مسرح عصر النهضة

لم يُستخدم مصطلح الكوميديا في انكلترا حتى عصر النهضة بهدف تقسيم الدراما إلى كوميديا وتراجيديا وجاء مصطلح الكوميديا من الدراما الرومانية الكلاسيكية.‏
كانت بدايات الكوميديا الانكليزية في القرن السادس عشر، نتيجة الابتعاد عن أشكال العصور الوسطى واعتبر مدخلاً لنماذج من أعمال بلاوتوس وتيرانسيوس، ومنذ ذلك الحين تم استخدام الكوميديا بشكل فضفاض ليشمل مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأنواع المسرحية، بعضها تشابه الكوميديا ??اليونانية واللاتينية، وبعضها تتقارب من مساخر القرون الوسطى، وبرزت في العديد من الممارسات والأشكال حتى خضعت للنماذج القديمة. ظهرت المسرحيات الكوميديا قصيرة الحجم لتوضيح العديد من أنواع الكوميديا ??التي كانت منتشرة في القرن السادس عشر ومهدت الطريق لسلسلة رائعة من الأعمال الكوميدية الرومانسية التي تم إنشاؤها في عصر شكسبير كنموذج أو تطبيق للمبدأ الكلاسيكي.‏
على الرغم من أن المصطلح الجديد هو مصطلح قديم. فالروح الكوميدية غزت على الأقل أقدم الألعاب الشعبية التي كانت بمثابة الدراما البدائية، بدأت مسرحية المعجزات في وقت مبكر، ثم ازدهرت في العديد من المراحل، في حين أن هناك العديد من الفنانين الذين كانوا يتجولون في المناطق الانكليزية لتقديم عروض تهريجية وساخرة من نوع الفارس. ارتفع الفارس ليصبح دراما مكتوبة مع بداية القرن السادس عشر في مسرحيات جون هيوود، وبحلول ذلك الوقت سخرت الكوميديا من الأخلاق العامة حتى أصبحت خطرة على البلاد نظراً لخروجها من الأبواب الضيقة. وقد أصبحت النصوص قصيرة تناسب العرض داخل الغرف المغلقة وفي الساحات العامة، تبث رموزاً ساخرة وغنية بدلالاتها الأخلاقية. وعلاوة على ذلك، فقد تناولت موضوعات كثيرة حتى طالت القيم التربوية التعليمية المثيرة للجدل آنذاك، ومواضيع أخرى عن طريق التجريد.‏
كانت الدراما على تواصل مع مواضيع جديدة أساليب جديدة، ولم يأت التأثير من النموذج الكلاسيكي غير المباشر إلا من خلال مسرحيات بلاوتوس وتيرانسيوس، ولكن أيضاً وبشكل غير مباشر من خلال العديد من التعديلات التي تعود إلى أشكال لاتينية من العصور الوسطى.‏
فالمسرحيات التي تستمد موضوعاتها من الكتاب المقدس، وخاصة تلك التي تتناول قصة الابن الضال، تمثل نوعاً خاصاً من الدراما الدينية انتهى دورها في ذلك العصر. وحين شاعت روح جديدة في هذا السياق، أدى الكتاب دوره مرة واحدة بعيداً عن شروط العصور الوسطى، وكان من السهل أن تتجه التجربة في الدراما كما في أماكن أخرى باتجاه وسائل الترفيه والتسلية من خلال المناظر الخلابة أو مسرحة القصة التي لا تقل أهمية عن الكوميديا ??والتراجيديا.‏
كانت الظروف قبل منتصف القرن السادس عشر، تطالب المسرحيات بتغير كبير في مواضيع القرون الوسطى، وحدث تطور في الأنواع والأشكال مثل الفواصل الكوميدية التي أصبحت فيما بعد مسرحيات مستقلة، والفواصل الكوميدية هي مواقف مضحكة قصيرة عموماً، وقابلة للتنفيذ من قبل بعض الفنانين، إذ ينصب الفنان منصة التمثيل في مكان ما، ويجتمع الجمهور، ثم يعرض مشهداً كوميدياً، وعلى الرغم من أن هذا النوع قد يكون خطيراً في جزء منه، لكن الفنانين يقدمون عادة فقرة للترفيه، ومع ذلك، كان الهواة يمارسون التمثيل واللعب إلى حد كبير، وهذا يتفق مع أعراف وتقاليد المسرح آنذاك. كان الممثلون الهواة يتصرفون بشكل عادي في كل مكان، في القرى والمدارس، ويستخدمون الوسائل الميكانيكية الخاصة بهم، فكانوا يعرضون تمثيلياتهم الكوميدية أمام المدرسين والتلاميذ، بينما المسرحيات التي تقدم المتعة لجميع فئات المجتمع، تستخدم فيها أساليب مختلفة من الأداء الذي له تأثير خاص في تواصله مع تطور الكوميديا. أولاً، قدم طلاب الجامعات والمدارس عروضاً ما بين المسرحية اللاتينية والمسرحية الانكليزية، وانتهجوا خط الكوميديا الكلاسيكية، لكنهم غامروا أيضاً في مجالات أخرى، وبعض الشركات المنتجة قدمت لأطفال المدارس عروضاً بشكل عام. ثانياً، شجعت الساحات العامة لتقديم عروض درامية باستمرار، وخاصة جميع أنواع العروض، والمواكب، والمسرحيات التي عرضت مشاهد تمثيلية وموسيقية وراقصة. ثالثاً، نظمت الشركات المنتجة لأطفال المدارس عروضاً لها أعراف وتقاليد، ما أدى إلى تنظيم العروض المسرحية في القاعات والساحات أمام الجمهور على حد سواء، ويبدو أن تأثيرها كان قوياً على الكوميديا الخفيفة والراقية. رابعاً، بعد تزايد الشركات التي تقدم عروضاً للكبار باستمرار وتجوالها في العديد من المناطق ذات الأهمية الاقتصادية، شُيدت صالتان من المسارح العامة في لندن عام 1576، ومنذ ذلك الحين استقرت الفرق المسرحية الجوالة واكتسبت سمعة طيبة، وتحولت الدراما من الهواية إلى الاحتراف، على الرغم من تعاملهم لسنوات طويلة مع الشركات المنتجة لعروض الطلاب، وكانت الجهات الفاعلة هم المهرجون الكبار الأكثر شهرة، ومما لا شك فيه أن المسارح العامة في بداية التعامل كانت تعرض مسرحيات ساخرة، ولكنها سرعان ما وجدت مكاناً لقصة رومانسية أو لهجاء اجتماعي، ولاقت هذه الأنواع من الأشكال والأنواع المختلفة من الدراما تشجيعاً من السلطات المحلية.‏
وكتب رالف دوستر «1540 ـ 15666»، أول كوميديا انكليزية على نموذج تيرانسيوس، لا شك أن تقديم هذا النموذج أمام طلاب المدارس يجعلهم يتعرفون على أول كوميديا ??إنكليزية، ولكن مطالبتهم لهذا التمييز اعتمد على تقييد المدى لمسرحية كاملة مدتها خُمس المسرحية من نموذج الكوميديا اللاتينية. وهي مسرحية ساخرة تتعرض لتفاصيل اللغة والآداب الإنكليزية بطريقة مرحة، وكان هذا النوع من الموضوع يتكيف بسهولة مع شخصيات القصة وحبكتها، إحدى الشخصيات كانت ميل كلوروس، لديها شهادة التميز في الإبداع والخلق. من دون شك فرشت العديد من حانات لندن لممثلي بلاتين والجنود الفخورين الذين هم من أهم الشخصيات الكوميدية في أحياء انكلترا. حتى أن الأفضل منهم، كان بوبل وفالستاف «شخصيات مسرحية»، في الحفاظ على بعض الخطوط العريضة للمرحلة. ويتمثل التقليد وثيقة من الدراما اللاتينية التي نجدها عند رالف دوستر من جانب عدد من المسرحيات في وقت مبكر: غاسكوين في «الافتراض»، من ترجمة لودوفيكو أريوستو، وكذلك «الأم بومبي الذكية» والتي حورها شكسبير بعنوان «كوميديا الأخطاء».‏
ولكن تأثير بلاوتيوس وتيرانسيوس تجلى في وضع نسخ وفي عدد لا يحصى من العروض. فالشخصيات مثل الشباب العشاق، والعبيد الأذكياء، دخلوا إلى المرحلة التالية مثل ميل كلوروس، واستخدام بعض أساليب التمويه وخطأ في تحديد الهوية التي أصبحت جزءاً من الموروث المسرحي الأليزابيثي، لكن أثبتت ملاءمتها في واقعية الكوميديا الساخرة، وروح الدعابة اللاذعة. إذ قال إن هذا القانون لا يعاني من المواضيع الرومانسية التي تؤدي إلى إهمال تصوير ونقد الحياة المعاصرة، وقد عثر عليها كمخطوط لاتيني كحل تعرض بشكل جيد لعلاج بعض حماقات الشخصيات. إن التطورات للنماذج اللاتينية من مسرحيات بن جونسون مثل الخيميائي، ربما كان أفضل وثيقة لدراسة الأساليب الكلاسيكية القديمة ما أدى إشاعة روح المرح والسخرية الاجتماعية فيها.‏
أرسى بعض الأكاديمين توجهاً جديداً في النماذج الكلاسيكية والاتجاهات الجديدة قبل شكسبير مساهمين في تقدم الكوميديا مثل غرين وبيل ولي لي. لكن على الرغم من وجود هذا الأساليب فقد كتب المسرحيون مسرحيات للأطفال وعندما كان «لي لي» شاباً كتب مسرحيتين هما، «مصلى الملكة»، و»المرأة في القمر»، وله ثمانية كوميديات، «الأم بومبي الذكية». وتعتمد على الأساطير الكلاسيكية، وإدخال العناصر الرعوية في كثير من الأحيان.‏
يحل الرعوي محل المهرج الفيلسوف في مسرحيات سابقة إشاعة جو المرح، وعلى الرغم من كتابة المسرحيات، يبدو أنه كتب نصوصاً لتعرض في الساحات العامة وتتعرض للرموز السياسية المعاصرة، وصنع تصميم المناظر ووضع الموسيقى لإسعاد المتفرج وجذبه، وابتكر لغة شيقة بحيث تخفف من المأساة. قد يكون الفضل يعود إلى لي لي لإشاعة الفرح في مسرحيات الطلبة والتي تمثل اللعب الإيهامي مثل جلب المتهم بيل من باريس، وبذلك أصبحت الكوميديا بين يديه رشيقة تبعث الطرافة في النفوس، وتعتبر مسرحية «إنديميون» أكثر مسرحياته تقليدية، ترصد قصة حب سينثيا رمزاً للمحبة وللملكة ليستر سيتي، ويتحول الرمز بحيث تصبح سينثيا ملكة الجنية، وقد تكون قمراً أو عفة، أو الملكة أليزابيث نفسها، وهي قريبة من مسرحية «سيدان من فيرونا»، و»حلم ليلة منتصف الصيف» لشكسبير.‏
كتب جورج بيل مسرحيات من مختلف الأنواع، الكوميديا والتراجيديا، بما في ذلك المسرحية الترفيهية، لكن مسرحيته الناجحة والمثيرة للاهتمام هي «حكاية الزوجات القديمة» عام 1595، يعتبر الباحثون أنها مثلت أهم اتجاهات الكوميديا في ذلك الوقت، إذ استفاد شكسبير منه فيما بعد في خلق معظم كوميدياته الرومانسية.‏
وقد لاحظنا أن الكوميديا ??أقرب إلى الطبقة المتوسطة من كوميديا الأخطاء التي تنتمي إلى مسرحية رعوية «الحب الضائع في العمل» و»غالاتيا» لـجون ليلي، و»سيدان من فيرونا» على خطى غرين، وهي تمثل تطور الكوميديا من مهزلة وقحة إلى أنموذج مكرر ومتنوع تضم شاعرية الترفيه، أعتاد الجمهور على المشاهد المثيرة، التي تحتشد فيها الفتيات في ملابس الأولاد، والجنود الحمقى والأغاني الجميلة والحوارات الشاعرية، وتمجيد الفضيلة، وجمع شمل العشاق، فكانوا ينتظرون «الخيميائي» وقد نجد هذه العناصر المشوقة في مسرحيتي «الليلة الثانية عشرة» و»كما تهواها» عند شكسبير

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *