مسرح النص الأدبي والأماكن المفتوحة

يتوقف المسرحي الذي يحاول امتلاك ثقافة نوعية في فن الخشبة عند نقطتين أشار إليهما المخرج المصري ناصر عبد المنعم في حواره المنشور أمس الأول في جريدتنا «الخليج»، ونحن هنا نعلّق على هاتين النقطتين من باب الحيوية الثقافية المسرحية التي تشهدها الإمارات في السنوات الأخيرة (في العقود الثلاثة الأخيرة بشكل خاص)، الزمن الذي أَهَّلَ المسرح الإماراتي لأن يحضر بقوّة على خشبات عربية وعالمية. وفي خلال هذا التراكم المسرحي المحلي، طرح هذا الفن الجمالي المعرفي قضايا إنسانية عديدة، وبَشّر دائماً بمستقبل أجمل للحياة التي تتمجّد بفكر التسامح والنبل والأخلاق الرفيعة، وهي معاً، قيم وَمُثُل المسرح الإماراتي، الذي استفاد من تراث هذا الفن الجميل على مستويين متوازيين: عربي، وعالمي.

أعود الآن إلى النقطتين المشار إليهما في حديث المخرج المسرحي ناصر عبد المنعم، وهما: تحويل النصّ الأدبي إلى عرض مسرحي، ثم إقامة عروض مسرحية في أماكن مفتوحة، والمقصود ب «الأماكن المفتوحة» هنا، خروج العرض المسرحي عمّا يُسمى في المصطلحات المسرحية من «العلبة الإيطالية» أي الخشبة والستارة، إلى مكان مفتوح، كأن يجري العرض في ساحة رملية، أو في الصحراء أو في الشارع، أو في ساحة عامّة.

 وعملياً، عرفت بعض العروض الإماراتية هذا النوع من المسرح في التسعينات من القرن العشرين في عرضين أقيما على الرمل وفي الهواء الطلق قدّمهما المسرحيان الإماراتيان جمال مطر، وناجي الحاي، في عمليهما «حبة رمل» و«جميلة». أما المسرح الصحراوي فهو حالة فنية إبداعية قامت على فكر مسرحي يتخذ من الصحراء مكاناً لعروض تنسجم وثقافة هذا المدى الرملي المفتوح بكل إشاراته التاريخية، والبطولية، والشعبية.

مسرح الأماكن المفتوحة هو مسرح الخروج على التنميط والعادة الجامدة والأفق المحدّد بحيّز مسرحي ضيق، وعلى نحو ما هو مسرح يتيح للممثل أن يكون حرّاً في جسده أولاً، هذا الجسد الإشاري الذي يتحوّل إلى لغة إيقاعية كما هو لغة إيمائية، وأحياناً، يتحكم المخرج بهذا الجسد في العرض المحكوم إلى مكان ضيّق، ويضطر إلى الحدّ من حرّيته، الأمر الذي لا يحدث في المكان المفتوح أو في مسرح المكان المفتوح الذي أفهمه هنا على أنه مسرح الخروج من الخشبة، وإطلاق حرية الجسد فوق الرمل وفي الهواء الطلق من دون خشبة ولا ستارة.
النقطة الثانية وهي تحويل النص الأدبي إلى عرض مسرحي، وبذلك، يستغني المخرج عن النص المسرحي التقليدي المتخصص، ويذهب إلى قصة قصيرة، أو رواية، أو حتى قصيدة ويحوّلها إلى عرض، وبالطبع، يحتاج المخرج إلى مُعّد مبدع من شأنه امتلاك قدرة تحويل قصة قصيرة مثلاً إلى عرض، وأحياناً، يتولى المخرج هذه المهمّة، وفي كل الأحوال، نحن أمام مسرح حقيقي فيه الكثير من الصعوبة، لكن في الوقت نفسه فيه الكثير من الإبداع.
هناك العشرات من كتاب المسرح المتخصصين والمحترفين، وهناك من يأخذ نصاً مسرحياً أجنبياً ويقوم ب «تعريبه» على الخشبة، ولكن يبقى تحويل رواية أو قصة أو قصيدة إلى عرض مسرحي عملاً دقيقاً وصعباً، لكن من قلب هذه الصعوبة سنشاهد عملاً مسرحياً أدبياً بالدرجة الأولى قد تكون البطولة فيه هي اللغة، والصورة الشعرية، بكل رمزياتها ومجازاتها البلاغية والفكرية.

yabolouz@gmail.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش