الاغتراب عنوان بارز في عروض ثالث أيام الدورة 2 لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح.. “لندن – جنين” و “عباس الفران”#فلسطين

الاغتراب عنوان بارز في عروض ثالث أيام مهرجان فلسطين الوطني للمسرح

رام الله – من يوسف الشايب:

الحديث عن العرض المسرحي “لندن – جنين” لمسرح الحرية في مخيم جنين، وكان أول عروض اليوم الثالث لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الثانية، مساء أمس، يتطلب السير في خطين مستقيمين يلتقيان على عكس قوانين الرياضيات والفيزياء على خشبة المسرح، ليستقبل جمهور ملتقى فلسطين للفنون الأدائية 2018، عملاً قدمت فيه المخرجة خولة إبراهيم ما يؤكد أن لهذه الفنانة الشابة القادمة من مجدل شمس في الجولان المحتل ما تقوله، وباقتدار، في هذا المضمار، وهو ما ينطبق أيضاً على الأداء الواثق لكل من الفنانين فيصل أبو الهيجاء وعلاء شحادة من جنين.

    وأول الخطين المتوازيين في الحديث عن “لندن – جنين”، يتعلق بالحديث عن تجربة الإنتاج المستقل في فلسطين، وهي غير دارجة بكثرة، فالفنانون الثلاثة قرروا الخروج بهذا العمل على نفقتهم الخاصة، قبل أن يتباه مسرح الحرية.

    وكان الأداء وتحريك الممثلين والنص هي العوامل الأساسية الرافعة للعمل، وهنا نجح الثلاثة في تقديم أقصى ما لديهم، ودون تقشف، فضحك الجمهور، وسرح في تفكيره، وتفاعل مع تقلبات أمزجة الممثلين الصديقين، ما بين رغبة في البقاء داخل بريطانيا عقب فرصة العرض فيها، أو العودة إلى فلسطين، وتحديداً مخيم جنين.

    العرض المسرحي هذا، وهنا ندخل في الخط الثاني كان شفافاً وصريحاً وجريئاً في طرحه لعديد القضايا المجتمعية والسياسية والسيكولوجية التي تؤرق الشباب الفلسطيني عامة، وفي المخيم على وجه الخصوص، ليعبّدا المسافة الشاسعة ما بين لندن وجنين، بكوميديا مفعمة بالشجن، وبأداء درامي لا يخلو من سخرية مضحكة ولاذعة، وكأنها عمل مرآوي، وهو عادة من أصعب الأنواع على صعيد استقبال الجمهور، ليس فقط في المسرح، بل في مختلف مجالات الإبداع الثقافي والفني، خاصة أن “النظر في المرآة” التي لا تزوّر الحقائق، أو تجمّلها، تعمل بمبدأ الصدمة التي لا يتقبلها الكثير من المتلقين، فمرآة خولة وفيصل وعلاء تبقى، بالتأكيد، ليس كمرآة الأميرة في تلك الأسطورة الشهيرة التي تجعل منها على الدوام، ولو كذباً، الأجمل في العالم، ففي فلسطين، كما في المخيم، قوة مغناطيسية جاذبة ما، وفي الرياح والروائح الكريهة، بالمفهوم الرمزي والمعنوي للمصطلح، ما يجعل من الجغرافيا والظروف المحيطة فيها، والساكنة إياها، عوامل طاردة.

وفي الوقت الذي حضر فيه “الديالوج” بالعرض كنعصر ارتكازي، لم يغب “المونولوج” عنه أيضاً، بل كان له سطوة واضحة .. أحياناً اختلط الاثنان بشكل سلس، وإن انعكست عليه حالة الصراع المتعمرة في دواخل الممثلين الاثنين، وهو اختلاط غير دارج ربما في حالات كثيرة داخل الأعمال المسرحية الفلسطينية خاصة، والأدائية عامة.

    ولعل تبادل الأدوار المتعددة لكلا الممثلين، خاصة فيما يتعلق بقرارات الهجرة والعودة، أو البقاء هناك أو هنا، ما تبدّل الـ”هنا” والـ”هناك” في المعنى والمبنى والحضور حتى في الذاكرة، هو ما جسر المسافة بينهما، وخاصة في تلك المنطقة القريبة من “حافة القرار”، وذلك الصراع الذي يؤطره جغرافياً، وبشكل افتراضي مبني على قصة واقعية كمجمل أحداث المسرحية، “مكتب الهجرة في شرق لندن”.

    أما العرض الثاني في مساء اليوم نفسه، فكان “عباس الفرّان” لمسرح الحياة في الرملة، والممسرح عن كتاب للراحل الكاتب والمفكر الفلسطيني سلمان ناطور بعنوان “رحلة الصحراء”، في حين أخرجه القدير أديب جهشان، وهو من تمثيل: إياد شيتي الفائز بجائزة أفضل ممثل في الموسم الأول من المهرجان، ومحمود مرة، وميس ناطور، وميرا عازر.

وتأخذنا المسرحية إلى عالم عباس الفرّان، ذلك الفلسطيني الذي طرد من بيته وفقد ابنه في حرب العام 1948 (النكبة)، وعاد متسللاً كمئات الفلسطينيين إلى حيفا، وتحديداً إلى حيث الفرن الذي كان يمتلكه، ليجد الغرباء أي المحتلّين يسكنون الفرن ومن قبله البيت .. يجلس أمام فرنه ليمر شريط ذكريات ما قبل النكبة والتهجير، فيلتقي الأشخاص الذين عرفهم وعاش معهم قبل الترحيل في عالم من المتاهة المبعثر الذي يبدأ بمحاولة جمعه ولملمة أشلائه شيئاً فشيئاً.

والعمل مسرحي غنائي، وقدم نمطاً ليس سائداً في فلسطين بالعادة، بحيث توالفت مكوناته بشكل لافت، ولم يكن أي منها طاغياً على حساب الآخر، فألحان ميرا عازر للمسرحية الغنائية لم تطغ على أداء أي من شيتي وناطور ومرة وعزرا، بل تناغمت معها، وكان بادياً تلك الحالة المحببة في الانصهار بينها وبين الممثلين وما بين النص والإخراج والوسائط المساندة، رغم أنها تعاطت مع نص ليس بالسهل لكاتب كبير، في حين كان بارزاً تميز شيتي مرة أخرى في الدور الذي قدمه، ليؤكد أنه فنان مبدع حقيقة، ليس فقط لعلاقة الصداقة بينه وبين الراحل سلمان ناطور، ولكن لكونه قادر عن انتزاع إعجاب الحضور بما يقدمه، على الأقل في “عباس الفرّان” كما في العام الماضي.

وكان لافتاً تعدد الشخصيات الذي قدمته الفنانة ناطور، وما تطلبه الأمر من تقمص متعدد الأبعاد، علاوة على الجانب التقني فيما يتعلق بتبديل الملابس والمظهر العام والصوت وطريقة الأداء واللوحات المرافقة وغيرها، بحيث خرجت من روح إلى أخرى باقتدار، وهنا برزت تقنياتها كممثلة لا يمكن أن يمر أداءها علينا مرور الكرام.

وما ينطبق على ناطور ينطبق على غيرها من الفنانين، الذين أسسوا لمسرح غنائي فلسطيني، ليس من العدم، بل بالاتكاء على حكايات تتأرجح في ذكريات النكبة، وأيضاً بالمراكمة على منجز عربي ربما في هذا المجال، وهو ما جعل من العمل علامة بارزة في المهرجان، كـ”الشنطة” التي من بقايا الصليبيين.

يوسف الشايب – رام الله

(المصدر: إعلام الهبئة العربية للمسرح)

شاهد أيضاً

شاهدت مرّتين مهرجان المسرح الوطني الفلسطيني للمسرح – راضي شحادة #فلسطين