مسرحية قاعة الانتظار رقم 1 أو مراحيض الموت – ذ محمد أمين بنيوب #المغرب


تحيلنا مسرحية قاعة الانتظار رقم 1 لتجارب مسرح المقهورين لأغستو بوال. يطرح المبدع أيوب أبو النصر فكرة قوية عن معنى المسرح ووظيفته في المجتمع. وظيفة موزعة ما بين تمثل واقع الناس عبر شهادات واقعية ومواجهتهم لأنظمة الرقابة المكبلة لبوحهم وحريتهم. إن المسرح وطن صغير وجب عليه أن يناقش قضايا الناس في الهوامش والتحاور مع الجمهور بواسطة شهادات بغاية خلق مسرح حي، بصرف النظر عن المفاهيم الجمالية والفلسفية،بحيث يمكننا أن نساهم في تربية جمهور يقبل التفكير و المناقشة ويتجاوز الرقابة. إذن ماذا قدم عرض غرفة الإنتظار لتفسير وتحليل هده المعادلة ،مابين حكايات واقعية مستفزة ومتلق هو جزء شاهد على مجريات الحكايات أو مساهم في مأساتها بوعي أوبدون وعي.
ربما حضوره البئيس والمرعب، يجعلانه متفرجا أساسيا في لعبتي الصمت والتمتع بانهيارات الآخرين.
نحن أمام قاعة ضيقة سوداء، أشبه بسرداب أو إسطبل حيواني.

جدرانه نذوب خطوط وبقايا هياكل أوخيالات أجساد باهتة وغير واضحة المعالم. يبدو أن الفضاء بأمكنته المتعددة يحيل على وقائع درامية أقرب لمسرح جرائم معلنة أوغيرمعلنة.حكي درامي واقعي ممسرح، يثبت أن الشخصيات مصممة على البوح بكل وضاعة ومتمسكة بالانتحار.مدام لم يعد هناك مايشدها للبقاء في عالم نثن بالمستنقعات البشرية، عفوا بعض المتلاشيات أوماتبقى من سلالات الأنبياء من السفين (آدم)إلى الأمين (محمد صلعم).تقترح علينا السينوغرافيا والتي أنجزت من طرف المبدع أحمد بنميمون فضاء يحيل للمراحيض، حيث كل الفضلات البشرية عنوان للانتحار والتلاشي. تقرر الشخصيات توديع هذا العالم على أمل اللقاء هناك للعيش الرغيد والنعم الخارقة..
فالعرض المسرحي يشدك بعنوانه أولايشدك. ويفتح كل التأويلات الممكنة والمتخيلة. 
ـ من ينتظر قاعة الإنتظار في فندق مصنف. فهذا لا يفي بالغرض؟؟؟
ـ من ينتظر مكانا في مطمع فخم .

فهذا لا يفي بالموضوع؟؟؟
ـ من ينتظرهدية براقة في أعياد الميلاد. فهذا لايفي بالمناسبة؟؟؟
ـ من ينتظرملائكة تنزل من السماء. فهذا لايستجيب للمنى والدعاء ؟؟؟
ـ من ينتظر جمعة مباركة.فهذا لايتلائم وخشوع الركوع والسجود؟؟؟
ـ من ينتظرقدوم شهريار بمعية شهرزاد. هو أمام صعاليك وأجلاف صهرها حديد البؤس و الشقاء؟؟؟؟
ـ من ينتظرخطابا إنسانيا يرفع كينوننتا في الأعالي فهو واهم..؟؟؟؟
نحن أمام خزان آسن. ذاكرته أعدمت وروحه ماتت .أما الواقف أمامنا هو ماتبقى من آهات وتنهيدات عزلة أوموت محقق.أعدت قاعة الانتظار بعناية لسلالة قوم خرجوا 
 من رحم كريان طوما وهوامش البيضاء الحزينة ومواقع الدعارة ومقالع الاتجاربالبشر واستغلال عوزهم وفقر فقرهم .كل فضاءات المدن أقبية وغرف انتظارمجهزة لفرجة يستقوي فيها المضطهد (بكسر الطاء) بالمضطهد (بفتح الطاء)…


وأنا أتابع عرض قاعة الانتظار، أحسست في نفس الوقت أنني في قفص الاتهام وأنني جزء من لعبة قذرة ومتسخة، ساهمنا كلنا في صنعها ولم تعد بالنسبة لنا سوى قدر فوق طبيعي أو قدر مخزني سلطوي.ربطنا مع هذه اللعبة، عشقاغريبا وتوحدنا معها.
إن المسرح فن المغامرات ومواجهة أسئلة حارقة في مجتمعنا. وأيوب أبو النصر ومجموعته المبدعة التي اشتغلت معه بصدق وتمثل كبيرين، نجحوا وتفوقوا في تقديم
 شهادات حية ومؤرقة لواقع يتجارز قوتنا لتغييره وتبقى وظيفتنا على الأقل تعريته وفضحه وإذانته.
فحكايات الشخصيات الرئيسة وهم أربعة في مسرح عنوانه الشهادة. شهادات حية ، نجحت في إزالة ستار وهمي عن غشاوة أبصارنا.
حكاية عبد الفتاح ذي الحية الكثاء. جبته، دينار صلاة وإيمان ( عصام الدين محريم) يمتهن حرفة الرايب ومشتقاته. ترعرع في الهامش واختبر صدئه وولج سجونه ليغادره أكثرتطرفا ويفجربؤسه في أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية.

حسن السائق( منصف قبري)وهوسيء الحظ ، وجد نفسة أمام أزمة وجودية. له خمسة أبناء وهو عاقر وسيكتشف عقره بسبب صبي ترك في المقعد الخلفي ليسارته والخبرة الطبية ستؤكد ذلك.


زهرة( جليلة التلمسي) أم عازبة.مجرد حديقة ملوثة بمختلف الزهور الشوكية.جسدها وروحها، جربتا فيهما كل أنواع الدعارة والفتوحات والبركات وصور فنتازيا مجتمع ذكوري يفكربقضيبه ليل نهار.

أما ميلودة (ساندية تاج الدين) .فرض على هذا الجسم المكتنز و الجميل أن يحرثه شيخ فحل استباح كل جغرافية الجسد. خرج منه ولد. وعادت ميلودة لقيسها وعشيقها الشاب وفي لحظة ذوبان، تركت ابنها سعيد وحيدا.أكتله الكلاب وقطعته أشلاء.


تتميز قيمة هذا العمل المسرحي بقوة كتابته الممسرحة بوعي ذكي وقوة وصدق الممثلين بشكل مميز. فالشهادات الممسرحة ذات النزعة الواقعية وذات الملامح الحقيقية لشخوصها، تؤكد على أن هذا الإنجاز الفني، استلهم بشكل دقيق المنظومة الفكرية والفنية والشاعرية لأغستو بوال رائد مسرح المنبوذين والذي يرتكز بالأساس على موضوعات الهامش بكل تركيباته المعقدة والأداء التعبيري الصادق للممثل الشاهد، الذي يضع المتلقي في صلب السجال حول مادورنا؟ ما تصورنا ؟ ما مدى انخراطنا وتحمل مسؤوليتنا في إدانة مجتمع وأنظمة تعتبرنا، مجرد احتياط هامشي،دوره فقط إما الصمت المريع أوالتمتع بجحيم الآخر الفضيع أوخزان انتخابي مريح.

هذا ما أكده بوال في مشروع المسرح التشريعي، خاصة في عنصر العائق السلطوي.فأغستو بوال، يدعونا للتسلح بالإرادة الحرة والتعبير والصراع المبدع ،لكي نخرج من أوحال الهامش وتوديع كل غرفه وأقبيته المظلمة (المسرح لاينتج إلا إذا واجهت الإرادة القوية الحرة عائقا مساويا في القوة .فالبطل يجب أن ينخرط للإضطهاد من قبل مضطهد أوأكثر كعائق له.والعائق يمكن أن لا يكون شخصا واقعيا ومعروفا ولكن يجب أن يوجد كشخصية مجسدة.فإذا كان العائق هو المجتمع أوقوة الدولة،فإن على الدرامي أن يصنع البطل في مواجهة مع ممثلي هذه القوى المجردة) من كتاب المسرح التشريعي. عرض وتقديم أمين دراوشة‫.‬

ذ.محمد أمين بنيوب – ناقد وكاتب مسرحي من المغرب

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش