التمظهرات السياسية في عروض المخرج كاظم النصار/بقلم حيدر عبد الله الشطري

 

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

( كل أولئك الذين يحاولون فصل المسرح عن السياسة يحاولون تضليلنا) هذا ما يقوله المخرج المسرحي العالمي اوغستو بوال, ومحاولة تعريفه للمسرح في واحد من اهم اغراضه التي يتناولها والتي يعبر عنها تعبيراً اميناً وصادقاً .
من هنا تتضح لنا علاقة المسرح بالسياسة وهي علاقة قديمة تمتد الى المحاولات الاولى لنشأته عندما اخذ على عاتقه تناول المواضيع التي تتخذ من الانسان محورا مهما من محاوره وتسليط الضوء على المعاناة التي يعانيها بسبب القهر السياسي والظلم الاجتماعي , وهو بذلك يعرضها كموضوعة احتجاجية بوجه السلطة ومحاولة الانتصار الى الانسان والتعبير عن اماله وتطلعاته ومحاولة تحريره من كل القيود التي تكبل يديه وتقيد حريته.
ولقد مرت هذه العلاقة بعدة مراحل وتطورات تتراوح ما بين الثبات والصلابة باتجاه الانسان وقضاياه والتراجع والتقهقر خضوعا للسلطة وقوتها واشتراطاتها التي تحكم العلاقة بين الاثنين , ولكن المسرح بقي اميناً لدوره التحريضي والتنويري حتى وان كان ذلك بأساليب متمردة تارة واخرى بمحاولة تمرير رسائله المشفرة التي تمر على سلطة الرقيب.
ولان المسرح منبرا مهما من منابر التوعية ووسيلة مؤثرة للتغير كان لزاماً ان يكون اداة ثورية تنتفض على الاوضاع وتقوم بتحفيز الوعي الانساني وتثويره وبالتالي الارتقاء به الى المصاف الذي يليق به ويستحقه وهنا تجلت وتبلورت الطروحات السياسية التي صارت تميز المسرح عن باقي الفنون في اداء دوره الرسالي الذي يصطدم مع كل الافكار التي تحاول تعطيل دوره وتحجيمه او ان تجعل منه متفرجاً دون ان يكون مؤثراً وفاعلاً.
ولعل ابرز هذه التجليات تظهر بعد التحولات الكبيرة في مسار الفكر الانساني في المجتمعات التي تخرج من حروب طاحنة تترك بظلالها الظلامية والتدميرية على حياة الشعوب.
وهنا تبرز الحاجة الى البحث في منظومات فكرية جديدة تستوعب متطلبات المرحلة الجديدة وتؤسس لمسار فكري وثقافي مستقر يشتغل وفق اليات مبتكرة تنسجم مع اهداف هذه التحولات وغاياتها.
وما حدث في العراق بعد عام 20033 وما رافقه من تبدلات سياسية واجتماعية وفكرية غيرت خارطة الثقافة العراقية نحو مسارات جديدة تشتغل وفق هذه التغييرات, ولأن المسرح واحد من اهم الوسائل التي تعبر عن هذه التحولات , كان لزاماً ان يجد له خطاباً مستقلاً يعبر عن المرحلة ويكون شاهداً عليها وان يكون فاعلاً في رسم خارطة طريق له .
فظهرت توجهات فكرية عديدة حاولت ان تجر المسرح باتجاهها من خلال منظمات سياسية ودينية وعبر مشاريع
ولان المسرح منبرا مهما من منابر التوعية ووسيلة مؤثرة للتغير كان لزاماً ان يكون اداة ثورية تنتفض على الاوضاع وتقوم بتحفيز الوعي الانساني وتثويره وبالتالي الارتقاء به الى المصاف الذي يليق به ويستحقه وهنا تجلت وتبلورت الطروحات السياسية التي صارت تميز المسرح عن باقي الفنون في اداء دوره الرسالي الذي يصطدم مع كل الافكار التي تحاول تعطيل دوره وتحجيمه او ان تجعل منه متفرجاً دون ان يكون مؤثراً وفاعلاً.
ولعل ابرز هذه التجليات تظهر بعد التحولات الكبيرة في مسار الفكر الانساني في المجتمعات التي تخرج من حروب طاحنة تترك بظلالها الظلامية والتدميرية على حياة الشعوب.
وهنا تبرز الحاجة الى البحث في منظومات فكرية جديدة تستوعب متطلبات المرحلة الجديدة وتؤسس لمسار فكري وثقافي مستقر يشتغل وفق اليات مبتكرة تنسجم مع اهداف هذه التحولات وغاياتها.
وما حدث في العراق بعد عام 20033 وما رافقه من تبدلات سياسية واجتماعية وفكرية غيرت خارطة الثقافة العراقية نحو مسارات جديدة تشتغل وفق هذه التغييرات, ولأن المسرح واحد من اهم الوسائل التي تعبر عن هذه التحولات , كان لزاماً ان يجد له خطاباً مستقلاً يعبر عن المرحلة ويكون شاهداً عليها وان يكون فاعلاً في رسم خارطة طريق له .
فظهرت توجهات فكرية عديدة حاولت ان تجر المسرح باتجاهها من خلال منظمات سياسية ودينية وعبر مشاريع
تعبر عن اهدافها وكانت تسعى حثيثاً لتحقيق هذا المشروع وتوظيف المسرح ليكون اداة لذلك, ولم تكن اكثر من تجارب انفعالية وتصورات لم تقرأ الواقع العراقي بجدية وبمستوى الحدث, في الوقت الذي كان فيه المسرح بحاجة الى دراسة عميقة وواعية وبحث تنظيري يعتمد كثيرا على دراسة المعطيات الجديدة وفهم علمي اكاديمي لوظيفة المسرح ودوره الكبير باعتباره فعلا فنياً وفكرياً متقدماً .
يقول المخرج العراقي كاظم النصار (أن الذي تطور فعلياً في المسرح بعد سنة 20033 هو النظر إلى المشكلات العراقية وتقديمها من دون خوف، وأن الذي طغى أسلوبياً اليوم يكمن في تجليات المسرح السياسي المباشر وغير المباشر وتراجع الهوس البصري ).
من هنا نستطيع ان نبدأ مع المخرج كاظم النصار في دراسة مشروعه المسرحي بعد سنة 2003 والذي تكرس للبحث في الموضوعة العراقية وفواجعها وتأثيراتها المباشرة على البنية الاجتماعية والكشف في ملفات مسكوت عنها سابقاً مثل الظلم والاستعباد والديكتاتورية.
والذي يسعى ان يكون خطاباً واعياً يعبر تعبيرا حيا عن آمال وتطلعات الجمهور, والذي يتشكل وفق تطور العملية المسرحية ومنظوماتها التعبيرية والجمالية والفكرية, وكذلك عندما ترتبط هذه العملية الابداعية بأواصر علائقية وثيقة مع كل المتغيرات في المنظومة السياسية والاجتماعية المتحركة باتجاهات جديدة وفي احايين كثيرة .
تحددت ملامح هذا الخطاب بعد تحقيق التوازن بين هذه المتغيرات وجاء ملائماً لاستيعاب واحتضان طروحات لا تذهب بعيدا عن الواقع واكتشاف فضاءات اوسع للتواصل مع المنجز الجمالي الجديد.
قدم المخرج كاظم النصار مسرحيات(كونشرتو, خارج التغطية, نساء في الحرب، مطر صيف، احلام كارتون, وعاشوا عيشة سعيدة, سينما ) , وقد مثلت هذه العروض اتجاهاً مسرحياً حاول ان يحدد له اسلوباً متميزاً من خلال تبني مشروع الكابريه السياسي وهو مسرح يشتغل على فكرة التحريض والاعتراض والثورة وتقديم كوميديا سوداء تهدف الى توعية المشاهد وبالتالي تدعوه الى التغيير , وقد اشتغل المخرج كاظم النصار وفق هذا الاسلوب بعد سنة 2010 عندما وجد ضالته فيه ويرى فيه منجماً غنياً وارضاً ثريةً يؤسس عليها متبنياته الفكرية والجمالية وكذلك ان هذا الاسلوب هو الطريقة الاقرب لتناول القضايا التي تناقش الانسان العراقي والعربي .
وعند مشاهدة هذه العروض التي قدمت بعد هذا التاريخ نجد انها عروضاً بحاجة الى اشتغالات اسلوبية ومضمونية كثيرة حتى تنتمي الى مشروع الكباريه السياسي الذي يعتمد على الارتجال في طرح موضوعاته وهو مسرح اقرب الى الفنون الشعبية التي عرفتها الاسواق والمقاهي والملاهي مثل (المونولوجست) وهو فن يعرض موضوعاته بأسلوب ساخر وكاريكاتوري بعد التركيز على العيوب والاخطاء وتضخيمها , وان تجارب المكتوب وليس الارتجال والتخطيط المسبق والمدروس لبنية العرض المسرحي وعمل واداء الممثل الذي يأتي ضمن اساليب ادائية تعبيرية معروفة, وان ما يصح اطلاقه على هذه التجارب التي تتمظهر فيها المواضيع السياسية بصورة واضحة وجلية يكون بحاجة الى بحوث ودراسات اكاديمية تنظيرية تحاول ان تحدد معالمها وتدرس ابعادها في كل المجالات.

ففي عرض (مطر صيف) حاول المخرج ان يستجمع افكار النص وان يسورها وبعد ذلك قام بالحرث فيها كثيرا من اجل انتاج معانٍ اخرى اعتمدت على اقتراح رؤى جديدة حرص المخرج ان تكون مغايرة للرؤى التي تأسس عليها النص .
ومن خلال المتشكل من عناصر العرض المسرحي نستطيع ان نتوصل لتلك الفرضيات الاخراجية التي عمل عليها المخرج والذي حاول سحب النص باتجاه اشتغل عليه بمهارة ووعي وقصد واضح وذلك عبر التركيز على المدلولات السياسية المضمرة في النص والتي تؤشر على زمن الخيبات والانكسارات
اما في مسرحية (احلام كارتون ) الاحلام والامنيات على اختلاف مستوياتها والعصية على التحقيق الهجرة والبحث عن عوالم جديدة…
يقدم النص شرائح مختلفة من المجتمع مثل الجندي والمطربة والمثقف والراديكال المتشدد يجتمعون في
طائرة ومن خلال هذه الشخصيات يصور العرض الصراعات العراقية اليومية حيث تشترك هذه الشخصيات بالهم اليومي وكذلك التطلعات التغييرية والتي غلفها العرض باطار ذو مرجعيات سياسية تؤرخ لسفر حافل بالخسارات نتيجة حروب وصراعات طاحنة.
وفي مسرحية ( سينما ) استطاع المخرج كاظم النصار في هذا العرض ان يزاوج ما بين اكثر من اسلوب مسرحي في نسق معرفي واحد وذلك من خلال اعتماده على موضوعة جديدة بطرح جديد بالنسبة للمواضيع التي تناولتها عروضه السابقة حيث تدور احداث هذا النص في مقبرة وان كل قبر منها يمثل شخصية من شخصيات الواقع المسحوقة والتي منها ينطلق لبث رسائله التي تنحى منحىً سياسياً بحتاً يصور مصير الانسان الحقيقي الذي يتعرض للقهر والانهزام نتيجة تبنيه مواقفاً تؤكد انتماءه للوطن الذي صار ساحة حرب لا تنتهي .
وهكذا نستطيع ان نلخص مميزات تجربة المخرج كاظم النصار والتي امتدت من عروض ما بعد سنة 2003 وحتى آخر عرض قدمه, حيث نجد انها تجربة غنية تنم عن وعي فكري وفني ينظر الى الحالة العراقية من نافذة واسعة استطاع ان يجسدها برؤية عميقة تستند الى نظرة متابعة وناقدة وبأساليب تبتعد عن التزويق والزخرف الجمالي والهوس البصري نوعا ما وتبتعد ايضا عن التشفير والترميز والتي لا تحتاجها هكذا عروض يكون الهدف منها تحريضياً توعوياً صادماً بحيث اعتمدت على نصوص محلية لكتاب عراقية
عندما قدم نصه(سينما) وبذلك صارت الحاجة الى متلقٍ شريك محرض وفاحص وصانع للرأي العام اكثر من الحاجة الى متلقٍ منعزل يبحث عن مكامن البهرجة الصورية الزائلة, انها تجربة تنظر الى الواقع المريض وتحاول ان تجد له ان العلاجات الناجعة وليس اكثر ملائمة من ذلك سوى التهكم والسخرية والكوميديا السوداء من اسلوب لهكذا عروض استطاعت ان ترتقي الى ان تكون ظاهرة مسرحية تستحق الدراسة والبحث من قبل الباحثين والدارسين في تاريخ المسرح العراقي .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *