فن السينوغرافيا – سعاد خليل #ليبيا

Choreography Christian Spuck
Choreography Christian Spuck

 

 

بدايات السينوغرافيا:

 ولدت السينوغرافيا من فن الزخرفة المسرحية، ثم تطورت في معارضتها للزخرفة، لتصل إلى فن الديكور. إن كلمة سينوغرافيا كلمة قديمة حيث نجدها لدى الإغريق والرومان، كما استخدمها معماريو عصر النهضة. ولقد حدث تغير بين المعنى الاتيمولوجي – حيث اشتقت كلمة سينوغرافيا من skenegraphein – والمفهوم الخاص لهذه الكلمة في عصر النهضة، فكلمة skenegraphia  اليونانية تعني زخرفة، أي تجميل واجهة المسرح  skeneبالواح مرسومة حيث كان المسرح خيمة او كوخا من الخشب ثم مبني يحيط بساحة التمثيل في المسرح الإغريقي.

كانت هذه الزخارف التي ظهرت في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد في تراجيديا سوفوكليس، تمثل مناظر معمارية أو طبيعية لتوضيح موقع الحدث:

ويختلف مفهوم السينوغرافيا لدي المعماريين الإيطاليين في عصر النهضة، مثل بلدسار بيروتسي Baldassare Peruzzi  وسباستينو سيرليو  sabastiano serlio  اللذين يتبعان المهندس المعماري الروماني  فيرتوف vertuve  الذي أعيد طبع مقالاته المعمارية في القرن السادس عشر. فالسينوغرافيا بالنسبة لهما وسيلة من ثلاث وسائل للرسم يلجأ إليها المعماري لتقديم تصور عن المبنى قبل البدء في البناء: التخطيط الأفقي والتخطيط الراسي، والسنوغرافيا وهو تصور لوجه من وجوه المبني والواجهات المتحركة التي تسمح بالحصول على تصور كامل عن مظهر المبني النهائي عن طريق الحيل البصرية. لقد ربط الإيطاليون بين السينوغرافيا والمنظور حيث لم يكن للكلمة الأولي معني أو استخدام مسرحي، غير ان المنظور أصبح المنهج العملي لتنفيذ المسارح المستخدمة والزخارف المختلفة.

كان للمنظور أثره في تحريك خيال المتفرج واكتسب مصطلح سينوغرافيا مغزى مسرحيا حيث يشير تحديدا إلي فن المنظور المرسوم معماريا كان أو طبيعيا.. وأعيد استخدام مصطلح ديكورا او زخرفة – التي تعني باللاتينية وفقا لفيرتوفvirtuve  ornatus- في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وفي القرن التاسع عشر أصبح هناك فرق بين كلمتي ديكور وزخرفة: فكلمة ديكور كلمة تقنية خاصة بفني الأجهزة في المسرح، وتشير الي مجموع العناصر المادية التي تحمل الزخارف المرسومة مثل الشاسيه والتوال. أما كلمة زخرفة فهي كلمة فنية تشير إلى المكان الذي يدور فيه الحدث ومجموع الادوات التي تستخدم في تقديم العرض من لوحات وأثاث وإكسسوار. يلعب كل من الديكور أو الزخرفة دوره عند رفع الستار حيث يجب ان يكون له تأثيره المباشر ومع بداية الحوار تصبح للمثلين الاولوية ويصبح للأداء الأهمية الأولي بينما يتراجع الديكور ليصبح مجرد خلفية للنص.

بالإضافة إلى هذه الاعتبارات التاريخية هناك اعتبارات أخرى جمالية خاصة بالأسلوب الزخرفي – الكلاسيكي، الباروك، الرومانسي، الطبيعي، الواقعي، الحقيقي، الرمزي، ال×.. وخاصة بأدوات الديكور التقنية فعلي مدي زمن طويل ظل التوال والشاسيه وهو نسيج شفاف من قطن أو حرير الخامة الأساسية التي تعتمد عليها الزخرفة. وكانت مهمة المنظور _ السينوغرافي – الملائم بدقة لخشبة المسرح، هي محاكاة الحجم والفراغ كانت الاضاءة مرسومة ولم يكن دورها بتعدي الإنارة. كما كان تثبيت الديكور خاضعا للمنظور المستخدم علي خشبة المسرح، وخضعت بنية المسرح نفسها بما في ذلك الخشبة والقاعة لهذا الهيكل المكاني.

وبعيدا عن المتغيرات الأسلوبية المرتبطة بذوق العصر وجماليات النصوص الدرامية وتطور العلم المنظوري – المعرفة السينوغرافية (منظور أمامي في القرن السابع عشر، منظور منحرف في القرن الثامن عشر ومنظور بانو رامي في القرن التاسع عشر) – فقد ظل هدف الديكور ودوره هو تمثيل مكان الحدث. إن كلمة ديكور توحي بفكر الزخرفة الظاهرية أو خداع البصر او الابهام. ومغزى صفة، زخرفي، مغزى واضح: فالديكور لو يقوم بالتمثيل فهو سلب أو شاهد محايد والأساسي انما يكمن في نص المؤلف وفي أداء الممثل.

اما السينوغرافيا في القرن العشرين كانت

في أوروبا وفي فرنسا، يستخدم مصطلح سينوغرافيا بمعناه المعاصر بصورة نشطة منذ منتصف القرن العشرين.

وباستعادة هذه الكلمة القديمة ذات الرنين الخاص كان من المفترض تحديد مفاهيم جديدة لتنظيم الفضاء المسرحي وهي المفاهيم المستخدمة منذ نهاية القرن التاسع تشر وبداية القرن العشرين بتأثير من كبار المجدين امثال ادولف ابيا  Adolph Appia(1862-1928) وادوارد جوردون كريج Edward Gordom Craig (1872-1966) أن ما يميز هذه المفاهيم الجديدة هو التناقض الجذري بينها وبين دور الديكور السلبي ووظيفته التمثيلية والوصفية البحتة. ويندرج هذا الاتجاه في إطار الرغبة الكاملة في الحصول علي مفهوم مسرحي موحد تلعب فيه كل عناصر العرض دورا فعالا – وليس فقط النص والممثل – وأصبح إعداد الفضاء المسرحي وإعطاءه مسحة تشكيلية عنصرا محركا للعرض المسرحي ومن سنة 1892 ألح فيكتور هوجو Victor Hugo  في مقدمته لمسرحية كرومويل Cromwell  علي ضرورة التوفيق بين الدراما والمكان الذي تدور فيه الأحداث صاغ  مصطلح الموقع المحدد.

وترتبط عملية إعادة النظر في علاقة الزخرفة بالعمارة وإعداد مكان العرض وتصور خشبة المسرح وعلاقتها بالمتفرج وتجهيزها الفني.. وقد تطورت الإضاءة والصوت تطورا هائلا مؤكدين بذلك الاصلاح المعماري الفني الذي يهدف الي تحويل الخشبة إلى مكان سهر الاستخدام، مرن ومعبر.. وهكذا نتج في السبعينيات صراع بين السينوغرافي ومصمم الديكور من ناحية وبين السينوغرافيا والديكور من ناحية أخري.

ويظهر هذا التعارض جليا في استخدام خشبة المسرح والتعامل مع المكان، وبظهور المكان الذي يمكن ان نطلق عليه صفة الشاعرية حلت الوظيفة الدرامية الموحية المعبرة فعالة محل الوظيفة الزخرفية الوصفية السلبية وتمثيل الموقع التاريخي أو الجغرافي المعماري أو الطبيعي، داخليا كان أو خارجيا.

لقد أصبح المكان ترجمة بالكل والحجم والمساحة والضوء لعالم النص بدلا من ان يكون مجرد نقل حرفي للإرشادات المسرحية، وفي كثير من الأحيان يتبع الإيحاء او التحريض الواقعي، وفي تعريفها الجديد تفرز السينوغرافيا استعارات مسرحية أو بشكل أكثر فاعلية أجهزة للهو وتهدم أشكال الخشبة التقليدية لتستثمر أماكن جديدة مستعيدة بذلك فضاءات كثيرة بهدف مسرحتها.

يجب أن تظل هذه الخلافات الاصطلاحية نسبية دون أن تقلل من شأن الخلافات الجمالية فهناك تقارب شديد بين معنى مصطلح السينوغرافيا الكلاسيكي ومعناه المعاصر لا يجب أن يكون الديكور موضع صراع عقيم ففي كلتا الحالتين وبشكل خاص، بكل عصر من المفترض ان يتم تنظيم المكان المسرحي أو استخدام المكان الموجود – بما في ذلك الخشبة والقاعة – وتقديم وجهة نظر على الخشبة تميز وتتناول الخشبة بتكوين المكان الملائم للعرض المسرحي كما أن بعض التناقضات الظاهرية ليست في حقيقتها تناقضات، حيث يجب القضاء على كثير من الخلافات.. فإذا استطعنا أن نميز بين الزخرفة والسينوغرافيا وأن نقابل بينهما فهناك على العكس علاقة وطيدة بين الديكور والسينوغرافيا إذ لا يلغي أحدهما الأخر. فعلى سبيل المثال، يصمم ريشار بدوتسي Richard Peduzzi أحد أعظم السينوغرافيين الفرنسيين المعاصرين ديكور المسرحيات مؤكداً أن السينوغرافيا فن قائم بذاته، وهكذا نعود الى النقاش نفسه الذي أثرناه في بداية كلامنا. فالواقع أن الممارسة الشخصية هي التي تحسم القضية وفقا لمفهوم كل فرد عن الفن.

وفي السنوات العشرة الأخيرة تقدمت عملية التعليم في مجال السينوغرافيا في فرنسا وذلك في إطار المهن الفنية والتقنية الأخرى المرتبطة بالعرض المسرحي كما أن الاضاءة والصوت يتمتعان بتقدم تعليمي كبير حتى وإن ظل كل منهما اشكاليا في حد ذاته.

في سنة 1983 في فرنسا كانت توجد ثلاث مؤسسات خاصة بتعليم المهن التقنية للعرض وللسينوغرافيا خاصة. أما الآن فقد ازداد العدد وتعددت فروعه ومدارسه وقد كانت كل هذه المحاولات التعليمية ذات طابع فرنسي خالص مما جعلها صعبة حتى على الأوربيين وهي تعتمد على منح الدرجات العلمية والدبلومات العليا. وهذه المؤسسات المتخصصة في هذا العلم السينوغرافي مقسمة إلى 4 أقسام، معاهد مسرحية – معاهد فنية – معاهد عمارة – وجامعات:

أولا: المعهد القومي العالي للفنون وتقنيات المسرحENSATT  أنشئ هذا المعهد سنة 1941 ومعهد الـESAD  وهو معهد عالي للفن المسرحي وخاص بمسرح ستراسبورغ القومي ..وقد أسس سنة  1954 ويتبع وزارة الثقافة الفرنسية ومن اشهر المعاهد معهد  ENSAD وهو المعهد القومي لفنون العرائس، ومن اشهر  المعاهد معهد ENSAD  وهو المعهد القومي لفنون الزخرفة  والذي يضم 4 أقسام، الاتصال الخطي والإنتاج والفن والفضاء وقسم الفضاء يدرس به العمارة والسينوغرافيا وهناك قسم علوم المسرح وبه يدرس المسرح والسينما والعمارة، ومعهد باريس يخرج مصممين متخصصين في السينوغرافيا.

في جامعة باريس بقسم المسرح هناك أعداد أكثر تخصصا عن طريق تدريس الجوانب النظرية والتطبيقية للسينوغرافيا وذلك عل مدى ثلاث دورات.

*المصدر من دراسة الاستاذ الفرنسي مارسيل فريدفون MARCEL FREYDEFONT

 

سعاد خليل-ليبيا

samaward.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش