مشروع المونودراما التعاقبية

 

 

 

 

كان ثيسبيس يركب عربة يجرها حصان واحد يتجول في الشوارع ليعلن عن عرضه المسرحي –الملامح الأولى لمسرح الشارع- وبعد إيقاف عربته ليستقر في ساحة ما يتراكض الناس صوبها ومن ثم يتحلقون حولها، يترجل منها ثيسبيس ليبدأ بسرد رواية العرض مؤدياً – كراوٍ- لأحداثها الشيقة، وممثلا لشخصياتها المختلفة، وبذلك يمكن القول أن ولادة المسرح بدأت بالمونودراما مع هذا الممثل الإغريقي الرائع وذلك نحو عام 534 قبل الميلاد..

وأنا أتوقف مسكوناً بالمسرح عند هذا الخلّاق الإغريقي ثيسبيس الذي أعتبره مؤسس العرض المونودرامي لا أتوخى سرد تاريخ المونودراما الطويل ولا قراءة محطاته الإبداعية التي مرّ بها وأبدع خلالها عدد من المسرحيين الكتاب والممثلين والمخرجين ما تيسر لهم من الابداع المونودرامي الفريد، ولكن أود التأكيد على أن نمط المونودراما كعرض مسرحي وإن تغيّر في تنوّع طروحاته الجمالية والكتابية لكن شكل تقديمه عبر ممثل واحد يروي الأحداث، ويتقمص الشخصيات المختلفة، بقي هذا التقديم حالة شاخصة دون تغيير، الأمر الذي جعلني وبعد تجربتي المتواضعة مع المونودراما أن أطرح تساؤلات حول هذه (الحالة الشاخصة وغير المتغيرة) وما اذا يمكن تغييرها في العرض المونودرامي …وبعد قراءتي لعدد من النصوص المونودرامية، خاصة تلك التي تتحدث الشخصية فيها عن أزمتها المشتركة مع الشخصية الافتراضية وجدت أن المنطق السليم يستدعي التعرف على وجهة نظر الشخصية الأولى والثانية فيصار الى تقديمهما عن طريق ممثل واحد أو ممثلين لمونودرامتين مختلفتين في السياق العام ومتصلتين بالموضوع الواحد تقديما متعاقبا بعدّة طرق بصرية متنوعة هي: 1- يروي لنا الممثل الأول حكاية العرض فإن فرغ من عرضها يبدأ الممثل الثاني بسرد نفس الحكاية ولكن من وجهة نظر مختلفة، وربما متعارضة عن الممثل الأول.
2- ممثل واحد يروي حكايته الشخصية، والحكاية تفرش أمامنا أحداثاً وشخصيات وما ان ينهي أو على وشك الانتهاء من روايته، يحدث عبر تغيير في بعض تفصيلات الخشبة: الانارة والأزياء والإكسسوار و.. و.. و.. يظهر الممثل نفسه بملامح مختلفة يشخص شخصية رئيسية ثانية من الحكاية ليرويها ولكن لبعض مفاصلها التي تبدو مختلفة وربما متعارضة عن حكاية الشخصية الاولى…
3- حكاية ما يرويها ممثل وما أن يصل نصفها نفاجأ بممثل أخر مختلف شكلاً واداءً في الجسم يكمل الحكاية والنفس وفي بعض سياقات البنية المضمونية والجمالية للحكاية.
هذا التغيير في بنية المونودراما يحتاج الى تطبيق عملي لدعم التجربة بنصوص تكتب خصيصا لهذا النوع المبتكر من المونودراما .ومن ثم تنفيذه بصرياً وهذا ما اقترحته على الصديق الكاتب صباح الأنباري وهو بدوره أطلق تسمية (المونودراما التعاقبية) على هذا المشروع الابتكاري وكتب نصه المسرحي (الجلاد والضحية) كمحاولة كتابية لإنجاز هذا المشروع ، هنا نرى النموذج “2” حيث يقوم الجلاد ببث شفرات نصه وتفاصيل أزمته مع الضحية بثا انفراديا مستقلا وقائما على موضوع واحد هو حلقة الوصل بين الجلاد والضحية وبعد انتهاء العرض يعقبه عرض الضحية من قبل الممثل عرضا مستقلا انفراديا هو الآخر فيتعرف بهذه الطريقة جمهور النظارة على وجهتي النظر المختلفتين لكل من الجلاد والضحية.
ولما كان هذا المشروع ابتكاريا وغير مسبوق عمليا لذا أتمنى عليكم منحي حق الامتياز مع خالص الشكر.
ملاحظة مهمة.. 
الطرق الثلاث في تقديم المونودراما التعاقبية تعتمد على سينوغرافيا العرض وفق اجتهادات المخرج والمؤلف والسينوغرافيست.

 

 

فاروق صبري

http://www.almadapaper.net/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *