بدأت في العصر الراهن بعض الفنون الراقية في الاختفاء ، وأصبح يتهددها الانقراض إلم نقل أن بعضها انمحى من الوجود ،و البعض الأخر تغيرت تلويناته و غلبت عليه صبغة المنافسة التجارية ، فولى زمن الفكر و الفن النبيل الذي يحمل رسالة من أنبل الرسالات ،ويخدم القضايا الراهنة و يرتكز على القيم الفضلى .
اختفت المبادرات الفنية و فقدت لدتها و بات مآلها الزوال لانعدام الجمهور الذي وجد ضالته في البديل الذي يفتقد لقيم الخلق و الابداع .
إن المسرح شكل من أشكال التعبير عن الذات الانسانية بأساليب يكمن رقيها في بساطتها وخطابها الروحي الذي يجد صداه بقوة الإشارة و الرمز، بل يسمو بالأحاسيس إلى مجالات الخيال و يبحر في كينونة الإنسان ، بل يسهم بقسط وافر في خلق مجتمع الأفكار و الثقافات، و يجسد بجلاء لمنظومة القيم .
لا أحد ينكر دور مسرح الطفل في لعب أكبر الأدوار في التربية على القيم النبيلة ، بل هو مظهر من مظاهر تلقين و تهذيب النفس و تعويدها على التنوع و غرس العادات السليمة و إخراجه من الأشكال الروتينية الباعثة على الملل ، لكونه يملك طابعا ترفيهيا .
إنه من أرقى الفنون لكونه صورة واضحة للأحداث و الوقائع في انسجام تام مع مختلف الأصعدة و المجالات، و رحيل بالذات إلى عالم ما يجب أن يكون ، و توجيه السلوك و اكسابه المهارات و المساهمة في بناء أساس متين لشخصية الطفل .
لكن هناك أسئلة قد تجد صداها لدا كل متتبع للحقل التربوي التعليمي في بلادنا ، و لكل مهتم بواقع المسرح المدرسي على وجه الخصوص .
لماذا لم يتم استثمار المسرح المدرسي و إدماجه باعتباره قيمة من القيم الجمالية في البرامج و المناهج الحديثة ، و الاكتفاء فقط بإشارات لا تسمن و لا تغني ؟
فهل نستطيع يوما ما أن نهتم بالقسط اللائق بهذا الشكل الفني الراقي ؟ أم أن الجماليات أفرغت من دلالاتها ؟ و هل للوزارة الوصية خطة واضحة تعير المسرح الأهمية التي يستحق ؟
إن الواقع الراهن يظهر بوضوح مجموعة من الاختلالات البنيوية فيما يتعلق بالمجال الفني الابداعي عوما و المسرح المدرسي خصوصا ، اللهم بعض الاجتهادات التي لا ترقى إلى الشكل المطلوب ، لانعدام برنامج واضح و مندمج .
من دون شك فإن استرجاع مسرح الطفل لقيمه الفنية و الجمالية بكل أبعادها ، و إدماجه في الحياة المدرسية باعتبارها فضاء فسيحا للتعلم ، و تنمية المهارات الإبداعية و المعارف ، و تقويم السلوك ، يعد إسهاما في بناء شخصية قادرة على التعبير عما بداخلها بلغة الرموز و الدلالات .
لقد فقد الفضاء المدرسي قيم الجمال و الفن ، بل أهمل الجانب الروحي و أصبح يرتكز على التلقين التقليدي حتى و إن كان ظاهره يبدو مخالفا في غياب استراتيجية تعيد لمسرح الطفل مكانته و إشعاعه ، ليتمكن من خلق مجتمع متحضر يهتم بقيم الجمال و الفن .