المصدر/الاهرام/ نشر محمد سامي موقع الخشبة
تطور مذهل وصل إليه حال مسرح العرائس حول العالم من خلال مدارس مختلفة تسعى كل منها إلى التفنن والابتكار للوصول إلى القلوب والعقول معا، سواء على مستوى التقنيات الفنية أو حتى على مستوى رسائل العروض ومضمونها ،حتى ولو كانت بسيطة وسبق تناولها مرارا.. هذا ما تكشف عنه عروض حدثين مهمين يقامان بالقاهرة حاليا وهما مهرجان حكاوى الدولى بمركز الهناجر وكذلك مهرجان العرائس العالمى عبر الانترنت.
ومن بين عروض «حكاوى» كانت مسرحية «الحمام» الأمريكية خير مثال على هذا التطور، الذى وصل لدرجة شديدة التناغم بين ثلاثة من محركى العرائس يقومون بتحريك عروسة واحدة بكل انفعالاتها وحركاتها، دون أن يشعر المتلقى بحركة واحدة غير منطقية، فممثل يقوم بتحريك الرأس واليد اليسرى وآخر يحرك اليد اليمنى وثالث يحرك القدمين، وهو أداء يحتاج من الممثلين لتوافق عضلى وعصبى دقيق وتدريب شاق ليصل الأمر للجمهور بهذه المتعة والحرفية، فانعكس هذا على احساسنا الساخر نحو شخصية «فرانك» الموظف الدقيق الذى يسعى لتطبيق كل عوامل السلامة والأمان فى مكتبه ليخدم ذلك على سير العمل ودقته، وبناء عليه يصل به الأمر إلى درجة تخيل أن الحمام والحيوانات يقومون بمؤامرة لهدم هذا النظام، فيراقبهم فى الحدائق بالتصوير الفوتوغرافى ثم الفيديو، بل ويتصور أن نقر الحمام على الأسطح وأصواته البديعة ما هى إلا شفرات يخاطب بها بعضه البعض فيقوم بتسجيلها وتحليلها، ويدخل فرانك فى صراع مع الطبيعة يفقده إحساسه بالحياة حتى يكتشف فى النهاية أنه مخطئ وأن الأمر أكثر بساطة، وأهم ما فى العرض هو قدرة الممثلين على التحريك وكشف اللعبة المسرحية أمام الجمهور، بارتدائهم ملابس سوداء، ورغم هذا لا يمكننا إلا أن نتفاعل مع الشخصيات بين البطل فرانك والحمام وقطع الديكور البسيطة التى تتحرك على المسرح فى انسيابية بالغة. أما العرض الجورجى «حكاية غزالة» المعروض ضمن مهرجان المسرح العالمى على الإنترنت، فنكتشف معه أننا بحاجة لتعلم الرفق بالحيوان، مثل الصغار تماما، فنرى الغزالة الرقيقة «رو» وهى تداعب الطبيعة وتلهو مع أمها حتى يراها طفل صغير ويتمنى لو يصطحبها إلى منزله، فترفض الأم حرصا على حرية الحيوان، ويستخدم العرض عناصر بسيطة لكشف مدى قسوة الإنسان بتشكيل جسد إنسانى من صخور الطبيعة، وباستخدام عنصر الظل والضوء وفى مساحة رؤية صغيرة للغاية بمسرح حكومى بجورجيا نرى كم تفاعل الصغار مع العرض والتعاطف مع تلك الغزالة الضعيفة.. رسالة فى غاية البساطة ولكنها مغلفة بصورة بصرية جاذبة وعميقة ومؤثرة.