جزء من مشروع اعادة كتابة تاريخ المسرح العراقي .. أوهام الريادة المسرحية في العراق – العراق

مسيحيو العراق وطنيون، وهم من سكانه القدامى’ جملتان تصدرتا مقدمة كتاب الربيعي تعكسان الايمان الواضح بالنتائج التي اكتشفها.فمنذ ما يزيد على نصف قرن والمسرح العراقي في حاضنة وهمية ارتبطت بعام 1880 وباسم “حنا حبش” دون سواه، عبر كم هائل من البحوث والدراسات المسرحية التاريخية التي وثقت وأرشفت لهذه الريادة (الزائفة)،
ذلك لأن الريادة (الحقيقية) – وبحسب هذه الدراسة التوثيقية الجديدة التي بين ايدينا – اثبتت وبالادلة الدامغة – بزعمنا – ان الريادة الحقة ترجع الى الاب “ماري جوزيف” والى عام 1874 .
كتاب “المسرح المسيحي في العراق – دراسة توثيقية” من تاليف الاستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي والصادر حديثا عن مؤسسة دار الصادق الثقافية في طبعته الاولى 2016 .. وعدد صفحاته 374 صفحة، هو الذي أثبت لنا هذه الحقيقة الجديدة بعد الجهد المضني الواضح لمؤلفه والمستند الى أسس ومعايير الباحث التاريخي المنهجية والموضوعية الملتزمة بتتبع أدق التفاصيل والحقائق المرتبطة بهدفه البحثي, ومؤكدا – اي مؤلف الكتاب – ان منجزه هذا “جزء من مشروع اعادة كتابة تاريخ المسرح العراقي الذي تصدينا له منذ سنوات عديدة وانجزنا فيه كتبا أصيلة وريادية في محتواها ..”.”مسيحيو العراق وطنيون، وهم من سكانه القدامى”. جملتان تصدرتا مقدمة الكتاب تعكسان الايمان الواضح للمؤلف بالنتائج التي اكتشفها في رحلة بحثه المخلصة عن المخلصين من الوطنيين العراقيين ومنهم أخواننا المسيحيون الذين استوطنوا العراق “بعد منتصف القرن الاول الميلادي ايام كان العراق يقع تحت سيطرة الدولة الفرثية. والفرثيون اقوام فارسية سكنت اقليم خراسان في حدود 135 ق. م”، وان الطائفة المسيحية في العراق كان لها أثرها البارز في التكوين الفكري والثقافي العراقي بشكل عام والمسرح بشكل خاص.وفي هذا الصدد يقول المؤلف: “كان المسرح من بين ما استحدثه المسيحيون، فاليهم الفضل في تشييد عتبته وارتقائه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر اذ اعتمدت هذه الطائفة على علائق طيبة مع الطوائف المسيحية المنتشرة في بلاد الشام وتركيا بحكم قربها الجغرافي”.تضمن الكتاب اربعة فصول وملاحق ثلاثة، الفصل الاول جاء تحت عنوان “الطائفة المسيحية ودورها في نهضة العراق الحديث” استعرض فيه الربيعي بتكثيف عال الاثر البارز للطائفة المسيحية في البداية الحقة لنهضة العراق على الاصعدة الثقافية والفكرية والتي ارتبطت بمقومات وأسس هذه النهضة المتمثلة في تتبع المؤلف لتاريخ التعليم والصحافة والطباعة، ومن ثم تاريخ الادب والفن.
اما “اشكالية البداية والريادة المسرحية” وهو عنوان الفصل الثاني وهو الفصل المتميز في الكتاب برأينا لما تضمنه من الحيثيات والبراهين والخطوات الاولى المرتبطة باكتشاف الريادة المسرحية تلك والمتداولة في الدرس والبحث المسرحي، لا العراقي حسب، بل والعربي ايضا عبر عدد من “الباحثين العرب ان الشماس حنا حبش هو الرائد الاول والمدشن للنشاط المسرحي في العراق، وان اول مسرحياته الثلاث التي وصلت الينا مخطوطة: (يوسف الصديق وكوميديا طوبيا وآدم وحواء) التي تعود الى سنة 1880 هي البداية الحقيقية للمسرح العراقي”.
وهي المعلومة التي نشرها أحمد فياض المفرجي عام 1966، وبعد تدقيق واستقراء بحثي تتبعي يكتشف المؤلف على ان هذه النصوص قد تم العثور عليها في مكتبة الاب توما عزيز، بحسب ما وثقه (عمر الطالب) عام 1967. وان النصوص نفسها لم يتم ذكرها في عدد من ببلوغرافيات المسرح العراقي والعربي المعروفة، فضلا عن أن المؤلف (الربيعي) قد أجاز لنفسه التشكيك – وهو محق في ذلك برأينا – انه ليس شرطا من ان وجود الختم (الدمغة) المثبتة على الصفحة الاولى من مخطوطة النصوص – وهي باسم حنا حبش – ذلك يعني هو مؤلف هذه المسرحيات بل: “يجوز انها من مقتنياته وانه دمغها بختمه لبيان عائديتها وملكيتها، فليس في الختم أو صفحات المخطوطة أية كلمة تشير الى انها من تاليفه، ولو كانت من تأليفه لكان المفروض ان يكتب على واجهتها من تاليف حنا حبش. أو ان نفترض انها من ترجمته لكان الامر كذلك ايضا. وعملية دمغ الكتب والمخطوطات او مهرها باسم مالكيها سياق متبع في عموم المكتبات الشخصية او العامة..هذا الى جانب تعارضات يصرح بها الكتاب تكشفت عند (عمر الطالب) ومغالطات واضحة كان علي الزبيدي قد اعتمدها في كتابه “المسرحية العربية في العراق”. ليصل الربيعي الى المنطقة الفصل في توجهه الى منطقة “قرقوش” التابعة الى مدينة الموصل العراقية بعد اشارة لماحة وجدها في كتاب “الفكر العراقي المسيحي في عصر النهضة” لمؤلفه بهنام فضيل عفاص 2010، اذ يشير عفاص الى ان “حبش” هو كاهن من قصبة قرقوش.
وبعد تساؤلات بحثية وتقلبات الامر وتوجهاته المتناقضة, دعت الربيعي يتأملها ويتفحصها ويقارنها مع هذا التوثيق وذاك باستعداد الباحث المتمتع برحلته، لتقع في يده وثيقة مطبوعة ومنشورة تحسم الامر له ولنا، وهو الخبر “المنشور في نشرة الاحد بعددها المرقم 27 الصادر في 6 يوليو/تموز سنة 1927 وعلى الصفحة السابعة والستين بعد الخمسمائة، جاء فيها ما نصه:
“اول رواية مثلت في بغداد كانت رواية يوسف الحسن مثلها تلامذة مدرسة اللاتين الاولون سنة 1874 أي قبل خمسين سنة وكان قد ترجم هذه الرواية من الفرنسية الى العربية حضرة الاب الرئيس ماري جوزيف ونقح عباراتها العربية الكونت جبرائيل اصفر ونيقولا سيوفي معاون القنصل الفرنسي في بغداد وكان لها وقع شديد في القلوب”.وكذلك فان مدرسة الاتفاق الشرقي – هي نفسها مدرسة اللاتين – في بغداد هي المدرسة المدشنة الاولى للنشاط المسرحي في العراق، وان حنا حبش كان معلما فيها وكان يقدم المسرحيات للطلبة في هذه المدرسة لامتلاكه المخطوطة النصية حسب (.. للمزيد ص 71 – الكتاب).
لينتهي الفصل الى ان ماري جوزيف هو الرائد الاول للمسرح العراقي وان البداية الحقيقية المثبتة (الآن) في هذه الدراسة التوثيقية، بدأت منذ عام 1874. ويبدو ان ثمة صدفة تاريخية لطيفة اقترنت بالسنة نفسها للميلاد الحقيقي لظهور مسرح المخرج عالميا وعلى يد الدوق ساكس مايننغن في مارس/آذار 1874 حين قدم عرضه المسرحي ذاك في برلين..وجاء الفصل الثالث من الكتاب تحت عنوان “توثيق العروض المسرحية” متتبعا وموثقا للعديد من العروض المسرحية العراقية التي قدمها عدد كبير من المعلمين والمسرحيين العراقيين من الطائفة المسيحية تلك التي ابتدأت بعد عام التأسيس ذاك، فكان العرض الثاني عام 1885 وصولا الى العرض الذي تم تقديمه عام 2013 عبر كم هائل من الوثائق والبرامج والصور الأصل بوصفها وثائق تاريخية لا يختلف عليها أحد.
اما الفصل الرابع “أعلام مسرحيون” فقد استعرض وأرخ لعدد من الاعلام المسرحيين العراقيين المسيح وهم: (سليم حسون، وسليمان غزاله, وحنا الرسام, وسليمان الصائغ, وسهيل قاشا, وبهنام سليم حبابه, ونوئيل قيا بلو, وادمون صبري). ليختتم الكتاب بالملاحق التي لا تخلو من أهمية تاريخية توثيقية ايضا، فقد وضع المؤلف من أوائل النصوص الاصل التي ارخت للمسرح وهي: “كوميدية آدم وحواء، وكوميدية يوسف الحسن، وكومدية طوبيا) ثم ألحق المؤلف لنا بجدولة عن أشهر القصاصين المسيحيين العراقيين في مرحلة التأسيس بدءا بالبرت س الياس 1925 وانتاء بيوسف مسكوني.ثم مجموعة من الصور لعدد كبير من المسرحيات التي أشار لها الكتاب في رحلته الوثائقية الرصينة والنافعة والمجودة، وصولا الى ثبت المراجع من الكتب والمجلات والصحف والمخطوطات والفولدرات المسرحية.ويعد هذا الكتاب هو السادس للمؤلف نفسه بعد كتبه التي سبقته وهي: تاريخ المسرح في الحلة ج1 ، ج2 ، 2006 ، والخيال في الفلسفة والادب والمسرح 2012، والمسرحيات المفقودة لنعوم فتح الله سحار 2015، ومحمد مهدي البصير رائد المسرح التحريضي في العراق 2013، واسكندر زغبي الحلبي زجالا مسرحيا 2013، وجميل صدقي الزهاوي مسرحيا 2012. 
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – د. محمد حسين حبيب

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *