سئلة مسرحية تبحث عن أجوبة لماذا يبدو الإنكار الشديد عند أتباع المسرح الحديث للنص/أبو الخسن سلام

* لكل عصر ثقافته الخاصة المعبرة عنه ، فمع تطور العصور تتطور الحاجات وتجتهد العقول في ابتكار ما يحقق لها حاجاتها . ففي العصور القديمة عوض العقل البشري نقص حاجاته بالتخيل والخيال الأسطوري ، فكانت ( افتح ياسمسم ) وكان خاتم سليمان (شبيك لبيك) وكانت البلورة المسحورة التي يرى فيها الناظر ما يحدث في قصر إمبراطور الصين مباشرة . ومع ظهور النظريات العلمية في العصر الحديث انجز العقل البشري الأوروبي تكنولوجيا تمكن الإنسان المعاصر من دخول من الأبواب بمجرد ظهوره أمام باب الأوتيل أو المول بدون أن ينادي اقتح ياسمسم
وتمكن بلمسة من إصبعه أن يرى على شاشسة التليفزيون ما يحدث في أي مكان من العالم مباشرة بدون لمس خاتم سليمان أو فتح القمقم ، فتمكنمن تحقيق ما يرغب بلمسة من أصبعه بدون حاجة لجني القمقم وشبيك لبيك .
وباختراع التليفزيون والموبايل وشبكة النت والفيسبوك أصبحا المعلومات والمعارف المصورة والمنقولة عبر الشاشات أسرخ وأيسر في الانتقال عبر الهواء نقلا فوريا لجميع سكان الأرض ، والصورة لغة عالمية . وكما تأثرت الحياة الثقافية بظهور تلك التكنولوجيا الحديثة تأثرت الفنون عامة والمسرح خاصة .
ومع انتشار الدعوة عالميا لثقافة العولمة التي لا تقر بهوية قومية ، وتدعو لثقافة العولمة الأمريكية ، تخفف المسرح في الغرب من النص المعتمد على لغة الحوار ، الذي يحتاج إلى ترجمة في لغة البلاد الأخرى . ولا ننسى الدعوة لفكرة موت المؤلف التي نادي بها نقادغربيون منهم ( رولان بارت) وتأثر بها مسرحيون غربيون منهم المخرج الإنجليزي إدوارد جوردون كريج الذي حول الممثل إلى ( سوبر ماريونيت) ووصف شكسبير وموليير – في كتابه في فن المسرح ترجمة دريني خشبة – بأنهما متطفلان على فن المسرح . وكذلك لجأ جروتفسكي إلى التعبير الجسدي بديلا عن لغة الحوار . ومن هنا تأثر كثير من المسرحيين العرب والمصريين بجروتوفسكي .
نخلص مما تقدم إلى أن الدعوة لانكار النص ليست وليدة الآن ولكنها ظهرت مع فكرة موت المؤلف التي أطلقها الناقد الفرنسي ( رولان بارت)

* لماذا يعتبر البعض أن اعتماد المسرح على العرض والصورة ولغة الجسد هو المعبر أو الجسر ، الذى يعبر عن حداثة الفكر الإنساني ، إذا كانت هناك ثمّة علاقة بيينهما.
** تقوم الحداثة على تعدد المعنى الواحد للنص أو للعرض ، بديلا عن حالة التوحد أو الإندماج – بالنسبة للجمهور في عرض مسرحي – أو تلقى نص أدبي أو مسرحي بالقراءة ، حيث يخرج كل متلق بالمعنى الذي قصده المؤلف . لم يعد هناك إندماج في ظل مستجدات التكنولوجيا المعاصرة التي تمكن الإنسان في أي مكان على الكرة الأرضية من الاتصال بأي شخص في أي مكان علىسطح الأرض .
ومع تعدد المعارف وتعددت أساليب التعبير مع تعدد المذاهب الفكرية والمذاهب الأدبية والفنية مرورا بالكلاسيكية والرومنتيكية والطبيعية والواقعية والتعبيرية والرمزية و والدادية والسيريالية والتكعيبية والمحمية والعبثية والتسجيلية ، مع خصوصية كل مذهب أو مدرسة مسرحية أو فنية بأسلوب يميزها عن غيرها ويحقق لها موضوعاتها وتصور قيمها والفكر السائد في عصرها . هكذا تغيرت وسائل التعبير في المسرح مع ظهور عصر الصورة ، فتداخلت أساليب المسرح مع أساليب الدراما التليفزيونية التي تعتمد على الصورة وتجعل لغة الحوار داعمة للصورة .
ولأن لكل عصر ثقافته وأفكاره السائدة ، كذلك كانت لعصرنا وسائل تعبيره عن تلك الثقافة وعن تلك الأفكار ـ فأصبحت الصورة ولغة الجسد في المسرح هي المعبرة عن الفكر الإنساني المعاصر في عصر العولمة.والخداثة وما بعدها.
* هل يرسم تاريخ النص خرسطة الإبداع الإنساني ؟
** لآن النص الأدبي أو المسرحي تعبير عن فكر وتعبير عن مجتمع أوتعبير عن الإنسان وعن صراعه من أجل حياة أفضل ، يتغير بتغير المذهب أو المدرسة الأدبية أو المسرحية ، وبتغير المجتمع وبتغير العصر ، حيثيتطورالتعبير الفني والمسرحيبتطور المجتمعات وتنوع الثقافات والأفكار من عصر الأساطير ، إلى عصر الخرافات ـ إلى عصر النهضة فالعصر الحديث عصر الآلة ةعصر الأيديولوجيات والقلسفات ، وعصر النظريات العلمية الكبري ، وفي مراحل تطور النص والعرض المسرحي يكشف المسرح في النص وفي العرض عن قيم ذلك المجتمع وعن ثيم العصر وتأثيرات الفلسفة عليه وتأثيرات الابتكارات العلمية في الفكر وفي الإنجازات التكنولوجية الحديثة ، ومثال ذلك :
– ارتبطت نظرية المحاكاة في الفنون والمسرح في العصر القديم بهدف التطهير ، وظلتسائدة مع تغير المذاهبوالمدارس المسرحية والفنية ، إلىأن ساد الفكرالايديولوجي في الفلسفة فظهرت نظرية التغريب المسرحي متأثرة بفلسفةالاغتراب عند الفيلسوف هيجل . وكذلك عبر المسرح عن دور اللاوعي وانعكاساته على النفس البشرية فظهر ذلك التأثر بنظريةفرويدفي المسرح التعبيري وظهر أثر نظرية النشوء والتطور للعالم دارون في المذهب الطبيعي وفي المسرح الطبيعي في مسرح الفرنسي إميل زولا وفي منهج الإخراج الطبيعي عند الفرنسي أندرية أنطوان اعتمادا على عنصري ( عوامل الوراثة و عناصر البيئة ) وظهرت أفكار الفلسفة الماركسية في المسرح الملحمي والثنائية الجدلية لما يعرف بالرائع والمشوه، وإعادة تصوير محتمل للحادثة التاريخية وتغريبها ليحكم عليها العصر من جديد حكما جديداعصربا. وهكذا نرى أن تاريخ النص يرسم خريطة تنوع الإبداع الإنساني بتنوع الفكر في ثقافة كل عصر .
* هل يعد النص إداة إعاقة لعملية الإبداع المسرحي ؟
** لا بالطبع . وإلا مارأينا نصوصا المسرح اليونانيللكبار ( إسيخلوس ، سوفوكليس ، يوربيديس ، أرستوفانيس) مازالت مقرةءة ومعروضة على كل مسارح العالم في مختلف لغاتها عبر العصور ، حتى عصرنا القرن 21 . وكذلك نصوص عصر النهضة مارلو وبن جونسون وشكسبير ، ونصوص القرن 17 راسين وكورني وموليير ، ونصوص هنريك إبسن الواقعية ونصوص جورج برنارد شو الواقعية الفكرية ونصوص تشيخوف الواقعية الرومنسية ونصوص جوركي الواقعية الإشتراكية ، ومازالت نصوص سترنبرج ونصوص جوته ونصوص مسرح الملحمي ومسرح العبث تقرأ وتطبع وتدرس وتمثل وتعرض على المسرح .
ولكن الرؤى تختلف في الإخراج تبعا لمناخج الإخراج فالكلاسيكية والطبيعية والواقعية والملحمية والعبثية تعتبر النص هو أساس العرض . لكن مناخج الإخراج منها المترج الذي يساعيد خطاب النص فلا يغير فيه شيئا ومنها التفسيري الذي بضع رؤية المهرج الموازية لخطاب المؤلف ، ومنها التأويلية التي تفكك النص ، فتفكك مضامينه وتفكك نسق بنائه الدرامي ، فتستبدل الصورة محل مواقفدرامية أو مقاطع خوارية ،ومنهاالإخراج السينوجرافي الذي يعتمد على الصورة ولغة الجسد والتعبير الحركي مزاحمة للغة الحوار أو نافية لها لتحل الصورة ولغة الجسد كليا محل الحوار . كما في عروض فرقة الرقص المسرحي عند وليد عوني الذي تأثر بالمخرجين البولنديين ( كانتور وباربا ومونجييك ، وتأثر بمنوشكين ) وهم في الأصل مصممون سينوغرافيين تحولوا إلى الإخراج المسرحي .
والخلاصة أن النص المسرحي لم يكن أبدا عائقا للإبداعالمسرحي عند من تأسست ثقافته وتحصيله المسرحي تأسيسا حقيقيا ، حتى في أفضل حالات التوهج الخيالي عند المخرج المسرحي المعاصر . النص باق بقاء الزمن مهما تغيرت صور تداوله بين المخرجيين سيظل النص هو الأساس الباقي على شكل كتاب مطبوع .

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *