مسرحية (هلو – سات)  تجليات التبليغ ما بين  الداخل والخارج د. سافرة ناجي

 

 

 

مسرحية (هلو – سات)  تجليات التبليغ ما بين  الداخل والخارج  

                                                                            د. سافرة ناجي

 

لكل عرض مسرحي هوية تحدد مسارات اتجاهه الجمالي، وهذا ما اتسم به العرض المسرحي (هلو – سات ) الذي عرض ضمن مهرجان المسرح الاكاديمي الوطني الاول لكلية الفنون الجميلة / جامعة بابل. وهو من تأليف واخراج ماهر الكتيباني، وتمثيل كل من : حازم عبد المجيد، وحسن عبد الرزاق،  ومناف حسين، وماهر منثر، وحسام عبد الكريم.  هوية هذا العرض  هو مصطلح مسرح (اللا توقع الحركي القصير)  الذي اعلن عنه وبشر به (ماهر الكتيباني ) مشروع مسرحي ذو تقنيات جمالية تؤطر لشكل مسرحي مغاير، وهذا المسرح عُرف به في عروض مسرحية سابقة لهذا العرض ترسيخا لنسقه المسرحي  التي  قدمت مصطلح اللا توقع الحركي هي عرض (هسهسات، وهيت لك، وخد ملك). والتعريف بهوية الاتجاه الجمالي لهذا العرض يحيل الى البحث في تجليات التبليغ التي يمكن ان يعلن عنها هذا الاتجاه لتغيير مسارات الفهم للفعل المسرحي، التي يمكن لها ان تضيء فعل الواقع من وعي مختلف، وتعيد كتابة تجليات الفعل الدرامي المتسم بالحركة اصلا، وبالتالي تحريك مسارات التأويل لتوقع وتبني مفهوم المصطلح من انه اتجاه (درامي / فني ) عابر للمذاهب والاشكال المسرحية التي عرفتها خارطة المشهد المسرحي عالميا وعربيا ومحليا. ومن فضاء مجسات القراءة الاولية لتوقعات ما يمكن ان يحيل اليه مصطلح اللاتوقع الحركي القصير لعرض (هلو – سات )، وما يضمر من معرفة مغايرة، قد شكل فعل تأويل واستفزاز تأرجح بالتلقي بين التوقع واللا توقع، وبين الاستفهام، والتحليل، والتفسير، والتركيب، وما يمكن ان ينتج من مفهوم مبتكر لفعل التجريب لكل من العرض والمصطلح معا. فدالة التعريف به قد خلقت اتصال فكري، وفعل بحث وتفسير لرسم مسارات التفاعل ما بين التلقي والعرض بثلاث مستويات: (قبل العرض، زمن العرض، وبعد العرض). وعند قراءة فعل التلقي فانه سيدور في ابسط صور التأويل و سياق التفسير لمحكمات مفهوم الحركة المتداول.  الا ان فعل الفرجة البصري لهذا العرض فلسفيا يعلن بان نفي الحركة هو التأكيد عليها بمعنى (نفي النفي اثبات) من خلال فعل الحركة القصير شكلا  والطويل ضمنا في صور متضادة لسيلان الافكار المتدفق. ففلسفة الفرجة في هذا العرض قائمة على التضاد بين الحركة وذاتها، وبين التوقع واللا توقع. وهذا ما كشف عنه المقترح الإخراجي  لهذا العرض، في التأكيد على نسق المغايرة ما بين (الحركة واللا حركة)، وما بين  (الداخل والخارج) بجدلية الازاحة النابضة بالحركة. لتكون فعل استفزاز لكل مجسات التلقي للحفر في المغايرة الجمالية لهذا العرض. لذلك بقي مصطلح اللا توقع الحركي القصير مهيمنا يُنشط من شهية السؤال بـ : ماذا يعني؟ ماذا يريد ان يقول؟  وانفتحت دوال التوقع والتفسير لمفهوم الحركة واللا توقع . وعليه فان فلسفة الاخراج في هذا العرض هو الكشف عن فعل التضاد ما بين الحركة واللا حركة وعلاقتها باللاتوقع، اي  انه اشتغال على نفي كل ما هو راسخ مفاهيما لطبيعة الحركة التي تعني اللا استقرار، في حين هذا العرض قد صًير لها مفهوم مغاير في ان اللاتوقع الحركي بانه ( الحركة التي لا تنتج حركة)، اي انه نفي التماثل والتشابه ما بين الثنائية الميتافيزيقية، وعلى ضوء هذا المعيار الجمالي يفترض ان الحركة هي فعل الداخل الباطن الذي يموت في بعده الظاهر / الخارج، فالداخل (آنا الحركة) النابضة بالفكر والخارج (اللا حركة) التوقف/الموت، فالتضاد بين الداخل والخارج قد مسخ حضور ارادة الذات التي اضاعت بوصلة تحديد اتجاهها، فهو رصد اللا توازن والانفلات الذي جعل منها فعلا متشظياً بين اتجاهات اربعة، كما اعلنت عنه العلامة المكانية لاتجاهات الاسهم باللون الاصفر. فالذات هنا بلا هوية ثقافية تعيش عولمة فكرية وثقافية ممسوخة،  تدور في دائرة فعل الانتظار واللا انتظار، وبين تيه مدرك وغير مدرك. وهذا ما دلت واشارت اليه سينوغرافيا العرض، بان (الذات/ الكائن)  مركز بلا مركز، اتجاه بلا اتجاه، ليكون ، (الانتظار/ الاتجاه) ذوات معلبة بصناديق لا تدرك من الوجود غير صدى ما تقول، وكل فكرة جديدة، تواجه بالحديد التي دلت عليها بصريا الاعمدة الحديدية، لتشطر الشخصية في اتجاهين بين حدي الوعي واللاوعي، ليحيل هذا الانشطار الى العلاقة بين عنونة العرض( هلو – سات ) وعلامة العمود الحديدي، فالمقترب السيميائي لشطر مدلولها اللفظي الى حدين: شعور/ لاشعور /ظاهر/ باطن ، داخل / خارج  في اتجاهات متعاكسة، فالذات (كائن مجرد)، وجود غائب بين اتجاهات جغرافية وفكرية متضادة، وكأنها اعلان على ان انسان اليوم بلا ملامح، بلا كينونة، منصهر في ايدلوجيا البنية الوضعية. ويستمر ضجيج سؤال التية، الفوضى، اللا توازن ما بين الذات/ الواقع، وما بين الذات/ العرض، لاكتشاف البعد الجمالي لتقنيات هذا المسرح فكرة وعرضا فرجويا. لهذا صانع العرض لم يخرج عن طبيعة الفكرة في حدودها الباطنة التي تموج في صراع محتدم مع حدودها الظاهرة، الفكرة التي اصبحت مراقبة ولا يسمح لها ان تعيش طويلا، انسان اليوم كائن يعيش التيه بكل تجلياته العدمية، انسان اليوم كائن مجرد الذات،هائج بالافكار، طنان بالاقوال الصائحة الا انه بلا فعل، فهو صدى افكار لا تخرج من حدود لاوعيه ، واصبح اداة تنفيذ لرغبات خارجة عنه، وهذا ما دلت عليه العلامة الصوتية (سبات). لتظهر الذات دالة من دوال التيه الفكري المتقاطع لحضارة اليوم، التي رسمها صانع العرض باستعارته لتقنيات ومفهوم برمجة التفكير للعقل البشري الباطن، الذي يتسم بالسرعة  التي تتجاوز الواقع الفيزيائية العاجزة عن ادراك ما يريد، وما ينتج من افكار. فالصراع الدرامي في هذا العرض قد تجاوز منطق العاطفة الى منطق الفكر المجرد، وهذا ما اتسم به فعل التمثيل في هذا العرض اذ كان مصفر من العاطفة للتأكيد على التغيب والتيه التام للذات، وعلى ضوء هذا المفهوم، فأن مسرح اللا توقع الحركي مسرح يشتغل على تجاوز فكرة التضاد ما بين الحركة واللا حركة. ولهذا اللا توقع الحركي لهذا العرض لا يذهب باتجاه تأسيس حركة مغايرة لسياق المدلول اللفظي له، بل باتجاه ترسيخ فكرة التضاد ما بين الداخل والخارج، هو حوار العقل للعقل بان الحركة فعل انتاج فكري لا عملية انتقال من مكان الى اخر. فرسالة التبليغ الجمالية لهذا العرض اعلنت عنها  سينوغرافيا العرض البصرية وفعل التكنيك (الحركي / التمثيل) على ضوء فلسفة التضاد بين الداخل والخارج/ الحضور والغياب، وتكرار جدلية  السؤال الاحتجاجي هل نستطيع ان نضع افكارنا في حضور دائم وخلق تحولا فكريا، ام لجة الاضطراب واللا توازن المهيمن على توجيه الذات سينفيها ويجعل منها غيابا ثابت المضمون يصارع من اجل ومضة حضور معرفي يغير من سيرورة التفكير، وهذا ما افصحت عنه دلالة الحركة الحادة المنضبطة في حدود سينتمتريه دقيقة جدا تكرر شكلها دون تغيير، لذلك سيمياء الاداء التمثيلي  اتسم بضبط حركة عالي الدقة  لتعميق دلالة التضاد ما بين ضيج الداخل وسينتمتريه الحركة، ومصدات الخارج الذي يمتص زخم حركة الداخل ويقصي وجودها، وكما تدل على ذلك عتبة العنوان التي تحيل الى الحفر في ثنايا الذات لقراءة عالم الكائن المحتج على مسخ ذاته فيؤسس الفعل الفكري والجمالي للعرض فعل تفكير وحراك بحث في هلو- سات الكائن وكينونته المتشظية بين حدود البطن والظاهر بدينامية السؤال الذي يضخ افكار توصيف وهم الذات الوجودي في محاولات يائسة لأدراك ماهية وجودها الطبيعي. وهذه التلغرافية للنص الدرامي والنص الفني قد رسمت كل ذلك في تعبير فرجوي صادم في انتظار ما لا ينتظر، وتوقع ما لا يتوقع وتجسيد هذا التضاد وصراعات الذات الوجودية بحساب رياضي رسم من خلال حركة الجسد وصراعاته الفكرية المضطربة التي جسدتها سيمياء اللون الاسود للزي وما عليه من خربشات الوان عشوائية ويحيل الى تعطل اللا فهم  لديها لما يدور حولها من اضطراب، الذي تعلن عنه دلالة الاقدام الملونة بالأبيض والاسود والاحمر والاصفر التي تحيل الى فلسفة الاخلاط الاربعة. فلسفة الاخراج قد اتخذت من جوهر الاخلاط الاربعة دالة فكرية  للكشف عن اللا توازن والاضطراب الذي مسخ كينونة وهوية انسان التكنولوجيا والحروب وجعل منه ايقونة لـ (اللا شيء) فوسم بسمة ( الكائن). وتجسيدا لفكرة اجتماع صفات فلسفة الاخلاط الاربعة في ذات واحدة اشارة الى  العشوائية واللا توازن المهيمنة على مكنونات التفكير والسلوك ، وتفكيك منظومة التضاد ومركزية الفعل من خلال استدراج موقف الوعي واللاوعي للتبليغ عن ان انسان اليوم كائن مجرد الا من ( صرير، وقرقعة التحذير) يلاحقه سؤال التحذير (لا تحدث صرير)، وصوت (سبات )، وهذه الثنائية المتضادة جوهر الصدام المنغلق على فعل (الداخل / الخارج)  كما تدل على ذلك الاتجاهات الاربعة بتضادها الثنائي لتكون جدل تبيلغ بين العقل/ اللاعقل بين السمو واللا سمو، وتعميق من دلالة اللاسمو الفكري في علامة (المكنسة/ الاحذية ) الا دليل على صراع المتضادات التي تشير الى ان مرجعيات فواعل الاضطراب المتدنية هي منْ تقود وتوجه مسارات الفكر لإشباع رغباتها المضطربة بهوس الامتلاك، ليمتليء فضاء العرض بالأحذية بشكل يتوازى ويتماهى مع دلالة المكنسة (الحذاء) فتتصدر عليه وتكون في المقدمة، لتقول ان الفكر الآن في ادنى مستوياته. وتتوالى تجليات التبليغ والتحذير من فوضى الواقع زمن ومكانا، لتكون الحركة واللا حركة واللا توازن ليكون كل هذا الاضطراب  فعل نداء لايقاظ الذات من الداخل ومواجهة ضجيج تساؤلاتها، والبحث عن كينونتها المجردة من كل شيء، فالعرض يقرأ جماليا صراع الداخل والخارج، لذا العرض يقدم قراءة فكرية واعية للذات الانسانية وقد تجردت من حضورها بسبب الخوف والاستلاب الذي انتجته تكنولوجيا العصر سياسيا واجتماعيا ودينيا، لتكون احد عوامل اختراق الذات واسباب تجريدها التي تخضع كل قرقعة الداخل وصرير الروح الى المحتدم الذي لابد وكما يقول المنطق ان يحدث اثرا على خارج الذات، الا ان الخارج المنضبط بحركة سينتمترية  محسوبة بدقة وبحركة سريعة متناقضة ينغلق على اللا تغيير، لان كاتب ومخرج العرض قد قرأ صرير ثنائية الذات العبثي من خلال منطق اللاوعي الذي يحكمه الوعي المحدد باتجاهات اربعة كما اشارت اليه سينوغرافيا العرض، اذ قام صانع العرض بتقسيم المسرح على ضوء خطوط الطول والعرض المتماهية مع فلسفة الاخلاط الاربعة، في الاعلان عما يدور من صراع استفهامي  للتبليغ عن علاقة الداخل وخارج الكائن الذات، الذي اسست له دلالة الملفوظ الذي يحمل اكثر من مدلول في مرجعايته اللغوية، وسياقها التداولي فانه دلالة لمفهوم النداء المستعار من ثقافة  لغوية اخرى عبر ملفوظ النداء الذي يعلن عن مكنون النداء الغربي الذي يجمع ما بين التحية والنداء عندما يمتزج بثقافة العرض. ملفوظ العنونة يشير الى التناص اللفظي مع مسرحية  (هلو يا من هناك ) للكاتب وليم ساوريان ،غير ان فعل النداء في  عرض (هلو – سات) تجاوز كل هذه المرجعيات، لانه لا يذهب في تفسيره الى دوال اللغة، ولا الى منطق المرض النفسي، بل الى دلالة اثر الاضطراب، كما تدل العلامة البصرية لاسهم الاتجاهات الاربعة، لتكون هلو – سات علامة  لفظية وفكرية لفعل تشظي الذات بين اربعة اتجاهات تقابلها اعمدة حديدية، اذا كل اتجاهات الذات محكومة بصرامة الخارج  الذي يجعل منها اداة لسحق ذاته بذاته عبر دلالة ( الهاون) اذا مع كل حوار ( لا تحدث صريرا ) هناك حالة من حالات السحق التي يتعرض لها انسان اليوم ، لذا تنشطر الذات الى  اربع شخصيات وتندمج في  صورة (الكائن ) التي تلازمها  وتتكرر حتى اصبحت العلامة الرئيسة للعرض (ايها الكائن )، التي تكشف عن فكرة تلاطم الاحتدام الداخلي وفوضى الخارج التي تعلن عنها العلامة الصوتية المضطربة لصوت الباخرة والقطار وقرقعات واصوات اخرى، ومؤثر الضربات التي تعلن عن اشواط الفوضى. لذلك تمظهر الفعل البصري لعرض (هلو- سات) بكل تمفصلاته الجمالية المغايرة لكل توقعات التلقي لمصطلح اللا توقع الحركي ،رسالة تبليغ لتوتر العلاقة ما بين الانسان والانسان، وما بين الانسان والمكان والزمان، وما بين الانسان وجوهر ذاته، فبقى الخارج الجامد هو من يحدد ويرسم ويمحو جوهر الداخل المتوهج. وهذا المحو انتج  ذات غير متوازنة مما يعني وجود غير متوازن. وهي رسالة تبليغ وتحذير تستنفر  كل حواس الفكر لتغير مسارات هذا التبليغ القهرية.

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *