مسرح اللامعقول

 

 

 

في لحظة يبدو اننا عدنا الى نقطة الصفر، فلا الانتخابات جاءت بالجديد، ولا الارادات تزحزحت عن مربط المصالح الفئوية والشخصية، ولا ستارة المسرح انفتحت على ديكورات تطرد الملل والغثيان، فيما انسحب الكومبارس والفنيون، وحل الحيتان محل الجمهور والثعالب محل الممثلين. شيء اقرب الى مسرح اللامعقول، وفصل من مسرحية الكراسي ليوجين يونيسكو في هجاء القيم والالتزامات والمحبة، وجدوى المواجهة.
لا تختلف حيتاننا، في طبعتها وطباعها عن تلك الحيتان التي “تتنفس من منخرتها الموجودة في اعلى الرأس” وتتخاطب في ما بينها بواسطة الصفير، والنحيب، والصراخ “من على الشاشات الملونة” وهي جميعا، ومن غير استثناء، رموز لكل مهووس بالثراء السريع، ومن ذوي الجشع والجهل والسير المجهولة، ولدى الصيادين ورواد البحار قصص مروعة عن تلك الحيتان الغادرة، لكني لا اعرف مدى صحة القول بان هذه الحيتان لا تقرب من أي مركب يقل امرأة حائض، وأشك بالرواية القائلة بان الحيتان لم تكن لتهاجم البواخر الامريكية التي كانت تقل في القرن الثامن عشر نساء سجينات يجري نقلهن الى جزر نائية لزجهن في اعمال السخرة الهمجية.
اما ثعالب المسرح الجديد للاحداث، فقد ملأت مانشيتات الصحف وشاشات الفضائيات ومنتديات السياسة. تصرح وتتقافز وتتخاتل وتبتعد عن المواجهة وتغير حيثما تجد غفلة، ويقول اللغويون “تثعلب الرجل” اذا ما جَبُن وراوغ. ولاحظ الجاحظ في الثعلب: “إذا طارده الصيادون، تماوت، وزكر بطنه ونفخه، حتى يتوهم من يراه انه قد مات من يوم او يومين، حتى إذا تعداه، وشمّ رائحة الكلاب، وثب وثبة ونجا.”.
وفي مدونات الظرفاء ثمة الكثير من الروايات عن دونية الثعلب حتى يخجل الناس من قول “عضني ثعلب” ومرة، عضّ ثعلبٌ شيخا، فاتى راقيا (صيدلي ذلك الزمان) فقال له الراقي: ما عضّك؟ قال الشيخ: كلب (واستحى ان يقول ثعلب) فلما ابتدأ الراقي الرقية (تحضير الدواء) همس الشيخ الى الراقي قائلا: واخلط بها شيئا من رقية الثعالب.
المسرحية الجديدة، عدا عن انها تثير الملل، فانها تثير الخوف من ان يدفع الممثلون المغامرون، من الحيتان والثعالب، قارب الازمة الى قلب الامواج العاتية، فينقلب بمن فيه، وبعضهم لايجيد العوم.

“ان اهل العراق، أهل نظرٍ، وذوو فطنٍ ثاقبة، والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الامراء”.
ابن ابي الحديد – شرح نهج البلاغة

 

http://www.sotaliraq.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *