“بيدرو والنقيب” ينقذ الدورة 2 لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح من “كارثة” العرض الأخير – يوسف الشايب #فلسطين

“بيدرو والنقيب” ينقذ مهرجان فلسطين الوطني للمسرح من “كارثة” العرض الأخير

يوسف الشايب:

لم يكن ختامها “مسك”! فالعرض الأخير في مهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الثانية، لمن استطاع إكماله، كان خيبة أمل كبيرة جداً، وفي نفس الوقت ناقوس خطر حول ما إذا كان هذا أفضل العروض القادمة من قطاع غزة، فما حال المسرح هناك بعد سنوات من الحصار والانقسام، وإن كان المطلعون على الواقع الثقافي الغزّي يؤكدون أن هناك عروضاً مسرحية مهمة لفرق شبابية، ولكن يبقى التساؤل: هل تقدمت هذه الفرق للمشاركة في المهرجان أم لا؟ وهل من الضرورة بمكان أن يكون توزيع العروض المسرحية مناطقياً؟ .. مع أن الارتقاء بالحركة المسرحية في فلسطين، وهو هدف المهرجان، والقائمين عليه في الهيئة العربية للمسرح بالشارقة ووزارة الثقافة الفلسطينية يتطلب الانحياز إلى المستوى الفني للأعمال المشاركة.

ليس تجنياً وصف عرض “سطح الدار” لفرقة بيت المسرح بغزة، بالـ”كارثيّ”، وهو العرض الذي كان من المقرر عرضه في قصر رام الله الثقافي، مساء أمس، لكن تم تحويل عرضه، بعد تعذر مشاركة الفرقة بنفسها، لعدم سماح سلطات الاحتلال لأعضائها بالقدوم من غزة إلى رام الله، بحيث عرض بتقنية الفيديو المسجل، وهو عمل يتحدث عن مجموعة من الأسر التي أجبرتهم الأوضاع خلال الحرب، على البقاء مع بعضهم في بناية سكنية، لتتكشف بالتدريج جوانب وأبعاد إنسانية مختلفة لم تسمح لهم الأوضاع أن يعبّروا عنها من قبل، وهو من تأليف وإخراج خالد خماش، وتمثيل: كرم عبيد، وكاميليا أبو السمك، وجواد حرودة، وتيما صالحية، ومحمد جواد، ومحمد البنا.

وأرى أنه يجب التوقف أمام نوعية الأعمال المشاركة في المهرجان، للارتقاء بمستواها في الدورة الثالثة للمهرجان، وتلافى هبوطها عن سابقتها، كما حدث في هذه الدورة بالمقارنة مع الأعمال المتنافسة وغير المتنافسة التي كوّنت الدورة الأولى لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح.

وسبق هذا العرض مسرحية “بيدرو والنقيب” لمسرح نعم، وهي خارج عروض المسابقة الرسمية، لكون مخرج العمل إيهاب زاهدة عضواً في اللجنة العليا للمهرجان، وهو عمل لو قدّر له المشاركة في المنافسات لحقق جائزة أو أكثر، فقد أجاد كل من رائد الشيوخي ومحمد الطيطي في تقديم شخصيات مركّبة، واستنطاق ما في دواخل كل من الأسير والمحقق العدو.

وكان العمل مثيراً للجدل لجهة أنسنة المحقق الذي، فرغم اتكائه على نص للأوروغواياني أنيمارو بينيديتي، فمن الصعب التعامل معه بعيداً عن إسقاطه على الواقع الفلسطيني، وهنا ظهر المحقق الإسرائيلي أو أظهر إنسانيته، وإن كان الأسير المثقف العميق حاول نقل هذه “الإنسانية” من ضفة الإظهار إلى ضفة التظاهر.

وتقدم هذه المسرحية، وهي أحدث إنتاجات المسرح الفلسطيني الوحيد الذي سبق وأن ظفر بجائزة أفضل عمل مسرحي عربي في مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه كل عام الهيئة العربية للمسرح، وفق ما أشار القائمون عليها، استقصاءً درامياً في نفسية المعذب، فهي شيء من قبيل الإجابة عن التساؤل: لماذا وبواسطة أية عملية يمكن لكائن طبيعي أن يتحول إلى جلاد، ليؤكدوا بأن “بيدرو والنقيب” ليست مواجهة ما بين وحش وقديس، وإنما رجلان، أو كائنان من لحم ودم، كل واحد منهما يتمتع بنقاط ضعف ونقاط مقاومة، لافتين إلى أن “المسافة الفاصلة بين الأولى والثانية، هي أولاً وقبل كل شيء أيديولوجية، وهناك ربما يكمن المفتاح لفوارق أخرى تشمل الأخلاق والنفس والحساسية أمام الألم الإنساني، والمسار المعقد ما بين الشجاعة والجبن والقدرة على التضحية، وما إذا كانت المسافة كبيرة أو صغيرة ما بين الخيانة والوفاء.

وكان لافتاً علاوة على الأداء، السينوغرافيا التي أعدها زاهدة أيضاً من ديكور، وإضاءة، وملابس، وشاشة عرض، وفيديوهات مرافقة، وغيرها، علاوة على بعض التقنيات كالعدسات المكبرة المؤطرة، ودلالاتها المنبعثة من داخل الأنا المتضخمة للمحقق، كما يحسب للمخرج هنا أيضاً ليس فقط إدارة الممثلين، وتناغم الحركة على المسرح، بل واختيار المقطوعات والأغنيات الموسيقية المرافقة، وإن سقط الحوار في فخ التكرار أحياناً ليست كثيرة، وفي شرك التسبب في الملل، ولو لوقت قصير نسبياً.

وطرح العمل العديد من الجدليات الوجودية، وخاصة تلك الخاصة بالموت والحياة، عبر شخصية الأسير الذي يتقمص دور الميت، فلا يشعر بالألم، ولا يأبه للتعذيب، وهو هنا، على ما يبدو، انعكاس لوصف الأسرى شعبياً لدى الفلسطينيين بـ”الشهداء الأحياء”، علاوة على جدلية الخير والشر، حيث لا شر كامل ولا خير كامل، وهي جدليات تحولت إلى صراعات على الحق والحقيقة والأحقية في الرواية، وفي انتزاع كل منهما لقب “إنسان” من الآخر، أو محاولة كل منهما “أنسنة” أفعاله، وشيطنة الآخر.

ولعل من الضروري هنا التذكير بأن الأعمال التي تتنافس على جوائز المهرجان، وتعلن مساء اليوم، هي: “الملح الأخضر” للمسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، و”جفرا” للمسرح القروي، و”لندن جنين” لمسرح الحرية، و”عباس الفرّان” لمسرح الحياة، و”كلب الست” لمسرح القصبة، و”سحماتا تحت أشجار الصنوبر” لمسرح الحنين، و”سطح الدار” لبيت المسرح، فيما تتكون لجنة التحكيم من: الممثل والمخرج المسرحي والسينمائي الفلسطيني محمد بكري، والمخرج والمؤلف والممثل والباحث البلجيكي من أصول عراقية حازم كمال الدين، والمؤلف الموسيقي الفلسطيني سعيد مراد، والممثلة والمخرجة والكاتبة ندى حمصي، وخبير الديكور والسينوغرافيا في المسرح والتلفزيون الفلسطيني ماجد زبيدي.

يوسف الشايب – رام الله

(المصدر: إعلام الهيئة العربية للمسرح)

شاهد أيضاً

شاهدت مرّتين مهرجان المسرح الوطني الفلسطيني للمسرح – راضي شحادة #فلسطين