الوكالة تنشر نص رسالة يوم المسرح العربي

يلقي الفنان الفلسطيني زيناتي قدسيةالأحد القادم الموافق الـ10 من شهر يناير الجاري، رسالة يوم المسرح العربي، وذلك في افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي، المقرر إقامته في الكويت في الفترة من 10 وحتى 16 من يناير(كانون الثاني) الجاري. فقد وقع اختيار الهيئة العربية للمسرح لشخصية هذا العام التي ستقوم بهذه المهمة الفنية المشرفة في مهرجان المسرح العربي، على الفنان الفلسطيني القدير زيناتي قدسية. حيث تحمل رسالة هذا العام عنوان(لم يعد أمامنا خيارات، و لا نملك رفاهية الوقت). الوكالة تنشر نص الرسالة:

 

“إخوتي وأصدقائي”:يا مَن تصنعون الجمال في زمن يُصرُّ فيه المتهافتون على إنتاج القبح.

 

توقي كبير، وشغفي أكبر، لهذا اللقاء الذي دعتنا إليه الشارقة المشرقة، المدينة_المنارة، مركز الذوق الفني الرفيع، ممثلةً بهيئتنا العربية للمسرح، لنحجَّ كلنا إلى واحة الثقافة والعلوم والإبداع العربي والإنساني، إلى هذا البيت، بيتِنا العربي الكويتي العريق والأصيل، بيت الأمن والسلام، هذا البيت الذي طالما جمعنا في أوقاتٍ كنا فيها أشتاتاً، واحتوانا بذراعيه الحانيتين دفء قلبه في أزمان عزَّ فيها اللقاء، نحن الذين نشكل البقية الباقية التي ما تزال متمترسة على أسوار حصن الجمال، مدافعين عنه ببسالة قل نظيرها.

 

أصدقائي:

 

من أمِّ البدايات، أمِّ النهايات. من رائحة الزيتون والكرمة والزعتر التي تعبق من “فستيان” أم سعد، من العاشق، العائد إلى حيفا مُحمَّلاً ببرقوق نيسان، من روح غسَّان، معلمي الأول، فاتحة وعيي و إدراكي للأشياء و الحياة. من “إجزم” قريتي الهاجعة على كتف حيفا و ظلال الكرمل كفرخ حمام يستدفئ بجناح أمه، حيث الولادة.

 

من “دمشق”، شامةِ الدنيا، أمِّ المدنِ وروحِ التاريخ، دمشق، ثقافتي، هواي، مرآة روحي، كل التجربة.

 

ستة و أربعون عاماً في “دمشق”، وقبلها أربع سنوات في عروس الشمال “إربد”، خمسون عاماً ليست شيئاً في عمر الزمن، ولكنها العمر الحقيقي لتجربتي في المسرح، و الحياة إذا شئتم، منازلة لم تتوقف يوماً، حاولت خلالها أن أمسك بتلابيب هذا الفن الصعب العصيّ، ولم أفلح، لكنني ومنذ وقت مبكر أدركت أنني مقبل على خوض معركة شرسة قد تطول، ولا أدري لصالح من ستحسم نتائجها، ومع مرور الزمن و احتدام المعركة أدركت أن المسرح قضية كبرى و تحتاج رجالاً على مقاسها.

 

أيها الأعزاء: إذا كان للشعوب برلمانات، فإن المسرح هو برلمان الثقافة الشعبية دون منازع. و لكي يتحول المسرح في بلادنا إلى برلمان للثقافة الشعبية حقاً، فإنني _مع الأصوات التي سبقتني، و بعيداً عن تكرار ما قلناه و كتبناه و نظَّرنا له منذ مائة عام و يزيد، أدعوكم للاندفاع بوعي و جرأة و حكمة نحو مسرحنا الجديد و المقاوم، و أن نحوِّل كل المساحات المتاحة، و أقتبس من الدكتور القاسمي:[إلى أمكنة للتعبير عن المقاومة التي تبديها الأفكار التنويرية ضد الأفكار الظلامية، و أن نجعل من مسرحنا مدرسة للأخلاق، و الحرية]، انتهى الاقتباس.

 

نعم أيها الأخوة، مسرح جديد حر و مقاوم، بدأت إشاراته الأولى تتبدى منذ عشر سنوات، حرٌ مقاوم، لأن المسرح بطبيعته حُرّ، و منذ نشأته الأولى كان مقاوماً، و قدم آلافاً من العروض المسرحية المقاومة بمعناها الحرفي، مقاومة المحتل، الغازي، العدو، المستعمر، و في كل دول العالم هناك دائماً حضور لافت للمسرح المقاوم و إن اختلفت أساليب التعبير عن روح المقاومة من مسرح لآخر. و ما دام هناك فاشيون وديكتاتوريون، وقابليات لنشوب حروب ثنائية أو كونية، وما دام على الأرض أربابٌ يتمسكون بربوبيتهم ويعملون على تخريب العالم وتدمير أمنه عبر التاريخ، وما دامت الآفة الإنسانية الماثلة أمامنا و المتمثلة في البعض الذي يرى العالم أضيق من أن يتسع له و للآخرين، و يريد أن يعيش وحده جاعلاً نهج حياته: “هذا كله لي”، ما دام كل هؤلاء يعبثون بحياتنا و مصائرنا، فإن المسرح المقاوم يبقى حيَّاً و يعبر عن حرية الإنسان و الشعوب و ثقافاتها.

 

هذا من جانب، وفي الجانب الآخر، ليس شرطاً أن يكون هناك احتلالاً أو غزواً عسكرياً أو مستعمراً لننشئ مسرحاً مقاوماً. ففي فترات السلم العالمي، تبدو حاجة البشر لمسرح مقاوم ماسَّة و ملحة. و كأن هذا الهدوء و الاستقرار الظاهري و الاسترخاء المريب تختفي وراءه نُذُرُ التفجرات المباغتة و الحروب المدمرة. و ما سعي الدول المحموم لامتلاك الأسلحة بمختلف أنواعها، و الصراع المعلن و الخفيّ على حيازة أكثرها فتكاً و تدميراً تحت مسمى التوازن الاستراتيجي، إلا تهيئة و استعداداً لهذه التفجرات المباغتة. و لذلك، فإن المفكرين و المثقفين و العلماء و الشعراء و رجال المسرح في مختلف أنحاء العالم، حين يواجهون القبح بالجمال و اليأس بالأمل، و حين ينتصرون للإنسان من أجل حريته و كرامته الإنسانية و حقه في الماء و الطعام و المسكن اللائق و الصحة و التعليم و الحب و إبداء الرأي و الدفاع عن حقه في الوجود، حين ينتصرون لكل هذا، إنما هم ينتمون بشكل أو بآخر إلى الثقافة المقاومة، العلوم المقاومة، الشعر المقاوم، و المسرح الجديد الحر المقاوم، البعيد عن التقليدية المتزمتة و المرتهنة لمفاهيم لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات العصر، مسرح متحرر من ظلامية الغول الذي ينشب أظفاره ليشد التجربة الإنسانية برمتها إلى الكهوف المظلمة، مسرح جديد حر، نقيض للحداثات المزيفة و غير الأصيلة و الطارئة، و التي أحدثت اختراقات مهولة في حياة البشر على كل المستويات. و أرجو أن لا أُفهم بأنني أدعو للانغلاق و الانقطاع عن ثقافات العالم و منجزاته الإبداعية، على العكس، أنا من قرية صغيرة من قرى الجليل في فلسطين، لكنني أؤمن بأن العالم قريتي. و أنتمي لأسرة صغيرة، و لكنني أؤمن بأن البشرية أسرتي، و بأنني جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الإنساني الرائع. وأؤمن أن على رأس واجبات الإنسان واجباً يدعوه إلى الاهتمام بمشاكل و قضايا العالم، و إلى التفكير فيها و التعبير عنها بنفس الحرارة و الولاء الذي يتناول فيه مشاكل وطنه و ذاته.

 

قد يقول قائل: هل فرغنا من مشاكلنا نحن حتى نولي وجهنا نحو مشاكل العالم؟، لا لم نفرغ بطبيعة الحال، بل إننا غارقون في المشاكل والأزمات و الكوارث حتى الأذنين، لكننا لا نبتعد عن أنفسنا حين نقترب من العالم كله، و لن نكون مبدعين حقيقيين قادرين على الدفاع عن قضايانا الإنسانية العادلة دون أن ندرك المفهوم السويَّ لكلمة “نحن”. لأن “نحن” هذه، ليست في التحليل النهائي لها سوى سكان هذا الكوكب جميعاً. و أنت و أنا إنما نبحث مشاكلنا نحن حين نوجه خواطرنا على المشكلة الإنسانية بأسرها، و إنني أرحب كل الترحيب بمثاقفة إنسانية تكفل لي تمايزي و خصوصيتي الثقافية و الروحية، و لا تلغي هوية الأصل أو تعمل على مسخها و تحويلها إلى كيان تابع ذليل، مثاقفة محكومة بشرطيّ الحرية و التكافؤ.

 

أيها الأعزاء، نحن اليوم نصعد الدرجات الأولى في سلَّم القرن الواحد و العشرين، و لدينا من الطاقات البشرية و العقلية و الإبداعية و المالية ما يمكِّننا من خلق مسرحنا الجديد، لم يعد أمامنا خيارات، و لا نملك رفاهية الوقت، و علينا أن نكمل ما بدأناه بوعي و جرأة و تصميم أشد، فكما أن المسرح الحي النابض نقيض البدايات الفاترة، عدو الإيقاعات الميتة، كذلك الحياة، لا تزدهر بالتمطي و الاسترخاء، و الحرية و سعادة البشر لا تتحقق بالكسل و التثاؤب، إنما تعمر الحياة و تزدهر بالتحديات و المواجهة و قوة الإرادة، و أنتم أهل لهذه المواجهة.

 

و مع كل هذا التهشيم المريع و التوحش الذي نعيشه و نشهده في منطقتنا و العالم، و في همروجة هذه الانكفاءات السريعة، يكفينا شرفاً أننا ما زلنا نقبض على جمر التجربة، أجل أيها الجميلون، أنتم القابضون على جمر التجربة، و لأنكم كذلك فأنتم تمثلون الارتسام الأنصع لشرفنا الإبداعي الباقي، و لأنكم كذلك فسنبلغ المرفأ حتماً، و سنحقق كل اجتراءاتنا الباسلة الماهرة.

 

أخيراً، هذه الخشبة ابتلعت كل العمر، خمسون عاماً بالتمام و لا كمال، أرى كل شيء كما لو كان البارحة أو اليوم، و كل شيء كان لها، للتي غنيتُ لها كُل هذا العمر، و سأظل أغني مع الذين غنوا لها، و الذين سيشاركوننا الغناء، مثلما كان، و ما سيكون، إلى أن تكون، حبيبتي التي ستبقى تمتلك السماء، هي وحدها لها قلبي، هي وحدها تفتح روحي لما لا يمكن سمعُه، هي وحدها و العجائب تندهش إذا مرَّت، هي وحدها، و سيبقى الشرف الإنساني مثلوماً إلى أن تخرج من الجحيم إلى رحاب الحرية، و نتوجها درَّة لتاج العالم، عالم متجدد أكثر حرية، عالم يقف الناس جميعاً فيه أخوةً متحابين، يطبعون سيوفَهم سِككاً، و رماحَهُم مناجل، لا ترفع أمةٌ على أمةٍ سيفاً، و لا يتعلمون الحرب، فيما بعد”.

 

سيرة ذاتية

 

وزيناتي قدسية هو فنان فلسطيني- سوري، شكل في ثمانينيات القرن الماضي مع الكاتب الراحل ممدوح عدوان ثنائيا مسرحيا تحوّلت الأعمال القليلة التي قدّماها إلى ظاهرة فنية وفكرية بما قدّمته من فن مسرحي ذي خصوصية. قدم عددا من الأعمال تتناول المأساة الفلسطينية وأخرج مجموعة من الأعمال الجماعية للمسرح القومي ربما كان أبرزها مسرحيته “رأس الغول” التي زاوج فيها بين أعمال الأديبين محمد الماغوط وزكريا تامر..

 

– عمل في المسرح لمدة 35 عاماً.

 

– في عام 1971 انضّم إلى فرقة المسرح الجامعي المركزية بسورية لمدة أربع سنوات.

 

– عمل في مسرح الهواة “الشباب” بالإخراج و الإعداد و التمثيل.

 

– في عام 1977 عمل على تأسيس المسرح التجريبي.

 

– في عام 1978 عيّن عضواً في نقابة الفنانين.

 

– في عام 1980 عمل ممثلاً في المسرح القومي.

 

– عمل مديراً فنياً لفرقة مسرح العمال، كاتباً و مخرجاً.

 

– عضو في فرقة المختبر المسرحي.

 

– ترأس عدة لجان تحكيم في المهرجانات المحلية و العربية.

 

– شارك في العديد من المهرجانات المسرحية العربية و الدولية.

 

– قام بتأسيس مسرح “أحوال” مع الشاعر و الكاتب ممدوح عدوان.

 

– في عام 2002 عيّن مديراً للمسرح التجريبي

 

وكانت الهيئة العربية للمسرح في مهرجان المسرح العربي الذي أقيم في الرباط في العام 2015 ، قد اختارت الفنان المسرحي السوداني البروفيسور يوسف عايدابي لإلقاء رسالة اليوم العربي للمسرح 2015 ومما جاء فيها : ” لا نريد مسرحاً للنخبة أو لفئة قليلة في بلداننا التي ترزح تحت نير الحروب والجوع والفقر والمرض. في مثل بلادي الكليلة العليلة الممزقة، المقطوع شطرها – الغابة جنوباً، والمنفصل شقها – الصحراء شمالاً، لا نريد للمسرح إلا أن يكون أداة اجتماعية ووسيلة للمقاومة والكفاح ضد التفرقةِ و الاحتراب. على المسرح أن يكون في مناطق النزاع والشقاق، وفي أماكن العلم والتنمية، فرصةً للتسامح والتعايش والحوار؛ بل ولتقريب شقة الخلاف والاختلاف .

 

مسرح اليوم في بلداننا هو ذلك الحبل السري، فلا ينبغي أن يكون إلاّ عضوياً بسيطاً مباشراً، متحللاً من الزوائد، منطلقاً من الناسِ ومن وحيهم. أن يكون المسرح وصلاً في كلِ مكان، فما جدوى مسرحٍ في المدينةِ لمن يسخّره لإلهاءٍ في غير مصلحة الناس، بينما ربوع البلادِ في غمٍ وهمٍ وظلمةِ ليلٍ؟

 

نريد المسرحَ بدراً في ليل الأوطانِ، ونوراً في دروبها، وصوتاً هادراً في ميادينها، ونفيراً في بواديها؛ بل وبوسع المسرحِ أن يكون وسيلة ماضية مستدامة لتنمية الإنسان الجديد والمجتمع العربيّ الجديد .

 

فما علينا كمسرحيين إلاّ أن نعيد النظرَ في فكرة المسرح ودوره ووظيفته المبتغاة، وأن نتأكد أننا لا نحاكي ونتبع الغرب سيراً في الركب المتعولم .. إن ظروفنا الراهنة إجمالاً مضطربة متقلبة، وأناسنا يتطلعون حقيقة إلى ثقافةٍ بديلةٍ مختلفةٍ تهديهم السبيلَ إلى وجودٍ مغايرٍ، وحياةٍ أكثر سلماً وعدالةً. وعلى المسرح أن يكونَ في طليعةِ أدوات المستقبل، وإلاّ فهو لزوم ما لا يلزم، زبدٌ يذهب جفاءً، فيا أهل المسرح، استيقظوا .”

 

http://www.alapn.com/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *