محاولة لترميم الهوية عند فلسطيني 48: استعادة حيفا بالفن… «مسرح خشبة» نموذجا!

07y95

إن اتّفقنا على أنّ الأرض لمن يحييها، والحديث هنا عن أرض مشاع، فإنّ الأرض المستلَبة، ولهذه أصحاب، يكون إعادة الإحياء لها «استعادةً»، أو «تحريراً» بالمعجم الفلسطيني، وأفضل أساليب هذا التحرير، أو الاستعادة أو الإحياء، يكون بإحياء الأرض وفضائها، ناسها ومجتمعها المحيط، الأحياء القريبة منها، وبتوسيع الدّائرة قليلاً: المدينة بأكملها. وهذه استعادة ثقافيّة تتعدى المكان، المساحة وأمتارها المربّعة. حالة كهذه تماماً نجدها في مدينة حيفا، في «مسرح خشبة»، وهذا مشروع متفرّع ولا يقتصر على المسرح والفرقة وحسب.
أعلن الشباب القائمون على المسرح عن مكانهم الجديد، المُستعاد، ليخلقوا فيه فضاءهم الفلسطيني وسط عمليّات التهويد وسلب الأمكنة المستمر منذ النكبة، أعلنوا عنه بالمتاح، عبر الانترنت، معتمدين أساساً على علاقاتهم كونَ مشروعهم مستقل أولاً ومُبادِر ثانياً وحديث ثالثاً، وجديد رابعاً. أعلنوا عن موسمهم الأوّل، وسيكون في تشرين الاول/أكتوبر، منطلقين من مكانهم الخاص بعدما كانوا لثلاث سنين فرقة مسرحيّة دون خشبة.
خشبتهم الخاصّة، أو المكان المُستعاد، ستكون في مبنى عتيق في منطقة وادي الصّليب الأثريّة والمهمّشة في البلدة القديمة لمدينة حيفا، والتي كانت من بين الأمكنة التي هُجّر أغلب سُكّانها عام النكبة والتي لا تزال من بين الأمكنة المُعرّضة دوماً للتهويد.
ليس «مسرح خشبة» وحيداً في ذلك في المدن الفلسطينية المحتلة عام 48، في حيفا تحديداً حيث يكثر الحراك الثقافي، لكنّه إضافة لها ما يميّزها كما بدا حتى الآن وكما قد يستمر المسرح عليه، وكذلك تبقى إضافة تراكميّة إلى الطريقة الأكثر تجذّراً في استعادات الأمكنة الفلسطينية، أي المساهمة في تأسيسِ أمكنة تُساهم في الصّناعة الثقافية في فلسطين، وشبكِها ببعضها، بتعاونٍ بينها لن تستعيد المدينةُ ثقافتها الأصليّة بدونه، شبكٌ وتعاون بين المسارح والصالات والمراكز الثقافية والاجتماعية والحقوقية والتوثيقية والمكتبات والمقاهي والمطاعم و، دائماً، بيوتُ المدينة. وهذا ما يُبشّر به المشروع الشبابي الباعث للتفاؤل.
من خلال تعريف «مسرح خشبة» بنفسه، نلحظُ وعياً بدوره ومسؤوليته وحتى بطبيعة جمهوره، ويتوزّع ذلك على أكثر من مسار: أوّلها الغاية التجميعيّة للمسرح، أن ينفتح على تجارب وفرق ومسارح ومسرحيات أخرى غير تلك المخصّصة لأصحابه، بل على أجناس فنّية بصريّة أخرى، أن يكون بيتاً للفنانين الفلسطينيين ومختبر تجارب وصالة عرض. وثانيها الغاية الوطنيّة له، وذلك بربط المشروع من أساسه بمسألتَي الحفاظ على الهويّة الوطنية وتعزيزها في المجتمع المحلي لمدينة حيفا، وهو ما قد يمتد إلى مدن غيرها، فيُساهم في إعادة بناء أو ترميم الهويّة الفلسطينية بعدما شتّتَها الاحتلال بتشتيت نصف أهلها وإحتلال أرضهم وفرض قوانينه الاحتلاليّة الفاشيّة على نصفه الآخر. ثالثها هو فتح آفاق فنّية، في التجريب والإبداع، أو التفكير خارج الصندوق، والكتابة والأداء والإنتاج الفنّي بكل أشكاله، خارج الصّندوق (ولوغو المسرح يشير إلى ذلك: غصن شجرة يخرج عن إطار)، فيكون المسرح ملجأً لمن أراد الإبداع خارج المسار النمطي المرسوم، أو عكسه أو حوله.
أمّا حيفا، المدينة التي يتأسّس فيها مشروع كهذا، فهي كغيرها من المدن المحتلّة المتعرّضة للتهويد والتهميش في كلّ ما يذكّر الاحتلال بفلسطينيّتها. لكن حيفا، وهذا من بين ما يميّزها، تُعدّ مدينة طلّابيّة، يدرس ويعيش فيها طلّاب جامعيّون وافدون من مدن وقرى فلسطينية، وهم في مرحلة إعادة اكتشاف ذاتي للهويّة الوطنية، يعيشون في المدينة لفترة تمتد من ثلاث إلى سبع سنوات قبل أن يغادروها، إن فعلوا، وقد تشكّلَ فيها وعيهم الوطني. هؤلاء هم جزء أساسي من جمهور كلّ حدث وعرض ومشروع ثقافي هناك، أحدها سيكون «مسرح خشبة» المدرك من البداية لهذه المسألة.
من الموضوعات التي يعمل أو سيعمل عليها المسرح هي «حيفا بين الماضي والواقع اليومي» و «الهوية- عند فلسطينيي 48» وهذه بُشارة أوّلية أنّ المشروع لن يقتصر على المساهمة في استعادة المكان وفضائه ومدينته، بل سيساهم في استعادة الحكايات، وهذه لا تكتمل الأمكنةُ بدونها، بدون أصحابها يروونها أو يؤدّونها على الخشبة.

سليم البيك

http://www.alquds.co.uk/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *