2013 عامًا أسود على المسرح المصرى

 

أخشي أن يكون مسرح 2012 هو آخر عهود مصر بهذا الفن الذي كان يسميه توفيق الحكيم: «روح الأمة» ومن قبله قال وليم شكسبير: «المسرح ليس ذاكرة ولا تاريخاً، إنما هو خريطة وطن»، وألفريد فرج هو القائل: «ويل لأمة مات مسرحها».

 

 

 

 

ولكن القضية ليست مجرد سرد أقوال بقدر ما هي رصد لحالة وطن يتأرجح بين «لا» و«نعم» وبين الثقافة والغيبوبة وبين الحقيقة والأكاذيب التي تتكاثر وتتوالد حتي أنها تبغي أن تبتلع التاريخ، ما نعيشه هو غياب واحتواء لغيبيات أصبحت تأكل عقول الكثيرين، وإن كان مطمعنا أن تكون ثورة 25 يناير ثورة تطهير وتجميع ولم الشمل ولا نزال نترقب هذا الحلم أن يحدث ولن نستسلم، فإذا سلمنا بأن المسرح هو نبض الأمة، فإن المخاوف تزداد من قيود تحتويه أو تقيده، أو تهجره، فالثابت أن المسرح في السنوات الخمس الماضية، برغم ضعف المسرح الخاص وتشتت مسرح الدولة، فإن مصر كسبت عشرات الفرق الخاصة التي انفجرت بشباب وحيوية علي غرار مسرح قاعة الهناجر التي كانت سبباً مباشراً في تثوير الحركة المسرحية ولا تزال تقدم مسرحاً خاصاً..
هذه الفروق كانت جسورة في تحويل خرابات إلي قاعات مسرحية ناهضة وجراجات مهجورة كان يسكنها الفئران والثعابين والزواحف، صارت مقراً للتجريب والتجديد، أما عام 2012 فاعتبره اختزالاً لكثير من التجارب المسرحية، بالنسبة لمسرح القطاع الخاص كان المخرج المسرحي الكبير الفنان جلال الشرقاوي جسوراً وجريئاً إلي حد القتال، ولخص هذه الصفات حين اختتم عام 2012 بآخر عروض العام في مسرحيته الانتقادية «الكوتش»، من نوعية الكوميديا السياسية للكاتب صلاح متولي وبطولة طلعت زكريا ووائل نور وانتصار وإيناس بن علي، ولعل الشرقاوي رائداً في المسرح الخاص ليحتذي به كبار نجوم المسرح الخاص مثل عادل إمام وسمير غانم وأحمد بدير.
أما عن عروض الدولة، فكانت هناك عروض مهمة قدمها مسرح الطليعة متجاوزاً كل الخطوط الخضراء والحمراء ولا أقصد ذلك بالمفهوم السلبي ولكن بمفهوم ثورة فنية، وبجانب الطليعة انطلقت فرق المسرح الحديث وميامي وغيرها، وإن كان المسرح القومي لا يزال ينتظر القرار، ولا أعرف إن كان سيعود في العام الجديد ليمثل الفن المصري بأوسع حالاته ويتسع لاحتواء أعمال الأدباء يسري الجندي وأبوالعلا السلاموني ومحمد سلماوي وسليم كتشنر، والجيل السابق واللاحق لهم، إلا أنني أتوقف عند مجموعة من العروض المهمة بالهناجر «شهرزاد» أروع ما قدم سيد درويش وأشعار بيرم التونسي وإخراج أحمد عبدالجليل.. وقد أثبت «عبدالجليل» في هذا العرض أنه صاحب خبرة مسرحية كبيرة وقد آن الأوان لأن نخطفه في القاهرة بعد كفاح سنوات طويلة في الأقاليم، وبالتحديد في مسقط بلدته المنصورة.. آن الأوان لأن نستفيد من خبرة هذا الفنان البارع أحمد عبدالجليل في مسارحنا محارباً يضع يده في يد مسرح جديد ثوري يحاول أن يصمد في السنوات الصعبة القادمة.
أما المسارح الشبابية المستقلة فقد قدمت أعمالاً عالمية ومحلية رائعة أتوقف عند عروض «غنوة الليل» عن الموروث الشعبي أيوب وناعسة، بمعالجة مدهشة للمؤلف ياسين الضوي وإخراج تامر كرم أنتجها المعهد العالي للفنون المسرحية و«ومضات محمدية» تأليف سراج الدين عبدالقادر وإخراج هاني كمال وقدمها مسرح توجيه المسرح المدرسي بمديرية تعليم القاهرة، و«العمامات المعذبة في ليل الجنوب» قدمه بيت المسرح بالقاهرة فرقة الغد، من تأليف شاذلي فرج وإخراج ناصر عبدالمنعم، ومسرح المقهورين وأزمة الحكاية الإطار، إشراف وتدريب نورا أمين، وهي إحدي الكاتبات الرائدات في التجريب والتجريد الفني، لها مكانتها كتابة وإخراجاً.. أنتج عرضها هيئة قصور الثقافة.
وهناك عرض «المهاجر» للكاتب اللبناني العالمي جورج شحاذة وإخراج أشرف عزب، قدمتها فرقة قصر ثقافة المطرية عن هيئة قصور الثقافة، ومن المسرح العالمي قدم قصر ثقافة غزل المحلة عن هيئة قصور الثقافة مسرحية «حكاية الشتاء» تأليف الشاعر العالمي وليم شكسبير، وإخراج عبدالرحمن سالم، ومسرحية «أبيض وأسود» تأليف الكاتب العالمي أنطون تشيكوف، وإخراج أحمد الرفاعي، وأنتجها المعهد العالي للفنون المسرحية، و«إثبات العكس» تأليف أوليفيه شياتس، إخراج عبير علي، وإنتاج فرقة المسحراتية، و«ماريانا» إنتاج فرقة «لايتنج» وتأليف بيتر هاندكة وإخراج شريف حمدي، وغيرها.
أما أهم قضايا عام 2012 فهي قضية العرض المسرحي «ثأر الله» لأحد عمداء المسرح الشعري في مصر الراحل الكبير عبدالرحمن الشرقاوي وبطولة أحمد ماهر وسوسن بدر وإخراج عباس أحمد، وهي أزمة قديمة مستمرة عمرها أربعون عاماً، حيث تم عرضها عام 1972 من إخراج كرم مطاوع بالمسرح القومي وتم اغتيالها فور انتهاء العرض الأول لليوم الأول.
اليوم المسرحية تنتظر موافقة الرقابة وتنتظر موافقة الشاعر الدكتور أحمد عبدالرحمن الشرقاوي عن ورثة الراحل الكبير.. المسرحية كتبها عبدالرحمن الشرقاوي في نهاية عهد الزعيم عبدالناصر، وبعد رحيله في سبتمبر 1971 استكمل عبدالرحمن لمساتها الأخيرة وتمت معالجته بعد ذلك مسرحياً ليتم تقديمها علي خشبة المسرح في عام 1972.. ولكن كانت الرقابة عائقاً إلي جانب رأي أغلب شيوخ الأزهر المتعاقبين، اليوم وبعد مرور 40 عاماً أتمني أن يدخل الفنان ماهر سليم رئيس البيت الفني للمسرح الذي نضع علي عاتقه آمالاً كثيرة لحل الأزمات بين المبدعين والمتشددين.
أتمني أن يفرج عن عرض مسرحية «ثأر الله» لتتعلم الأجيال المسرح الجاد وكيف كان يبدع رواد مسرحنا، أيضاً ما دمنا نتكلم عن الرواد، فلابد أن أعيد اقتراحي بإعادة نماذج المسرح الرائد من خلال نموذج «الريبورتوار» لأعمال الحكيم ومحمود دياب والشرقاوي وألفريد فرج والأعمال العالمية.. أتمني عودة سيدة المسرح المصري سميحة أيوب والنجمة المسرحية الرائدة عايدة عبدالعزيز.. أتمني أن ينتصر في العام الجديد الإبداع الحقيقي علي المخاوف مهما كانت!

كتب – نادر ناشد:

http://www.alwafd.org

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *