«اللعبة».. ثانية الأبيض والأسود على الخشبة

كل شيء كان محكوماً بثنائية الأضداد في مسرحية «اللعبة»، التي عُرضت مساء أول من أمس، باعتبارها ثالث العروض المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته التاسعة، التي تنظمها هيئة دبي للثقافة والفنون.

ناجي الحاي: تميز إخراجي وتمثيلي

 

قال الفنان ناجي الحاي إن المخرج الشاب، أحمد الشامسي، قد بذل جهداً طيباً في عرض «اللعبة» في ظل غياب نص حقيقي يمكن أن يستند عليه، لذلك كانت الحلول الإخراجية هي الفيصل، فضلاً عن أداء الممثلين الذين ساعدوه على النهوض فنياً بالعمل.

وانتقدت الفنانة بدرية أحمد أداء الممثلة الوحيدة في العمل وهي روية العبيدي بشكل خاص، مضيفة: «هي لم تعرف أين يجب أن تقف على خشبة المسرح، لدرجة أن المخرج قام بتوجيهها بشكل مباشر أمام الجمهور».

الفنانة أشجان عقبت وقامت بالدفاع عن روية، مشيرة إلى أن العمل يمثل أول ظهور لها على الخشبة، كما أنها أثنت على فكرة العمل وعرضه قضية تهم الشباب، في مهرجان عنوانه «دبي لمسرح الشباب».


عمر غباش: مسرح هواة

 

أعاد الفنان عمر غباش التذكير بأن ما يعرض في مهرجان دبي لمسرح الشباب يدخل ضمن مسرح الهواة، ولا مجال لمقارنته بسواه، أو معاملته بقسوة نقدية.

وتابع: «هذا لا يعني أننا يجب أن نتبع سياسة (الطبطبة) بقدر ما أننا مطالبون بتوجيه الملاحظات النقدية الجادة للشباب، دون أن نصادر إبداعهم بالمطلق».

ورأى غباش أن أبرز إشكاليات «اللعبة» تمثل في غياب الحدث، لذلك جاء التصاعد الدرامي غير موفق.

ووجه غباش لوماً حاداً لما وصفه بـ«الميوعة في الأداء» لبعض الممثلين، مضيفاً: «يجب أن يكون أداء الممثل على الخشبة متصفاً بالرجولة، ما دام الدور الفني لا يقتضي خلاف ذلك»، وقام غباش بتوجيه سؤال للمخرج عن ما إذا كان بعض الأدوار اقتضت ذلك، فأجاب بالنفي.


«الأبيض والأسود»

 

«الأبيض والأسود» ثنائية أخرى تكشفها إزاحة ستارة «اللعبة»، عبر واجهة مقهى، غير مكتظ برواده، وموزعة كراسيه المحدودة على جانبيه، في حين تبقى الثنائية حاضرة في تلك المربعات ذات اللونين الأبيض والأسود.

الأضداد هو الفضاء الواسع للعمل، الذي ناقش قضية الإدمان وكوامنها وبواعثها، والظروف المحيطة بها، وأبرزها آفة البطالة، وهو العمل الذي أعاد اكتشاف مخرج مسرحية «الرصاصة»، سعيد الزعابي، لكن في سياق آخر هذه المرة، وهو التأليف، وأخرجه أحمد الشامسي، الذي حاز عمله السابق «الحفار» العام الماضي جائزة أفضل عمل متكامل في مهرجان المسرح الجامعي، وضم طاقم «اللعبة» التمثيلي كلاً من عبدالله استادي، وياسر النيادي، وعبدالله المهيري، وروية العبيدي، ومن إنتاج مسرح الشباب للفنون.

فكرة الأضداد تجلت في العمل حتى قبل عرضه، حينما أعلن مخرجه تغيير اسمه الذي كان بالأساس «لعبة الموت»، وهو الاسم الذي كان يشير بشكل جلي إلى ثنائية متناقضة، بين معنيي العنوان، ليغيرها إلى «اللعبة».

«الأبيض والأسود» ثنائية أخرى تكشفها إزاحة ستارة «اللعبة»، عبر واجهة مقهى، غير مكتظ برواده، وموزعة كراسيه المحدودة على جانبيه، في حين تبقى الثنائية حاضرة في تلك المربعات ذات اللونين الأبيض والأسود، لكن من خلال تقسيمها ما بين مربعات فارغة، وأخرى عكس ذلك. حالة الوله والعشق التي ينفتح عليها مشهد ابتدائي، يجمع الشاب الجامعي العاشق خريج كلية القانون بمحبوته، يتناقض مع حالة الضياع وخيبة الأمل، التي يشعر بها في أكثر من موضع، وأهمها عجزه عن تأمين عمل، أي عمل، يمكّنه من أن يبدأ به حياته العملية، ليحقق حلمه بالارتباط بالفتاة التي أحبها سنوات طويلة، لتراوح تلك العلاقة بين «اليأس» المسيطر عليه، و«الرجاء» في أن يحصل على وظيفة ما.

«الفقر المدقع» و«الغنى الفاحش» ثنائية جوهرية أيضاً تتبدى في «اللعبة»، بين قدرة الأثرياء على التملك والترفيه، وبؤس الفقراء وعجزهم عن تحقيق أبسط مطالبهم المعيشية، ثنائية تشكلها العلاقة بين الشاب الجامعي وثري يصادفه على المقهى، يعرض عليه مساعدته، وأن يوظفه في شركته، التي يتبين فيما بعد أنها مجرد مظلة لتجارة المخدرات، ليصبح فيما بعد الشاب الجامعي الذي توهم أنه خرج من مأزق حاجته، وغدا متمكناً من الارتباط بمحبوبته، مدمناً وتاجر مخدرات.

وما بين خريج كلية القانون وما يملكه من وعي قانوني والوقوع في فخ الإدمان والاتجار به، ثنائية أخرى قاسية، وما بين الأمل في التقدم لخبطة محبوبته، ثم ضياعها من بين يديه إلى الأبد، وغيرها من الأضداد والثنائيات التي تحيط بـ«اللعبة»، العديد من الثنائيات الأخرى التي تظهر في التفاصيل، وبعضها يحمل إشارات لقضايا مهمة، منها قضية غلاء المهور، حيث تشير الفتاة إلى مطالب عائلاتها، لكن تظل الثنائية الأشمل، والناظمة لكل تلك الثنائيات، هي الثنائية التي تحكم العمل برمته، وهي ثنائية «الموت» و«الحياة»، حيث يلقى الشاب الجامعي حتفه متكوماً في جانب من المقهى، وبين جثته المسجاة طاقة نور تصل عبر مقعد الرجل الثري، الذي أغواه للاتجار في المخدرات. المشهد الأخير في العمل أضفى الكثير على مسرحية اللعبة، على الرغم من أنه جاء مباشر الدلالة، فالنادل الذي كان يساعده على الإيقاع بضحاياه ممن يستدرجهم لمساعدته في ترويج مخدراته، قد آثر الانسحاب من «اللعبة»، التي أخذت معادلاً موضوعياً للعبة الشطرنج، وهي اللعبة التي كانت ملقاة دوماً على منضدة تاجر المخدرات، ومظللة بلونيها التقليديين «الأبيض» و«الأسود»، وحينما أعرب عن عدم اكتراثه بانسحاب النادل، ذكّره تاجر المخدرات بأن انسحابه غير مؤثر، وأن اللعبة لا تنتهي إلا بموت الملك، لكن النادل ذكره بأن لا وجود حقيقياً للملك، ولا قدرة له على الفعل في غياب قطع الشطرنج الأخرى المهمة.

«اللعبة» مستمرة، حتى لو ذهب ضحيتها البعض، مادام لا يوجد حل جذري يؤدي إلى إنهائها، وآفة الوقوع في فخاخ الإدمان بالنسبة للشباب خطر سيظل داهماً، ما لم يتم القضاء على الأسباب الحقيقية لوجوده، وهو ما يتضح من خلال استبدال المشهد الأخير لعناصره بـ«نادل» جديد، وشباب آخرين، تُعاد إليهم الكرة نفسها.

وفي غياب نص مسرحي تقليدي من حيث الفكرة والحدث المسرحي وتطوره، مروراً بالأزمة، واتجاهات حلها، وغير ذلك من التفاصيل، لعبت السينوغرافيا، خصوصاً الإضاءة، دوراً رئيساً في دعم الفعل المسرحي على الخشبة، وجاءت الإضاءة متقدمة جداً قياساً، ليس فقط بالتجارب السابقة خلال هذه الدورة، بل وغيرها من الدورات السابقة، وتمكنت من إظهار انفعالات الممثلين، الذين كانوا أيضاً ورقة رابحة لـ«اللعبة»، خصوصاً إبراهيم استادي، الذي يعد أحد أكثر الممثلين مشاركة في المهرجان، وياس النيادي، وإن أُخذ عليه في بعض المشاهد الإتيان بإيماءات لا علاقة لها بمحاولة تقمصه دور الثري، ما حوّله إلى شخصية كاركاتورية أحياناً، أما عبدالله المهيري، فهو الموهبة التي نضجت على خشبة الشباب، حيث كان في دورات سابقة أصغر ممثل يقوم بدور بطولة في هذا المهرجان.

وعلى الرغم من سعي المخرج لتكون الموسيقى الحية بمثابة إضافة حيوية له على المسرح، ومزجه بينها وبين المؤثرات والموسيقى المسجلة، إلا أن وجود العازفين على المسرح في بعض المشاهد سبب حالة من التشتت، لكن المشهد الختامي الذي رافق فيه العازفون زملاءهم الممثلين والطاقم الفني، جاء مدهشاً، وبمثابة لفتة تقدير من الشامسي للجهد الجماعي المبذول.

محمد عبدالمقصود http://www.emaratalyoum.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *