برج فازليان والمسرح اللبناني

ما ان تعرّفنا على مهنة التمثيل والإخراج والمسرح و”النومونكلاتور” التابعة لها في فيلم “سفر برلك” حتى تذكّرت صور جدي عبد الحاج، المعلّقة في صدر صالون بيته “التاريخيّ” في دير القمر لغاية اليوم، وهو في زيّ الجندرمة على ايام العثمانيين، يخدم في ثكنة بيت الدين.
كان أو أصبح يشبه أيقونات توزّعت الأدوار في هذه الحقبة بين لبناني وتركي وبين ظالم ومظلوم.
كان برج يشبه قصب المصّ الذي يلعب به الهواء. وكانت الكلمات تخرج من فمه كالمزيج المهضوم المبندق بين التركي والارمني.
ثم لمع اسمه في الأفق في بدايات الستّينات، في مجال الإخراج المسحي والاستعراضي.
وكان اسم المخرج اللامع الأرمني الحبوب والمحب برج فازليان.
اول مرة سمعنا باسمه، كان أثناء مشاركته في فيلم سفر برلك للاخوين الرحباني. هبط علينا كالبرق. مثّل بلكنته الأرمنية المحبّبة آكلاً بعض الاحرف، هذه اللكنة رافقته طيلة حياته، وأصبحنا جميعًا نعرفها ونبتسم كلما تواجدنا في حضوره المميّز الخفيف الظلّ واللطيف والمليء بالمحبة، إضافة الى معرفته وثقافته وبعد آفاقه الفنية الآتية من التراث الارمني واللبناني وبعض العربي.
عمل مع الممثليين الشباب وكان من المخرجين الكبار رغم معرفته “المفركشة” للغة اللبنانية.
انطوان كرباج زوجي عمل معه في مشاريع عدّة، في مسرح الرحباني وفي المسرح اللبناني حيث عملا معًا، في بيتنا المتواضع في بيروت، على ترجمة نصوص تركية الى اللبنانية. ترجما، او بالاحرى كتبا نصًّا لأبي علي الاسمراني انطلاقًا من نصٍّ تركيٍّ لكاتب حديث لديه الحسَّ الشعبيّ الذي يتطابق مع الوضع الشعبي اللبناني.
كانت مشاركته لامعة وجيدة وناجحة، ما دفع برج الى الانتقال الى كتابة نصوص تلفزيونية لم تحقّق بسبب الحرب وسفر برج الى بلدان الاغتراب.
زوجة برج ملتزمة اسمها سيرو، وكانت المرافقة الامينة والمزمنة لزوجها طيلة عمله المسرحي. كانت تجلس دائما في آخر الصالة، حيث كان يخرج المسرحية، وتصفّق بحرارة لدعوة الجمهور وجرّه على مراعاتها وممارسة عادة التصفيق من أجل رفع حماسة الجمهور.
لم تغب عن المسرح، ولم تتوقّف المغامرات المسرحية حتى لو كانت الاعمال من إنتاج وكتابة وإخراج أسماء شابّة أخذت تلمع في تاريج النهضة الجديدة المسرحيّة في بيروت.
غاب لفترة عن المشهد المسرحي اللبناني وعرف الغربة. له ابن لمع في عالم ادارة الاوركسترا.
عاد برج الى لبنان. ليموت بين جميع من عمل معهم. مع الذين سبقوه الى دنيا الفناء، والذين لا يزالون يناضلون من اجل حضور فني-مسرحي-استعراضي-لبناني، ذي مميزات تنطق بحضور مواهب تحاول تسجيل الانجازات في تاريخنا الحديث.
برج فازليان سنشتاق اليك. ارقد بسلام لأنك قدّمت للبنان الكثير من النجاحات التي ستخلِّد اسمك.

Laure.ghorayeb@annahar.com.lb
Twitter :lghorayeb@gmail.com

 

 

 

لور غريّب

https://www.annahar.com

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *