جرودات ومحطات ساطعة في المسرح العراقي د. بشار عليوي

جرودات ومحطات ساطعة في المسرح العراقي

د. بشار عليوي

لم يكن المسرح العراقي بشخوصهِ ورجالاتهِ وكُتابهِ ونُقادهِ , ببعيد عن متناول عديد الباحثين والدراسين من العراقيين والعرب على حد سواء , وهذا ما يؤكد حقيقة أن هذا المسرح حي وحاضر بقوة بالرُغم مما مَرَّ على العراق من ويلات وحروب ومآسي مُختلفة , على اعتبار أن النتاجات المسرحية العراقية لطالما كانت معين لا ينضب فثمة أجيال مُتعددة مُتلاحقة تؤكد عُمق وثراء مسرحنا العراقي , لذا أنبرى اثنان من أبرز الباحثين والمُنقبين في تأريخ المسرح العراقي المُعاصر , هُما ” الأُستاذ ” د.علي محمد هادي الربيعي , و “تلميذهُ” د.عامر صباح المرزوك ليتوجّا علاقتهما المعرفية التي امتدتْ لسنوات عديدة وفي محطات بارزة لعلَّ أبرزها إشراف د.الربيعي على رسالة الماجستير خاصة د.المرزوك , والاهتمامات البحثية والكتابية المُشتركة بينهما كنموذج نبيل للعلاقة الرابطة بين الأُستاذ وتلميذهِ , ليُصدرا مؤلفيهما المُشترك الأول الموسوم (المسرح العراقي _محطات ساطعة وجرودات جامعة) في 200 صفحة من الحجم الكبير والصادر حديثاً عن دار الرياحين للنشر والتوزيع في بابل العراقية , بعد سلسلة ثرية وغنية من مؤلفاتهما اللواتي أغنتْ المكتبة المسرحية العراقية والعربية , وعن مؤلفهما المُشترك يقول المؤلفان (إنَّ الكتابَ الذي بين أيديكم أيها القُراء كتاب أردنا من ورائه أن يقدم لكم وجبةً دسمةً حول المسرح العراقي ويحقق مبدأ “اقتصاديات المعرفة” , ونقصد بالأخير أن يتحقق للقارئ زاد ينتفع به في مسيرته من جنبةٍ ، وأن يكون موجِّه له في دراسات أُخر إن هو أراد أن يقبل عليها ويزيد فوقها من جنبةٍ أخرى ، ولذلك جهدنا على أن نقدم له دراسات ساطعة عن طائفة من الكتَّاب المسرحيين العراقيين ، وجرودات جامعة لعموم النَّصوص المسرحية العراقية المطبوعة ، وبعملنا هذا قدَّمنا له وجبة غنية واقتصادية , ولكن قد يبرق التَّساؤل الآتي في ذهن القارئ : لماذا عينة الأسماء هذه التي سميناها بالمحطات السَّاطعة ؟ وهو تساؤل نجده مشروع . والحقّ أن جميع الكُتَّاب الذين ترد أسماؤهم في مسرد المسرح العراقي أسماء ناهضة ومحترمة ، وهم محطات ساطعة كلٌ في وقته ، وبعضهم محطات متوهجة في كل الأوقات . غير أنَّنا انتقينا أسماءً محددة استشعرنا بأنها يمكن أن تكون عينة طيبة للمسرح العراقي في وقتها ، وأن تكون شاهدة على عصرها ، ولعلنا في قابل الأيام سنفرد لآخرين محطات بحثية أُخر ) .

على عكس ما ألفناهُ سابقاً من قبل من وجود مؤلفات مُشتركة يكاد العديد منها ألا جامع بينها سوى أنها ممهورة بأسماء أو ثلاثة , ففي هذا المؤلف المُشترك الذي ينقسم الى فصليين ,  قد سعى المؤلفان الى تتبع البدايات الحقيقية لنشوء المسرح العراقي وفقاً لعدد من المصادر والمراجع التي عُنيتْ بتأريخ المسرح العراقي ويُلاحظ هُنا أن المؤلفين قد ركزا جُهديهما على دراسة المسرح العراقي من باب النص المسرحي وليس العرض , وهوَ ما يؤكد لنا وبوضوح جَلْيّ أن توافر المادة النصية الموجودة من عدمهِ وإمكانية مُقاربتها نقدياً هي أحد أهم أسباب اهتمام المؤلفان بالنص المسرحي وكُتابهِ , ولعلَّ هذا ما يؤشر وجود قصور في توافر المادة النقدية المسرحية المواكبة للعرض المسرحي العراقي , وبالتالي فإن امكانية توافر هذهِ المادة تُتيح بشكل أو بآخر لدراسة المسرح العراقي من باب العرض خلال العقود التي خَلَتْ ولعلَ واحدة من أهم المشاكل التي رافقت المسرح العراقي هوَ عدم توفرَ جُهد مؤسساتي وحكومي مُنظم يُعنى بالمُحافظةِ على أرشيف هذا المسرح نصاً وعرضاً ونقداً , وبالتالي أصبحتْ مهمة مُتابعة هذا الإرشيف المُتناثر هوَ من المجهودات الفردية للباحثين العراقيين , وهوَ ما توافرَ عليهِ كُلا المؤلفين ” الربيعي والمرزوك” , عبرَ هذا الكتاب والمُتمثل بجَمْع المادة المسرحية التي تخص النَّص المسرح العراقي بوصفهِ ليس أمراً هيناً قد أخذَ منهما أكثر من خمس سنوات في زيارة المكتبات والتَّفتيش في بطون الفهارس وملاحقة أعداد المجلات لتسجيل المواد التي تخص المسرح العراقي, مُعززين ذلكَ بنشر صور لمخطوطات أصلية للنصوص المسرحية العراقية الأُولى فضلاً عن شروحات جامعة عن كُتاب المسرح العراقي , ففي الفصل الأول الذي حملَ عنوان ( المحطات الساطعة) , ثمةَ سبر لأغوار أهم المحطات التي شهدها المسرح العراقي مُنذُ بداياتهِ حتى وقتنا الحاضر بدءاً بنصوص (حنا حبش) في مسرد ضَمَّ (32) كاتباً مسرحياً ، وهؤلاء الكُتاب قد تم تسليط الضَّوء عليهم وهذا ما تضمنهُ الفصل الأول . أما الفصل الثاني قد خصصه المؤلفان لثبت النِّصوص المسرحية العراقية المطبوعة منذ أول نصٍ مطبوع وحتى إعداد هذا الكتاب , وعن هذا يقول المؤلفان ( إن الثبّت الذي بين أيديكم جاء نتيجة بحث وتقصي وتفلية استمرت أعوام عديدة ، ولا يبالغ المؤلفان في القول أنَّهما جاءا بأسماء النِّصوص المطبوعة كلها , ولابد من القول أيضاً أنَّنا وضعنا دليل عمل يسترشد به القرَّأةُ في تتبع مسيرة النِّصوص حتى يكونوا على بينة من أمرهم ، وهذه التَّوضيحات تخص عملنا في وضع الجرودات الخاصة بالمسرحية العراقية ) , وتكمن أهمية هذا الكتاب في إن عموم النَّصوص المسرحية التي تم تثبيتها فيهِ هي نصوص مطبوعة في كتب مستقلة ، أو هي مطبوعة ضمن كتب حوت نصوصاً مسرحية منوعة أو دراسات تخص المسرح العراقي كما تم تثبيت جميع النَّصوص المسرحية العراقية المنشورة ضمن المجلات العراقية , فيما انفتح المؤلفان على ذكر النِّتاج المسرحي النصيَّ الكردي والتُّركماني المكتوب باللغة العربية فقط , وتوقفا في جمع النَّصوص المسرحية بنهاية سنة 2017  .

جديرٌ بالذكر ان د.علي محمد هادي الربيعي , حالياً هو استاذ في قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة ,جامعة بابل التي شغل منصب عميدها للفترة من 2013 الى 2017 , لهُ العديد من الاصدارات منها (تاريخ المسرح في الحلة /محمد مهدي البصير رائد المسرح التحريضي في العراق /مسرحيات نعوم فتح الله سحار دراسة ونصوص/المسرح المسيحي في العراق …. وغيرها) , أما د.عامر صباح المرزوك , فهو حالياً رئيس قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة_جامعة بابل واستاذاً فيهِ , كما شغل منصب مدير اعلام جامعة بابل لسنوات عديدة , لهُ العديد من المشاركات الفنية في المهرجانات المسرحية المحلية والدولية , اصدر عدد من المؤلفات منها (الذخيرة المسرحية في الصحافة الحلية/دليل المخرجين المسرحيين في بابل/دليل المترجمين المسرحيين العراقيين /مسرح ناظم حكمت/الوافي في مصادر دراسة المسرح العراقي/ دراسة المسرح في الوطن العربي/ تحولات البنية الدرامية في مسرح يوسف العاني في ضوء المتغيرات الثقافية …. وغيرها ) .

 

 

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *