شخصية الأم في المسرح المـحلي ما بين العمق والتسطيح

نيفين ابولافي – القبس  – مجلة الفنون المسرحية 

 

لا يمكن اعتبار شخصية الام في المسرح المحلي شخصية عابرة يمكن تجاهلها، كعنصر مؤثر في الجمهور، لكن ما يقدم حاليا من اعمال لم يعد كما كان يقدم في بدايات المسرح، لا من حيث المضمون ولا جدية الشخصيات في معالجة القضايا المطروحة، لذا اخترنا شخصية الام في المسرح المحلي لنسلط عليها الضوء ما بين الجد والهزل في تعاطي المسرح مع هذا الدور الذي من المفترض ان يكون ايقونة للجمهور.

د. نورة العتال استاذة النقد المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية، تحدثت قائلة:

المسرح الكويتي لم يعد المسرح الذي نعرفه سابقاً بسبب هبوط مستوى بعض العروض المقدمة للجمهور، بعد ان كان للمسرح مكانة رفيعة لدى المجتمع في فترة الخمسينات والستينات وحتى الثمانينات من القرن العشرين، ثم تراجع هذا المستوى في التسعينات، حيث شهدت هذه الفترة عزوفاً من رب الاسرة لحضور المسرح مع أسرته، بسبب سقوط العروض المسرحية في تلك الفترة للضحالة والإسفاف اللفظي والحوارات المبتذلة، بالاضافة الى تعمد بعض الممثلين الكوميديين الخروج عن النص، بل والتندر على الجمهور او على باقي الشخصيات، وضياع حكاية العمل وايقاعه، وبهذا خرج المسرح من دوره الاصلاحي والاكتفاء بالدور الترفيهي والتجاري المربح للمنتج بالمقام الاول، وايضا في اضاعة الوقت وتطويل مدة العرض على حساب القيمة الفنية، بعد ان كان المسرح معلماً من معالم البلد ومفخرة للوطن كحركة ثقافية مهمة، تقدم الكويت في المحافل العربية المختلفة، ونجوما في غالبهم يحترمون خشبة المسرح وجمهورهم العريض. وظهر المسرح التجاري بكادره وتوجهه المختلف جملة وتفصيلا عن مخضرمي ورواد المسرح آنذاك.

 هز صورة المرأة 

اضافت: تحول المسرح الهادف الذي يقدم عروضا سياسية تارة او مسرحيات ذات طرح اجتماعي يبرز قضايا المجتمع بشكل جاد لايخلو من المتعة والجودة، الى مسرحيات «فودفيل» هابطة غالباً تعنى بالتهريج وكوميديا الموقف او الشخصية الساخرة الهزلية وتراجع دور العمالقة، ومن ناحية اخرى نجد طاقات شبابية مميزة ظهرت في الآونة الاخيرة تحاول النهوض بالحركة المسرحية الكويتية، وهذا مؤشر يدعو للتفاؤل حقيقةً، تقدم المرأة بصورة جيدة بعد ان قدمت صورة ربات البيوت، مثلاً، التي تعتمد على نقد الظواهر الاجتماعية بمشاهد هزلية طويلة خالية من العمق، ومملوءة بالاسفاف كمسرحية «لولاكي» علي سبيل المثال والتي قدمت عام 1989، والتي فقد المتفرج فيها القدرة على الاسترسال في اصل الحكاية الاصلية، حتى خاب الظن ايضا في فترة لاحقة -التسعينات تحديداً- بالنجوم الكبار وانزلاقهم ايضاً في بعض الاعمال الرديئة ذات الموضوع الذي يهز صورة الابوين في الاسرة، حيث اظهر الأب بصورة المراهق العابث، والام المهملة لمنزلها وغيابها عن مسؤليتها تجاه الاسرة، وذلك في مسرحية «مراهق في الخمسين» التي قدمت عام 1996، وكان من المؤسف ان يسهم العديد من نجوم المسرح، ومن جميع الاجيال الفنية، في هبوط المسرح وهز صورة المرأة، وخاصة دور الام المهم الذي استنقص بالتالي من صورة المرأة في المجتمع، والتعرض لها بالاهانة والسخرية، واظهارها بصورة مضحكة على عكس صورتها الحقيقية الموجودة في الواقع، وانا احمّل الدولة والمؤسسات القائمة على الفن المسؤولية بتراجع الحركة المسرحية عموماً وصورة المرأة في تلك العروض المسرحية الموجهة للجمهور بمختلف اطيافه، وهي التي تمثل نصف المجتمع وعماد الاسرة والذي بدوره يؤثر سلباً في اخلاقيات الابناء، وذلك كي يضمن المنتج الفني رواج مسرحيته ومبيعات شباك التذاكر على حساب القيمة الفنية للعروض.

 مجتمع أمومي

من جانبها، تحدثت د. سكينة مراد استاذة النقد والادب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية، عن صورة المرأة الام في المسرح الكويتي قائلة:

اذا رجعنا الى العصور القديمة، وتحديدا الى المجتمعات البدائية، نجد ان المرأة تمتعت بمكانة كبيرة، حيث ادرك الانسان اهميتها ودورها الفاعل، وما تتحمل في امومتها، حيث كان الاطفال يُنسبون اليها مما جعل المجتمع يسمى باسمها «المجتمع الامومي» نسبة الى الام، بالاضافة الى وجود بعض التماثيل والرسوم الاثرية التي كانت تحمل اشارات الى موقع المرأة صاحبة العظمة والكبر، وهذا يدل على ان المرأة كانت منذ القدم سيدة المجتمع البشري، الا ان ذلك لم يدم طويلا في بعض المجتمعات بسبب التغيرات والتطورات التي طرأت على الانسان، فبدلت الاوضاع وتلاشى المجتمع الامومي وتحول الى المجتمع الذكوري، واستمر حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من ان الاسلام كرّم المرأة بشكل مميز فانها بقيت سجينة المجتمع الذكوري بفعل العادات.

 مناقشة واقع المرأة

واضافت: بما ان المسرح مرآة للمجتمع، فقد استطاع ان يعكس دور المرأة فيه، وبالعودة للمسرح الكويتي نجد انه اهتم بشأن المرأة، خصوصا وجودها على خشبة المسرح منذ بداياته، رغم تحفظ المجتمع وتمسكه ببعض العادات والتقاليد التي تقيد دور المرأة، فلم يلغ دورها بل ناقش واقعها، وان استعان في البداية بشخصية الرجل الذي كان يقوم باداء الادوار النسائية، وبعدها تمت الاستعانة بممثلات من الخارج، الى ان شهد المجتمع حالة من التطور الفكري والثقافي والفني، دخلت المرأة على اثره في الحراك المسرحي وبدأت تشارك في التمثيل.

وعن صورة الام في المسرح الكويتي قالت: لقد صور المسرح الكويتي واقع الحياة الكويتية ودور المرأة فيها، وعرض نماذج مختلفة بشكل عام وصورة الام بشكل خاص، واظهر اغلب جوانبها السلبية والايجابية، ولم يكن النقد موجها لذاتها بل كان لتصرفاتها وافعالها وسلوكها، واذا عرضنا بعض النماذج نجد في مسرحية «سكانه مرته» صور الكاتب دور الام المتسلطة التي تسير امور بيتها مظهرا الجوانب السلبية في ذلك، من حيث سوء المعاملة والتفرقة في تعاملها مع ابنائها مما ادى الى الانشقاق بينهم، والتأثير بشكل سلبي في ابنتها المدللة، ومن جانب اخر نجد نماذج من المسرحيات التي تصور ايجابيات المرأة مثل مسرحية «السدرة» حيث كانت شخصية الام هي المحورية، وقد اكد العنوان رمزية المرأة التي تمثل الحياة وهي الحاضنة لاسرتها.

انتماء للجذور

 واضافت: في مسرحية «شرايج ام عثمان» اظهر الكاتب نموذجا للام المحافظة والمتمسكة بعاداتها وتقاليدها وتراثها، كما هو متعارف عليه في المجتمع، وفي المقابل «الزوجة الثانية» التي كانت تحاول محاكاة النموذج الغربي في تربية ابنائها «وهي محاكاة سلبية»، حيث اراد الكاتب عبر شخصية المرأة الام ان يشير الى اهمية المحافظة على الانتماء للجذور في تربية الابناء مهما تطور الزمن.

واستطردت مراد قائلة: لم يكتف المسرح بتصوير دور الام داخل المنزل، بل انتقل الى مجالات عدة مثل مشاركتها في الجمعيات الخيرية، وجمعيات حقوق الانسان ودورها السياسي في الانتخابات، كما في مسرحية «انتخبوا ام علي، ممثل شعب، حامي الديار»، ومشاركتها في اهم الاحداث التي شهدها المجتمع الكويتي، كدورها في المقاومة الكويتية كما في مسرحية «سيف العرب» ومسرحية «طاح مخروش».

بدر محارب: شخصية مسطحة الهدف منها الإضحاك والتهريج فقط

الكاتب بدر محارب اكد تسطيح الشخصيات بشكل عام في المسرح المحلي مؤخرا، ومن بينها شخصية الام ان وجدت في اي عمل، قائلا: المسرح الجماهيري حاليا لا يهتم سوى بتلميع نجم الشباك، وبالتالي تكون كل الشخصيات الباقية تدور في فلك هذه الشخصية، حتى وان كانت شخصية الام، اما اذا اردنا الحديث تحديدا عن الام في المسرح المحلي فهي شخصية مسطحة كباقي الشخصيات في اي عمل يقدم على خشبة المسرح، الهدف منها الاضحاك فقط والتهريج، ولم تعد هناك شخصيات كأيقونة للمشاهد في مسرح الكبار بشكل عام.

واضاف: لم يعد هناك شخصية مؤثرة حقيقية في المسرح، وان كان فهي اعمال قليلة لكون المسرح الجماهيري لم يعد كما كان في السابق يبحث عن الحدث، والقضية التي تحاكي المجمتع بشكل جدي واتجهت الاعمال للضحك والترفيه اكثر.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *