذا الشأن ذكر الممثل محمد علي النهدي أن هذا المهرجان يعدّ فرصة للمواطن التونسي حتى يخرج قليلا من حالة الضغط المسلطة عليه جراء المادّة الإعلامية الضخمة حول الأحداث السياسية، يقول النهدي:” المهرجان عبارة عن مادّة دسمة من العروض التي ستخرج التونسي من حالة القلق التي يعيشها، وهو فرصة أيضا لنسيان الأحداث التي عاشتها تونس، وخصوصا حالات الاعتداء التي تعرض إليها الفنانون في قصر العبدلية بالمرسى وسينما أفريكا آر”.

صورة أخرى لتونس

لقد شكل الانفلات الأمني الذي تعرفه تونس، منذ أمد ليس بالقصير، محور اهتمام عديد القنوات التلفزية المحلية والأجنبية، وصار هذا الموضوع حديث القاصي والداني وهو ما أضرّ بصورة تونس في الخارج وقدّم صورة سيئة عن التجربة التونسية، في جلّ الميادين وخصوصا الفنية، حيث صار التونسي يخشى حضور العروض المسرحية أو ارتياد المهرجانات ودور السينما، وهذا ما انعكس سلبا على المنتجين والمنظمين.

ولعل من الأسباب التي جعلت المهرجان المتوسطي للكوميديا يدور في مثل هذه الفترة بالذات هو إصرار القائمين عليه والفنانين على تفنيد ما يروّج من حالات الفزع والخوف والحدّ من ظاهرة العنف المتفشية في الأوساط الفنية ووطأة القلق الذي يعيشه التونسي بصفة عامة، وفي هذا السياق يقول مدير المهرجان محمد أيمن الجوادي:” لقد أصرّرت أن تدور فعاليات المهرجان المتوسطي للكوميديا في هذه الفترة بالذات حتى نثبت للجميع أن الساحة الفنية التونسية بخير ولا شيء يمكن أن يعكّر صفو الفنّ الرابع، والدليل على ذلك أن كل التذاكر المخصصة للعروض قد نفدت، وهو مؤشر يدلّ على أن التونسي عازم على الخروج من حالة التلاعب بأعصابه واختيار نهج الفن للضحك ومحاربة الظروف الأمنية الحالية”.

نصر الدين بن مختار في البال

التونسي بطبعه يعشق النكتة، وهو يسعى إلى صنع الضحك، لذلك جاء هذا المهرجان ليهدي لحظات من الابتسامة الصادقة، وهذا ما أكد عليه الممثل معز التومي، الذي أشار أيضا إلى أن عرضه “فركة صابون” هو عبارة عن كوميديا بسيطة ربما تكون ساذجة لكنها ذكية مستوحاة من واقع التونسي.

وتسعى جميع العروض إلى تقديم الضحك في شكل مواقف عاشها التونسي ومازال يعيشها، علما وأن كل المسرحيات مهداة إلى روح فقيد الساحة الفنية التونسية الممثل الكوميدي نصر الدين بن مختار الذي توفي منذ أيام، حيث تأتي هذه الدورة الثانية تكريما له ولعطائه الفني.

شـادي زريـبي
http://www.alarabonline.org

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *