سكوت، تصوير!”.. فودفيل ضاحك بوسائل العصر / أبو بكر العيادي

المصدر / العرب / نشر محمد سامي موقع الخشبة

مسرحية “سكوت، تصوير!” التي تعرض على مسرح “فونتان” بالعاصمة الفرنسية بباريس، هي مسرحية هزلية يستعيد فيها باتريك هودكور أمجاد الفودفيل مع لابيش وفيدو.

تقوم مسرحية “سكوت، تصوير!” للفرنسيين باتريك هودكور وجيرالد سيبلايراس والتي تعرض حاليا على مسرح “فونتان” الباريسي، على الوضعيات المثيرة للضحك أكثر ممّا تقوم على نسيج درامي يتصاعد حتى الذروة التي تليها لحظة الانفراج، وخلاصتها، وإن كانت المواقف من التنوع والتداخل والتقطع ما لا يمكن معها تبين خيط رابط، أن فريقا سينمائيا صعد على خشبة أحد المسارح، لتصوير لقطة زوج مخدوع يقتحم البلاتوه، ويعطل عملية التصوير، لأنه جاء لقتل عشيق زوجته.

ونكتشف خلال التصوير أن المنتج سيء السريرة، وأن المخرج تنهشه الغيرة، لأنه يعشق الممثلة الشابة، ويريد أن يميط اللثام عن خصمه كي يتخلص منه نهائيا، أما من عهد له الدور الثانوي، فقد كان مستعدا لارتكاب كل الأفعال الدنيئة ونصب كل الحيل الماكرة لتحقيق مبتغاه ووضع قدم ثابتة في مسيرته الفنية.

بينما يحرص مساعد المخرج على مراعاة كل الأطراف والتعامل معها بنفس القدر من الكياسة، لا سيما أنه يحلم بإخراج شريط أول تكون الممثلة الشابة بطلته، وهذا السيناريو لم يهمل حتى الجمهور، فهو أيضا طرف في هذا العمل الفني، بوصفه ممثلا صامتا أو صاحب دور تكميلي بسيط يؤديه بطلب من المخرج.

تنطلق الموسيقى والمتفرجون يدخلون القاعة، حيث ثلاثة عازفين في بدل عمل زرقاء يجهدون لخلق مناخ احتفالي، ثم يرفع الستار عن ديكور سينما، وبلاتوه يذرعه أشخاص جيئة وذهابا، لإعداد العدة للتصوير السينماتوغرافي، يلتفت إثره مساعد المخرج إلى الجمهور قائلا “نحن نقوم بتصوير فيلم في هذا المسرح، مشهد اليوم عن الزوج المخدوع الذي سيقطع التمثيل أمام الناس ليقتل عشيق زوجته الموجودة في القاعة.. نحتاج إلى ممثلين صامتين، أنتم الممثلون الصامتون”.

وخلال هذا التصوير الفريد، يجد المتفرج نفسه أمام شخصيات تتقاطع سبلها: المخرجُ الواقعُ في هوى الممثلة التي تؤدي دور البطولة، والحال أنها تتلاعب به وبغيره وتوجههم حيثما شاءت.

منتج متبجح بينما هو مثقل، بسبب القمار، بديون جعلته رهين زوجته الممثلة البطلة، وممثل دور ثانوي يزعم أن عيبه في إشعاعه المفرط، بينما يمر به الجميع دون أن يتنبهوا لوجوده.

وأخيرا مساعد المخرج الذي يحاول التأقلم مع الجميع، ومقابلة أمزجتهم برحابة صدر، وهو يمني النفس بأن يقبل المنتج السيناريو الذي كتبه خصيصا للممثلة النجمة، ويوافق على تمويله. أما باتريك هودكور فهو قائد أوركسترا هذا البلاتوه، يوجهه بدقة، ويطلب ممن يوجدون فيه مساعدة من يقع عليه الاختيار على الانخراط في الدور المنوط به، وأدائه على أحسن وجه.

وفي خضم كل ذلك، يتبدّى شيئا فشيئا مدى دناءة أولئك الفنانين المتهافتين والبرانويا التي تسكنهم، من خلال وضعيات هزلية مشحونة بظرَف ونوادر عديدة تمضي في نسق لاهث، فالحركة المحمومة هنا طريقة لجأ إليها هودكور لتجاوز غياب السردية، وخلو السيناريو من نسيج درامي، حتى تكون هي نفسها المحتوى، ورغم أن العمل يستغرق ما يقارب الساعتين، فإنه شدّ انتباه الجمهور حتى النهاية واستطاع أن ينتزع منه ضحكا يكاد لا ينقطع.

ومن العوامل التي ساهمت في إنجاح هذا العمل الذي يحصد النجاح حيثما عُرض، ذلك الثلاثي من العازفين، الأول على آلة البانجو، والثاني على القيثارة، والثالث امرأة تضبط الإيقاع بواسطة الكلاكيت، وكان يظهر عند تغيير الديكور، الذي يتم مباشرة أمام المتفرجين، ليضفي مناخا احتفاليا يكمل روح العمل التائق أساسا إلى الترويح.

وثاني تلك العوامل أن المسرحية، كما هو الشأن في مسرح جان أنوي، خالية من الأدوار الصغرى، إذ إن كل أعضاء فرقة التصوير، من البطلة إلى القيمة، مرورا بخبيرة الماكياج، والفتاة الطائشة التي تحاول، عن طريق الإغراء، الحصول على دور يبخل الجميع به عليها، كلهم لهم نفس الأهمية، كلهم من ذوي الشخصيات المتعنتة التي لا تعدم جبنا وخبثا ونذالة، دون أن تقر بنقائصها أو تخجل منها.

وأهم تلك العوامل أن هودكور استطاع أن يصوغ نصا غاية في الطرافة، لم يفقد روحه المرحة حين أخرجه بنفسه، بل زاده إشراقا، ولئن وفّق في مسعاه، فلأنه جمع حوله ممثلين يتقنون النبرة الخاصة التي تتطلبها المواقف الخارجة عن المنطق، تلك التي يستبعد حدوثها في الواقع، حيث ينبغي التحلي بصدق عميق في كل لحظة، أيا ما تكن الطوارئ.

ونحس أن كل واحد منهم يلهو بدوره، في نسق محموم، دون أن يفقد جديته، حتى في اللحظات التي ينفجر فيها ضحك يعم المسرح كله، ما قد يدفعه هو أيضا إلى الانخراط في الضحك رغما عنه.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *