مهرجان المسرح العربي في وهران يختتم دورته (2 من 2) «الآخر» كضرورة لفكّ العزلة عن «البيت»

وهران: لطفي العربي السنوسي

تحدثنا في ورقة أمس وبلغة انتصارية عن فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي الذي احتضنته مدينة وهران الجزائرية واقتسمت أشغاله مع الجوار في مدينة مستغانم… انتصرنا للمهرجان وللهيئة ورجالها المؤسسين والعاملين وكل الذين يشدّون أعمدة «البيت العربي للمسرح» كمساحة ضرورية نهضت ـ في البدء ـ من أجل اعلاء وتطوير وتنمية الظاهرة المسرحية في البلاد العربية… انتصرنا للهيئة التي وضعت كل امكاناتها المادية والبشرية والمعرفية من أجل ترسيخ هذه المساحة العربية المشتركة التي تأسست بمبادرة من حاكم الشارقة سلطان بن محمد القاسمي وانطلقت في دورتها الأولى بالقاهرة سنة 2009 لتمتد مرورا بعمان ثم تونس ثم بيروت فالدوحة فالشارقة ثم المغرب فالكويت الى غاية وصول دورتها التاسعة الى مدينة وهران الجزائرية التي مرّرت مشعل الدورة العاشرة إلى تونس سنة 2018.

هو مهرجان فريد من نوعه كان بالإمكان أن تستفرد به الشارقة وأن تنفرد بتنظيمه السنوي إلاّ أنّ حاكمها سلطان بن محمد القاسمي، مؤسس الهيئة والمهرجان، اختار أن تكون هذه التظاهرة بلا شبيه وبلا مثيل في المنطقة العربية فنذرها للتجوال ولإقامات سنوية تتعاقب فيها الدورات والحواضن العربية وأن يتحوّل المهرجان الى تظاهرة متجوّلة تجوب العالم العربي لتقيم أيّاما معدودة وضاجّة في المسارح المختارة وهذه واحدة من أهمّ سمات مهرجان المسرح العربي الذي اختار التجوال في المباني وفي المعاني العربية.

الدورة التاسعة بمدينة وهران كانت الأوسع زمنيا والأكثر حضورا على مستوى الضيوف، إضافة الى تعدّد مساراتها الفكرية والفرجوية والعلمية حيث وصل العدد الإجمالي للمشاركين الى ما يقارب خمسمائة وخمسين مسرحيا من مختلف المواقع العربية والحساسيات الفنية تكفّلت بهم وهران وغمرتهم بمحبّتها واحتضنتهم الهيئة بحماسة رجالها الذين أداروا كلّ هذا «الماراطون» بنجاعة رغم أشغاله المكثفة وفعالياته ومنابره المتعددة التي كانت كـ «المتاهة».. فلا هدوء ولا سكينة على مرجل الدورة التي كانت شاسعة بكلّ المقاييس بل هي دورة مضيّعة لكأنها «المتاهة» في تعدّد أشغالها ومنابرها التي توزعت بين مدينتين.

بعيدا عن لغة المديح (وتستأهلها الهيئة في الواقع) وبما أنّ المهرجان قد ترسّخ وتحوّل بالتالي الى أمر واقع وضروري ضمن خارطة المهرجانات العربية فإنّه لا بدّ من التوقف عند بعض هناته ونزوعه نزوعا احتفاليا طغى أو هو أخفى مكامن الضعف ومواقع الأخطاء التي لا تتحمّلها الهيئة في الواقع وإنما هي في علاقة بمقاييس الاختيار والانتقاء للعروض المشاركة ولمحاور الندوات الفكرية وجلسات التعقيب والنقاش.

في ورقة أمس سألنا: هل من متنفس لهذا البيت؟.. ألا يلزمه هواء لتجديد الهواء المتشابه؟ أيّ معنى لبيت بلا نوافذ ولا منافذ؟ ألسنا في حاجة الى هواء مغاير لوضع التجربة على محكّ مغاير؟ ألسنا في حاجة الى وجوه لا تشبهنا؟ كم ستطول إقامتنا في هذا البيت المشترك وهل يمكنها أن تطول إذا ما أحكمنا إغلاق البيت على أنفسنا؟… كيف الخروج من البيت دون مغادرته؟ بهذه الأسئلة أردنا ـ في الواقع ـ الإشارة الى ما يمكن أن نسميه «زبونية مقيتة» بحيث أصبح للمهرجان «زبائن» معهودون يتكررون في كل الدورات ويكفي التأمل في «أرشيف الصور» لندرك ذلك.. وتكرر الوجوه يعني تكرر الخطاب ذاته في كل الدورات وهذا يعني ـ بالضرورة ـ التوقف عن التفكير وتقلّص الخطاب النقدي وضمور مساحاته… فـ«الزبونية» تقتل النقد وتحوّله الى مديح عال لا أعتقد أن الهيئة في حاجة إليه والاكتفاء بـ«الزبائن المعهودين» من أمّة العرب من شأنه أن يعزل أسئلة المهرجان عمّا يحدث في عالم المسرح الرحب… فالممارسة المسرحية العربية ليست ممارسة معزولة وإنما هي منفتحة على تجارب الاخر الذي تجاوزنا بأشواط ضوئية في مستوى الممارسة والتنظير وفي مستوى الفهم والتلقي… فلا ضير بل من الضروري أن يكون هذا الآخر بأعلامه وتجاربه حاضرا ـ كأمر واقع ـ ضمن فعاليات المهرجان باعتباره «آخر» ضروريا لإثراء هوية المهرجان على منابر الحوار وكشكل من أشكال التثاقف مع المغاير والمختلف…

 

عروض المسابقة: مراجعة المقاييس واللجان

أجمع المشاركون في دورة وهران على تواضع العروض المشاركة في مسابقة المهرجان (جائزة القاسمي) ولا إستثناء في ذلك بل نجزم أنّ لجنة التحكيم قد وجدت نفسها مرغمة على تتويج الحدّ الأدنى أو بالأحرى الأقل سوءا.. وكنا نتمنى لو تمّ حجب الجائزة حتى تصل الرسالة عميقا الى كل من شارك في المسابقة.

فعندما نقول المهرجان العربي للمسرح فإنّ هذا يعني بالضرورة أن المشاركات ستكون بمثابة خلاصات التجربة.. أي المرآة التي تعكس مدى حداثة وتطور التجربة في هذا البلد العربي أو ذاك.. والواقع أن ما شاهدناه كان مقترحات فردية لمجموعات مسرحية ما تزال بصدد التشكل وبصدد التجريب او نسخ ما تم انجازه في المسارح العربية.. بل إن بعض الأعمال المشاركة كانت مجرد اعادة انتاج لصور ومقاطع جمالية كاملة من أعمال مسرحية مرجعية كان أنجزها المسرح العربي وقدمها المسرح التونسي في بداية الثمانينات في تلك السنوات التي إكتشفت فيها رجاء بن عمار مناخات «بينا باوش»..!؟

وحتى نختصر فإنّ الدورة التاسعة كانت الأضعف ـ كما يبدو ـ على مستوى العروض المسرحية المقترحة وهنا ندعو إلى ضرورة مراجعة مقاييس الاختيار والمشاركة مع تجنب «اللجان الوطنية» المكلفة باختيار العروض وتتكون عادة من المسرحيين الذين نعرف أنهم منقسمون إلى شلل وملل وبالتالي فإنّ ترشيحاتهم تكون بالضرورة تحت عنوان «الاقربون أولى بالمعروف» مع استبعاد التجربة الأجدر بالمشاركة بما أنها لا تنتمي إلى دائرة «الاقربون» وهنا يمكن التعويل في اختيار العروض على لجان وطنية محايدة (من غير الممارسين الفعليين) أي أكاديميين ونقادا على أن تكون تقاريرهم مفصلة وعلمية متأسسة على المشاهدة الحية (باعتبار ان عروض الفيديو لا تقدم صورة مكتملة وواضحة للعمل المسرحي).

بقي أن نشير في الآخر إلى ضرورة اسناد ودعم لجان تحكيم المسابقات بأسماء وأعلام من خارج الدائرة العربية اثراء لأشغال اللجان وتوسيعا لذائقة التلقي، فلجنة تحكيم جائزة القاسمي في وهران كانت متجانسة إلى حد التماهي فلا شيء يختلفون حوله بما أنهم من المدرسة ذاتها التي ترى العرض المسرحي نصا واخراجا وأداء كل على حدة ولا تقاربه كمنظومة بصرية متكاملة متعددة العلامات مع نزوع أخلاقي فج تردد صداه في التقرير النهائي الذي دعا المسرحيين إلى الابتعاد عن الرذيلة في أعمالهم .. هكذا … !?

هذه بعض الملاحظات السريعة: وهي التقاطات شخصية ـ في الواقع ـ تقصد الدفع نحو تطوير مهرجان الهيئة الذي نعتبره مكسبا حقيقيا للمسرح العربي وللثقافة العربية عموما.. مكسب لابد له من نوافذ ومنافذ تفتح على تجارب وأسماء مغايرة تكون بمثابة المحك للاجابة على سؤال: ماذا تحقق في الممارسة المسرحية العربية?.. ثمة نرجسيات قاتلة لا بد من التخلي عنها حتى نذهب بعيدا في هذا العالم الرحب المفتوح على كل الأسئلة…

المصدر/ اليوم

محمد سامي موقع الخشبة

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *