المسرح المدرسي .. اختطافه كارثة وتمكينه حصانة وإبداع

“حسنا فعل عزام الدخيل وزير التربية والتعليم حين أشار في تغريدة له قبل ما يقارب الخمسة أيام إلى نية الوزارة تفعيل دور المسرح المدرسي في بناء جيل مبدع ومتوازن بغرض تقديم رسائل هادفة للمجتمع”. هذا هو الانطباع العام لدى كثير من التربويين والفنانين حيال هذا التصريح بوصف المسرح “أبو الفنون”. وتعبيرا عن تكامل تربوي فني يدرك كثير من المختصين مدى أهميته وتأثيره في حماية النشء وتقويم سلوك الفرد من جهة، وتعزيز القيم الوطنية والذائقة الجمالية للمجاميع الطلابية من جهة أخرى.

سلاح ذو حدين

في محيط يعج بالاضطرابات الثقافية الهوياتية والنفسية، المنغلقة على ذاتها أو على عصبياتها الضيقة. يجد العارفون في المسرح المدرسي فرصة عظيمة للتعبير والتحرر من القيود الصارمة للعملية التعليمية المنهجية بطبعها. لذلك يصف المختص في تطوير الأنشطة اللامنهجية الدكتور عثمان أحمد المسرح المدرسي بأنه سلاح ذو حدين فإما أن يكون أداة للاختطاف والتوجيه من قبل جماعات وأحزاب تريد اختراق الشباب وإيصال رسائل متطرفة ومؤدلجة للمجتمع أو أن يكون مجالا خصبا لجمع الصف الوطني وإبراز القدرات التعبيرية والمواهب الإبداعية. وهو ما يفسر اهتمام كثير من الجماعات المؤدلجة والحزبية بالأنشطة اللامنهجية وعلى رأسها المسرح المدرسي لعقود طويلة علما منهم بمدى أهمية هذه المناشط وقدرتها على التأثير الثقافي والأيديولوجي مقارنة بالتأثير المحدود للأنشطة الصفية المعتادة. ومرد ذلك، برأي الدكتور عثمان، إلى حرية التحرك والتوجيه واتساع مساحات الإطراء والثناء وتعزيز الثقة بالنفس التي يحتاج إليها الطلاب بشكل عام والأفراد المراد استقطابهم وتجنيدهم لفكر ما بشكل خاص.

تغريدة وزير التعليم عزام الدخيل بثت الأمل في نفوس المعنيين بالمسرح المدرسي.

وفي المقابل فإن إحياء المسرح المدرسي تحت نظر المعنيين وتوجيههم كفيل بإثراء الثقافتين التربوية والوطنية الجامعة وتعزيز قيمهما. إضافة إلى الإعلاء من قدرات الأفراد التعبيرية والإبداعية وهو ما ينقص كثيرا من الشباب في عصر الافتراض والتواصل عبر شبكات اجتماعية عززت التخفي وقلصت مساحات الظهور وفنونه.

نفور طلابي

“المسرح أبو الفنون ومكان حنين دائم ومتجدد بالنسبة للمبدع الحقيقي مهما تنوعت وتعددت طرق وأماكن إبداعه”. هذا ما يشدد عليه المسرحي والمعلم السابق أحمد المكرمي. مؤكدا ضرورة الاعتناء بالمسرح المدرسي وباختيار القائمين عليه. إذ إن المكرمي وعن تجربة شخصية عايشها، يشير إلى تساهل كثير من المدارس في هذا الأمر وتركه مهملا وعرضة للتطوع الشخصي دون تعيين مختصين أو تحديد حوافز معقولة، مادية ولا معنوية، فضلا عن الممنوعات والمحظورات الكثيرة التي اجتهد في تأصيلها كثير من هؤلاء المتطوعين للعمل المسرحي المدرسي، دونما معرفة أو تخصص، ما أدى إلى نفور عام من قبل كثير من الطلاب. وهذا النفور، يضيف المكرمي، لا يعني عزوفا عن المجال المسرحي أو الدرامي نفسه أو تقادم هذا المجال كشكل فني تعبيري بقدر ما يعني ضيق هؤلاء الطلاب بشروطه وصيغه الضيقة التي صاغها آخرون لأهداف أيديولوجية بحتة لا علاقة لها بيسر الدين من جهة، أو بمساحات الفن والجمال الرحبة والواسعة من جهة أخرى.

والملاحظ اليوم بجود هذه التقنيات التكنولوجية الحديثة، وجود مقومات نجاح المسرح المدرسي، إذ إن التعبير الدرامي آخذ في التطور والتنويع. فنحن نشهد في اليوتيوب على سبيل المثال، ثورة تعبيرية درامية تقودها مجموعة من الشباب السعودي من الجنسين. بدأت مصادفة من خلال جهود شخصية باستخدام كاميرا وتطبيق لهاتف شخصي محمول. ثم انتهت إلى تحالفات مؤسسية ترعاها اليوم كثير من شركات التسويق والإنتاج والإعلام المعروفة.

يبقى أنه وحتى لا تترك للمصادفة آثارها السلبية الواردة، ونتائجها الكارثية المُحتملة، إذا ما ضاق التعبير بشاب أو فتاة في مقتبل العمر، فإن المسرح المدرسي مساحة شاسعة للتعبير والارتقاء بالحس الجمالي والذوقي، كما أنه في زمن التطرّف الحالي فرصة لتعزيز “التوازن” و “الإبداع” وتأصيلهما كما أكد الوزير الدخيل في تغريدته.

 

تركي التركي من الرياض

http://www.aleqt.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *