نصوص المسرح العربي.. كتابة مطوّقة

بدأ القول بتأصيل المسرح العربي حديثاً، وكلّما أُتيحت الفرصة للحديث حول أزمة الكتابة للخشبة، يتّفق معظم المسرحيين على وجودها وتعدّد أوجهها.

“العربي الجديد” استطلعت آراء مجموعة من المسرحيين الذين تباينت قراءاتهم، بين من يرى أن كتابة النص المسرحي العربي مازالت مرتهنةً إلى تبني النصوص الغربية ومن يعتقد أنها تعيش مرحلة ما بعد الدراما.

يقول المخرج المسرحي عبد المجيد الهواس “هناك أزمة مسرح عربي في الأساس، والنص هو المشجب الذي تُعلَّق عليه هذه الأزمة. التقليديون ينظرون إلى المسرح كنص قبل أن يكون ممارسة، بينما النص ينتمي إلى جنس الأدب، فكيف لفن أن يكون فناً آخر؟”.

المسرح العربي، وفقاً للهواس، “يفتقر إلى المخيلة التي تجعل من الممارسة المسرحية نشاطاً فنياً وتقنياً مستقلاً”، مبيّناً أنه، وفي حين يرى المنظور الرسمي في النص “الضامن لسيطرته”، ينحو المسرح المعاصر إلى “دمقرطة المهن المسرحية وجعلها متكافئة الأداء في صناعة الفرجة المسرحية. وكلما تسنّى لهذه المهن أن تلعب دورها في صياغة الفرجة، أمكن لهذه الأخيرة أن تجعل الممارسة المسرحية أكثر دينامية وتأثيراً في ذائقة الجمهور العربي وأكثر استجابة للتحوّلات التي تعرفها المجتمعات العربية”.

طالما أن المسرح العربي ليس “معطى جاهزاً”، بعد أن عُرف كفنّ في أوائل القرن الماضي، فهو ما زال يؤسّس لخصوصيته العربية، على حدّ تعبير الباحث المسرحي أنس العاقل، الذي يتناول شعرية البناء الدرامي في الدراماتورجيا العربية الحديثة “بعد مرحلة تأصيل النصوص المسرحية التي كانت تبحث عن خلق قالب مسرحي عربي على مستوى الكتابة، ظهرت شعرية جديدة في المسرح العربي تفاعلت مع التحوّلات التي يعرفها العالم بفعل العولمة والتثاقف، كما ظهرت نصوص أخرى تحاول التمرّد على السائد في الكتابة الدرامية وتطرح قضايا إنسانية تتجاوز سؤال الهوية والصراع مع الآخر”.

إلى جانب هذه الشعرية، ظهر نفس سردي جديد في الكتابة الدرامية، يصفه العاقل بـ “ما بعد الدراما”، ويقول إنه ينفتح على الفكر والأدب، ويتجلّى في توظيف السرد في المسرح، وتتّصف الكتابة ضمنه بأنها إما شذرية أو متشظّية، ويبرز فيها الصراع على مستوى خطابات الشخصيات. هنا يورد العاقل نص “دموع بالكحل” للمسرحي المغربي عصام اليوسفي نموذجاً واضحاً على هذا الاتجاه”.

يكمل: “الوصول إلى مستوى تأسيس ذخيرة مسرحية عربية متنوّعة وغزيرة لم يتحقّق بعد، في حين يمكن الحديث عن أن الكتابة المسرحية بدأت مع الروّاد؛ توفيق الحكيم وسعد الله ونوس وعبد الكريم برشيد وآخرين، هؤلاء تفاعلوا مع أسئلة عصرهم وجمالياته، وتستمر الآن من خلال أجيال شابة تفعل الأمر نفسه مع أسئلة عصرها”.

بدوره، يؤكد صاحب “رجل الخبز الحافي”، الكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى، على وجود كتابة وكتّاب مسرحيين عرب مرموقين من الجيل الأول إلى الجيل الحديث. غير أن وصول هذه الكتابات أضحى مرتبطاً بشرط الحرية والديمقراطية في المجتمعات العربية. وفي غياب هذا الشرط لا بد أن تُحاك حول الكتابة للمسرح والمسرح عموماً أسيجة من التعتيم للتشويش على تأثير مفعولها على محيطها”.

وفي ما يخص العلاقة مع النص العالمي وموقف المسرحي العربي، ما بين الإقبال على تبنيه أو الانكماش حول الذاتية العربية، يقول الكاتب والسينوغراف ياسين الزاوي لـ”العربي الجديد” إن “تأثير المسرح الغربي على حساسية المسرحية العربية لا يمكن إنكاره”، لكنه يستدرك قائلاً “إن الأصوات التنظيرية منذ أواخر الستينيات إلى أواخر الثمانينيات، تعالت منادية بتأصيل ما للمسرح، الأمر الذي دفع بالجيل اللاحق إلى أن يعي دوره الانتقالي بالبحث عن مسرح يجدّد من خلال ما استوردناه من الغرب واستنباته في تربتنا”.

وبين أزمة التجديد واستيعاب التحوّلات، يظلّ النص متأرجحاً، فالكاتب العربي ينحو إلى الراوية والشعر، والمتلقّي يفضّل بدوره الكتابة السينمائية على النص المسرحي، فالأخير “يُلزم المتلقّي بأن يشغل خياله لكي يملأ فجواته، فيصبح متلقياً إيجابياً عوض شكل التّلقي السلبي الذي تقترحه عليه السينما”، وفق قول العاقل.

الاهتمام ينصب على ورش الكتابة السينمائية والروائية أكثر من الكتابة المسرحية، يبين العاقل، كما نجد أن دُور النشر تفضّل ألا تغامر بنشر نص مسرحي جيد، لكنها بالمقابل قد تستثمر في نشر رواية عادية. كذلك الأمر مشابه للجوائز المخصّصة للكتابة المسرحية.

من جهته، لا يتّفق الزاوي مع العاقل تماماً، إذ يرى أن الورشات متوفّرة ولكن “نقص المدرّبين الأكفاء يؤثّر على جدوى هذه الورش ومضمونها”.

تقديم نصّ مسرحي مشبع في حالة الإقصاء والتهميش التي تعيشها الثقافة عموماً، إضافة إلى قلة الدعم والتوجيه يحوّله إلى نص تصعب فيه مراعاة الخطاب المسرحي، ما يؤثّر على خصوصيته الدرامية.

يتابع الزاوي أن الأمر يقود إلى: “خلط كبير بين الخطابين الدرامي والأيديولوجي. أحياناً، تخترق الأيديولوجيا النصوص المسرحية العربية، فنجد قناعات الكاتب على لسان الشخصيات كأنها جوقة تتحدّث باسمه، ما يُفرغ النص من حمولته الدرامية خصوصاً عندما يغرق الخطاب المسرحي في المباشرة”.

 

 

الرباط ــ وصال الشيخ

http://www.alaraby.co.uk/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *