(عين)«نحيفة» تستحضر أزمات النساء مع أجسادهن غير المنحوتة بمواصفات عالية… ليليان نمري تستقل في مونودراما تعجّ بالرسائل وتقول: تبدأ النحافة من الفكر – لبنان

استغرق حلم الممثلة ليليان نمري عمراً حتى صار حقيقة. وهكذا وقفت على المسرح وحيدة، ممثلة، كاتبة، مخرجة ومنتجة. فقط تلقت دعماً محدوداً من وزارة الثقافة. بعد سنتين من الإعداد والاستعداد دقت ساعة الصفر في يوم الثامن من آذار/مارس وكانت مسرحية «نحيفة» التي شكلت تحية للمرأة على مستويات عدة. النص نقل إلى الجمهور العريض هواجس النساء والعقبات المهنية والاجتماعية التي تعترضهن في الحياة. وبعضها له صفة الإشكالية العامة وليس مقتصراً على من ليس لها صفة النحافة. في خلال ساعة من الزمن صاغت نمري كلّ ما يمكن تصنيفه همّاً نسائياً في قالب درامي كوميدي وسياسي كذلك. كما وأطلقت جملة من الرسائل من خلال الشخصية، ما يحبطها وما يخنق قدراتها. مونودراما لها قالب اخباري للشخصية الوهمية «أولغا» التي قصدتها لتخيط لها ثوباً جميلاً ترتديه في حفل زفاف عيسى ابن الجيران.
بعد عرضها على خشبة «مترو المدينة» كان مع ليليان نمري الممثلة القديرة والمميزة بأنها غير «نحيفة» وبقدراتها المطلقة على التلاعب بصوتها هذا الحوار:
○ هل حققت حلماً قديماً بعرض «نحيفة»؟
• أكيد حلم عمره ثلاثون عاماً أن أكون وحيدة على المسرح ومستقلة كلياً عن أي مساعدة أخرى. وليست «نحيفة» بحد ذاتها كعرض هي الحلم.
○ بعد الخطوة الأولى سيتواصل حضورك على المسرح؟
• هذا ما آمله، وليس بالضرورة أن أكون على المسرح مجدداً في مونودراما. سأكون مع آخرين، لكني أفضل أن أكون رب عملي كتابة، وإخراجاً وإنتاجاً. رغبتي الاستقلال في مسرحيات صغيرة، هادفة وتحمل رسائل للمجتمع.
○ هل كنت بحاجة لكل هذا البوح على المسرح؟
• كثيراً جداً. صوتي كان صوت الكثير من النساء غير القادرات على رفع صوتهن. وكذلك تحدثت بصوت رجال غير قادرين على التعبير في هذا المجتمع.
○ حبست مرارة إنسانية لزمن في داخلك كل هذا الزمن فكيف تمكنت من ذلك؟
• لم يكن البوح متاحاً. كلما عقدت النية لأكون على المسرح كانت انتكاسة أمنية تمنعني. ولا أنكر أني كنت جبانة وأخشى المجازفة. كنت أعتني بوالديَ خلال كبرهما ومرضهما. خفت الخسارة المادية لأجلهما، كوني من يعيلهما ويرعاهما بعد الله. عبء الطبابة كان كبيراً. حالياً لست أهتم بالخسارة المادية، أعيش كيفما كان، فقط أهتم بأن تصل الرسالة التي أرغبها للناس.
○ ماذا تقولين عن الرسائل التي تضمنتها مسرحية «نحيفة»؟
• كثيرة. أردت تحريض المرأة لتكون حيث يمكنها في المجتمع، بمعنى آخر عليها أن «تطحش» حتى وإن لم تمتلك مواصفات جمالية. وليس للمرأة أن تلوذ بالصمت عندما تتعرض للعنف من زوجها. من واجبات الرجل أن يحترم المرأة، وأن يعرف أنها نصفه الآخر. كما على الرجل تقدير تبعات الولادة لدى زوجته، ولا يصح أن يكرهها فقط لأنها كسبت وزناً وصارت تولي الاهتمام الأكبر للمولود الجديد. وغيرها من الرسائل. مشغل الخياطة الذي تدور في فنائه المسرحية هو لبنان.
○ هل قصدت تقديم العرض في يوم المرأة العالمي؟
• صدقاً كانت الصدفة، وهذا ناتج من عناية إلهية لي. لا أحسن الكذب ولن أقول نعم أردتها في هذا التوقيت. فرحي تضاعف لهذه الصدفة. عادة أشارك في اعتصامات أو تظاهرات تدعو إليها الجمعيات النسائية دعماً لحقوق النساء، ما يمنعني فقط هو التزامي بمواعيد مهنية. في الوقت عينه قناعتي أن الحياة مشتركة بين الرجل والمرأة وأحدهما يُكمل الآخر. ليس للرجل أن يستبعد المرأة، وليس للمرأة أن تنكر وجود رب للعائلة. أساند المرأة برفضها المهانة والتعنيف بأشكاله، وكذلك مع الرجل حين يُظلم. كثر مظلومون. يعملون على مدار اليوم ولا ترضى نساءهن. هو الحق ولا يجب نكرانه. لهذا لست مع الجمعيات النسائية «عالعمياني».
○ استحضرت كافة الفنون على المسرح من رقص، غناء، تمثيل وعرض أزياء. هل تشعرين الآن بالاكتفاء؟
• لا شك. قلت في أول المسرحية أن حبي للتمثيل نابع عن كوني غير قادرة أن أكون بعض شخصيات الحياة، لكني أرغب أن أجسدها على الشاشة أو على المسرح. الشخصيات التي جسدتها في «نحيفة» تحلم كل فتاة بتجسيدها في الواقع. وفي التمثيل أشبعت نرجسية الفنان الذي بداخلي عبر المواقف الدرامية. هي رسالة لكل من لم يقتنع بقدراتي بعد. قال لي المتفرجون بعد العرض بأنهم حبسوا الدمعة بمستوى الضحك نفسه الذي انتابهم. وهذا ما طمحت لأن يصل للمتلقين.
○ ماذا تشكل «مدام أولغا» في لاوعيك؟
• لكل متفرج أن يرى «أولغا» في الشخصية التي يرغبها. هي في رأيي تشبه الكثير من التماثيل التي تعيش في هذا البلد.
○ هل عانيت شخصياً من عدم النحافة أم تناولت الموضوع بهدف درامي؟
• لست أتناول نفسي فقط. بل أعرف نساء لا تغادرن منازلهن نتيجة الشكل. نساء لم تعملن ولم تتابعن الدراسة. لو أدت بدانتي لعقدة نفسية لما كنت ممثلة، ولما مارست السباحة أو خرجت للسهر. في عرضي هذا أحببت تقديم السيدات اللواتي يؤثر عليهن الشكل سلباً، بدانة، قصر قامة، ضعف مفرط. من يرى ذاته جميلاً من الداخل قادر على تنفيذ كل ما يرغب به. الفكرة التي أردتها أن تصل أن النحافة تبدأ من الفكر.
كان في المسرحية حشد من الأفكار يصلح كل منها لعرض مستقل؟
• سمعت كثيراً هذا التعليق. كان ضرورياً أن ترد كافة تلك الأفكار فـ»نحيفة» كفكرة تتحدث عن شقاء المرأة حيال المهن وكم يأسرها المجتمع بالشكل، تماماً كما وظيفة مضيفة الطيران. نعم تحدثت عن حيثيات الكثير من المهن.
هل رغبت يوماً بمهنة غير التمثيل؟
• تمنيت في صغري أن أكون طبيبة أطفال. وبدأت التمثيل في عمر الست سنوات. بعد ذلك درست السكرتاريا العامة والاختزال والطباعة، لكن غرامي بالتمثيل لم يساعدني لأكون في مهنة أخرى.
○ كان حضورك لطيفاً في أداء المونولوغ لماذا لا يتكرر؟
• لدي ست أغنيات مونولوغ منذ زمن بعيد وكان لها فعلها في زمنها. ولكوني لا أغني في المطاعم بل ركزت على التمثيل لم أصنع اسماً مميزاً في هذا المجال.
○ ولماذا قلدت هيفا؟
• قلدت كثيرات لكن حبي لهيفا كبير جداً.
○ خلال حضورك في التمثيل هل كانت الأدوار تأتيك بناء للشكل أم للقدرات؟
• أبداً وأبداً. بعد تمثيل أول دور لي في الطفولة غبت لأربع سنوات لألتزم بالمدرسة. وكان قرار العودة مع تحذير من والدتي يقول أن البيت هو مقرّي إن كنت سأنال الأدوار بناء على شكلي. وفي كافة الأدوار التي أديتها كان ممنوع على أي ممثل أن يتناول بدانتي بأي كلمة. الكوميديا من خلال شكلي كان مرفوض كلياً. فأنا ممثلة تمتلك الموهبة ولعبت حتى الآن خمسين كاريكاتيراً. وإن حدث وأراد ممثل مواجهتي بمحاولة «الهضمنة» كنت أوقف التصوير وأمنعه.
○ هل سعيت يوماً للنحافة؟
• شكل الأمر هاجساً على الصعيد الصحي ولم أفلح. منذ سنة خضعت لعملية المعدة، وهبط وزني حتى الآن 30 كيلو غراما. الهدف ليس النحافة المطلقة بل الحفاظ على صحتي لأتمكن من الوقوف على خشبة المسرح.
○ ما هو نتاجك على صعيد السينما؟
• مثلت في خمسة أفلام، وجميعها قبلتها بقناعة تامة وبأدوار قوية. وفي الدراما التلفزيونية قدمت كل ما اشعرني بالجودة المهنية، إنما دوري في مسلسل «غداً يوم آخر» للكاتب شكري أنيس فاخوري والمخرج إيلي فغالي هو غرام عمري. رغم مرور السنوات حتى اليوم هناك من يناديني «سلطانة». وهناك من يناديني «عفّو» الدور الذي لعبته في المعلمة والأستاذ.
○ هل أنت راضية على انتظام عملك؟
• أكيد لا. في أحيان أغيب لأربع سنوات وهذا يحزنني. عندما نتقدم في العمر يتراجع عدد الأدوار التي نحن جاهزون لها. دائماً أسأل لماذا أغيب كل هذا الوقت؟ لست نادمة خاصة وأني ما أزال من الممثلات النخبويات ويدرك المنتجون بأني ألعب ما هو مختار.
○ لدى غياب التصوير كيف يمضي الوقت؟
• أكتب، أخيط، أرسم. وأتواصل بفعالية مع المعجبين منذ عشر سنوات. هو تواصل إنساني اجتماعي أكثر من كونه فنيا.

زهرة مرعي

http://www.alquds.co.uk/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *