القباني رائد المسرح العربي

لا مُبالغةَ في توصيفِ «أحمد أبي خليل القبَّاني» برائدِ المسرحِ العربي.
و لهذا التوصيفِ أسبابٌ منها، أن المسرحَ بالمفهومين العامِ و الخاص، هو من فروعِ الثقافةِ. و تتمَيَّزُ الثقافةُ، بأنها تتكشَّفُ في المُجتمعاتِ المُتنوِّرَةِ، و لاسيما في الأُسَرِ العريقةِ، في القرنِ التاسِعِ عشر. فـ «القباني» هو أوَّلُ من أَسَّسَ مسرحاً عربياً في ذاك القرنِ، في دمشق.
و لئن تأثَّرَ «القباني» بالمسرحِ التركيِّ، على خلفيَّةِ أصولِهِ بالمجتمعِ التركي، إلا أن أعمالَهُ المسرحيةَ التي بلغت أربعين عملاً، استمَدَّها من التاريخِ العربي، و التراثِ الإسلامي. و قد أدخَلَ إلى مسرحِهِ، الإنشادَ الجماعِيَّ، من نَظمِهِ و تلحينِهِ. و لم يكنْ ذلك عبثاً، بل توظيفٌ في صُلبِ أعمالِه. و يُعَدُّ «القباني» أولَّ من أدخَلَ الأوبريت الغنائيةَ في المسرحِ العربي. و كان سَبَّاقاً إلى ذلك، في الشام، مُتعاوِناً مع كثيرين في مجال الأغنيةِ، و في مُقدِّمتهم الشيخ» أحمد عقيل الحلبي» و هو من حلب.
فِكرِيَّاً، نهضَ «القباني» بالمسرحِ، عندما تصدَّى لعروضِ «كراكوز و عيواظ» التي جسَّدت في حينه، انحطاطَ اللغةِ المحكِيَّةِ، و استخدامِ المُبتذَلِ منها الذي يصلُ إلى حدِّ البذاءَةِ و تلويثِ العقول.
و في الثلاثين من عمره كان «القباني» قد استكملَ معرفتَهُ بالمسرحين التركي واللبناني ، وظهرتْ براعتُه في التلحين والغناء و رقص السماح. و كانت مسرحيَّتُهُ ، « ناكر الجميل» التي اقتبسهأ من الشيخ «أحمد عقيل الحلبي» و جمع فيها بين ألوان التمثيل والغناء والموسيقى، التي منحتهُ مزيداً من الشُّهرة. واستمر في التأليف والاقتباس مُستمداً موضوعاته من تراث العرب القدامى في القصص الشعبي ، ومما ترجم واقتبس في لبنان وفي تركيا من روائع المسرح الغربي . علماً بأن «القباني» ظهرَ وَلَعُهُ بالسرحِ، و هو في الخامسةِ عشرة من عُمره.
تعاظمَ نشاطُ «القباني» المسرحي، بتشجيع من الولاة الأتراك و خاصة صبحي باشا و مدحت باشا أبي الأحرار، لكن حملات الرجعية اشتدت عليه حتى نالت منه ، عندما وشوا به إلى السلطان عبد الحميد ، و أوهموه أنه يفسد النساء و الغلمان ، و ينشر الفسق و الدعارة ، فأمر السلطان بغلق مسرحه ، فارتحل إلى مصر، و هناك أسهم مع زملائه اللبنانيين في نشاط المسرح المصري المزدهر في ذلك الحين .
ومن أهم مسرحياته وأكثرها شهرة .. « هارون الرشيد « ، « عنترة بن شداد « ، و « السلطان حسن « ، و» أبو جعفر المنصور « ، «ملتقى الخليفتين « ، « أنس الجليس « ، «الولادة « وهي جميعها مسرحيات فيها جدة في الأسلوب ، وفصاحة في العبارة ، وطرافة في الحوار ، وأن تأرجح السياق اللغوي بين النظم والنثر ، كما هو الحال في مسرحيات النقاش ومن حذا حذوه .
يُذكرُ أن «القباني» سافر مع مجموعة ممثلين فنانين وفنانات سوريين إلى مصر حاملاً معه عصر الازدهار للمسرح العربي والذى هو رائده ، وكذلك مؤسس المسرح الغنائي. و عندما أدى مسرحية «أنس الجليس» في عام 1884، ازداد شهرة أكثر. و قد تتلمذ على يديه كثير من رواد المسرح بعذ ذلك ، سافر إلى العديد من البلدان واقتبس لاحقاً من الأدب الغربي قصصاً عالمية عن «كورنيه- Corneille الفرنسي وقدم عروضا مسرحية كثيرة و مسرحيات عالمية .
و بعد أن عاد إلى دمشقَ، و في سنواته الأخيرة (دَوَّنَ )أبو خليل القباني مذكراته، و تُوفيَّ في دمشق عام 1903 تاركاُ أُسسَ و بدايةَ المسرح العربي .
أهم اغانيه
من أشهر أعماله, تأليف و تلحين أغنية (يا مال الشام) الأغنية الدمشقية الأصيلة:
يا مال الشام يا الله يا مالي طال المطال يا حلوة تعالي
طال المطال و اجيتي عالبال ما يبلى الخال عالخد العالي
طال المطال طال و طول الحلوة بتمشي تمشي و تتحول
يا ربي يرجع الزمن الأول يوم يا لطيف ما كان على بالي
هذا إضافةً إلى أُغنيةِ (يا طيرة طيري يا حمامة..) هذه الأُغنيةُ التي غَنَّاها في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، في العام 1893، بمناسبةِ مرورِ أربعةِ قرونٍ، على اكتشافِ (كولومبوس) القارَّةَ الأمريكية.
محمد صخر حيدر
http://wehda.alwehda.gov.sy/