رشيد قسنطيني كوميدي بالفطرة وارتجالي لا يتقيد بالنص!

2014-rachid_531419489

شغل مكانة خاصة في المسرح الجزائري، اشتهر بروحه المرحة والدعابة، ورسم الابتسامة على شفاه المعجبين والجالسين إلى أعماله من أول ظهور، استطاع في وقت وجيز أن يحتل الحيز الأكبر بين الجمهور في عالم الفن الرابع في الجزائر في تلك الفترة، لم يدرس التمثيل ولا الفكاهة ولكنهما كانا هبة له من عند خالقه، عرف بالطرافة والتسلية من دون تصنع ولا اجتهاد، قدم أعمالا مرتجلة أمام الجمهور من دون قراءة ولا مراجعة لسيناريو ولا لنص، فحق عليه اسم سيد الارتجال والفكاهي بالفطرة في المسرح الجزائري.

كانت رحلته إلى فرنسا بعد انقطاعه عن الدراسة في الطور الابتدائي، أول باب له لمعرفة العالم الخارجي التي دامت عدة سنوات، غير أنه حن إلى موطنه الأصلي ورجع إليه بعد المكوث  في ديار الغربة لبضع سنين، فكانت عودته هي قدره إلى ولوج عالم الفن والتمثيل، لأن عودته تزامنت مع لقائه بأحد أعمدة هذا الفن وهو “علالو” الذي أعجب كثيرا بطرافته وروحه المرحة، فدعاه إلى الانضمام معه إلى فرقة “الزاهية” آنذاك، فكان أول عمل له في هذه الفرقة بمثابة تثبيت قدميه والوقوف فوق خشبة المسرح الجزائري، وبداية التأسيس لأعمال خالدة من بعده، وشعاع تمسك به “بلخضر” قاده إلى العالم المضيء والأضواء الكاشفة على ركح المسرح في ذلك الزمان، وبقيت أعماله إلى حد الساعة تحظى بالمتابعة وبمثابة خيط رفيع يصلنا بالزمن الجميل. من فرقة “الزاهية” إلى “فرقة الجزائر” وهو تسلسل لنجاحات “القسنطيني”، الفرقة التي تأسست سنة 1927، استطاع من خلالها بدء التأليف في هذا العالم، فقد ألف العديد من المسرحيات التي تعالج الكثير من المواضيع في ذلك الزمان وتوحي بالعبقرية، وقوة الحضور، في الفن الرابع.

سطع نجمه وكان من الواجب عليه التحول إلى الواجهة، حيث انتقل من التأليف إلى ملامسة الأدوار الرئيسية والبطولة وهو ما كان له، عندما انضم إلى فرقة “محيي الدين بشطارزي” ، كما اجتهد كذلك في أعمال أخرى وقدم مقاطع عديدة لمسرحيات في دار “الأبرا” مقتبسة من نصوص أصلية بالفرنسية، وحتى من أفلام، استطاع بموجبها أن يضفي روح البشاشة والمرح في جزائر كانت تحت وطأة المستعمر الفرنسي، ولعل هذه الروح المرحة هي التي جعلت منه إنسانا محبوبا وفكاهيا متفردا في أعماله، فقد كان لا يرتبط أساسا بالنص بل يقدم أعماله مرتجلا.

خرج يوما من الباب الخلفي للمسرح وللحياة ككل، ودخل دار الفناء ليلاقي ربه في سنة 1944، بعد صراع مرير مع المرض، وحتى وإن كانت هذه حالته في أيامه الأخيرة، إلا أنه  لم يفقد روحه المرحة والمسلية، ولد بحي القصبة في الجزائر العاصمة سنة 1887، منها انطلق إلى عالم الأضواء في الفن الرابع، الذي ترك منه بعد وفاته العديد من المسرحيات، ومنها حتى لم يدون لأن أغلبها كانت أعمال ارتجالية حققت النجاح من دون رسمها على الأوراق ولم تحفظ في الأدراج ولم توثق في مجلدات المسرح في الجزائر، وهو ما ميزه عن غيره في هذا العالم، أما ما تركه منها مرسوما من خيرة أعماله ومؤلفاته، فجاءت غزيرة هي كذلك ونذكر منها: “يا حسراه عليك”، “الطماع”، “باب قدور”، “العهد الوفي”، “بونقاب”، ومن المقتبسات أيضا، والتي استطاع بروحه المرحة والقدرة على الحضور في أعماله، أن يوظفها في حياة الأفراد ويعزز بها واقع الأشخاص في تلك الفترة نذكر منها: “قريبة من فرسوفيا”،”قريبي من أسطنبول”، “ثقب في الأرض”.

حياة كانت للعطاء في فن المسرح الجزائري، استطاع من خلالها “قسنطيني” أن يوظف موهبته الإلهية في أعمال خالدة، بروح مرحة وخفة ظل، وعبقرية في التأليف كان يملكها، قدم للفن الرابع في الجزائر مشاهد ومقاطع حتى وإن كان أغلبها ارتجاليا إلا أنها كانت متنفسا للجمهور الجزائري في تلك الفترة، بل إلى يومنا هذا، وحققت ما لم تحققه سيناريوهات أخرى تكتب وتحفظ غير أنها بقيت نصوصا ميتة بين الصفحات.

 

صالح عزوز

http://magazine.echoroukonline.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *