العامري .. كيمياء الإبداع المسرحي الخلاق .. بقلم : يوسف الحمدان

العامري .. كيمياء الإبداع المسرحي الخلاق ..

بقلم : يوسف الحمدان

محمد العامري .. هذا الشاب الإماراتي القلق اليقظ المتوقد المتجدد الحالم بمسرح نوعي مغاير ومشاكس ، مخرج مسرحي مبدع من الطراز الأول في خليجنا العربي وليس في دولة الإمارات العربية فحسب ، مخرج له في كل تجربة مسرحية بصمة لافتة ومؤثرة .

فمنذ أن تورطت خلايا مخيلته وطاقته وهو في رهيف العمر المسرحي بتجارب الفنان المخرج الإماراتي الكبير عبدالله المناعي ، المؤسس الأول للحراك التجريبي المختبري المسرحي في دولة الإمارات ، والذي تتطلب تجاربه المسرحية جهدا غير عادي من ناحية التفكير في تشكيلها وخلقها ، لم يستطع المخرج المبدع العامري التخلص بسهولة من محلولات كيميائها المركب ، ذلك أن تجارب المناعي المختبرية ، بوابات كبيرة متداخلة مريبة ومنفتحة على أفضية الأسئلة القلقة والمحيرة ، بوابات هي أشبه ببوابات الليلة المقدسة للطاهر بن جلون ، حيث كل بوابة منها هي فضاء لأسئلة لا متناهية .

إن العامري إذ تورط بالمختبر المناعي ، فإنه وجد من خلالها ملاذه الحقيقي لتأمل أسئلته التي يقترحها على كل تجربة مسرحية يخوضها ، خاصة وأنه تلبس بها منذ رهافة تجربته الأدائية كممثل منفرد في مسرحية ( الشهادة ) التي كان العامري فيها ومن خلالها يحاور أسئلة المناعي القلقة ويختبر طاقته الأدائية على تفكيكها واستيعابها والإلمام بمحيطها المركب المزدحم بشخصيات تتخلق جميعها في ذاته الإنسانية الرهيفة .

ومنذ تلك التجربة المسرحية والتجارب التي رافق فيها العامري المناعي في مسيرته المسرحية ، والعامري يفيض بأسئلة قلقة حارقة ، وجدت متسعها وأتونها في تجاربه المسرحية التي شكلت منعطفا مسرحيا مهما في حراكنا المسرحي الخليجي ، مثل مسرحية ( اللوال ) و( صهيل الطين ) و ( حرب النعل ) وغيرها من التجارب المسرحية التي تصدى لها إخراجا وسينوغرافيا أيضا .

إنه صانع وخالق التجربة التي تنمو وتتشكل بإعادة إنتاجه ومونتاجه لها من جديد ، لتأخذ بعدا مختلفا ومغايرا وجديرا بالاهتمام والتأمل ، بعدا يمنحها روحا جديدة تدفعك لقرائتها وتأويل أبعادها ودلالاتها لتتكون من خلالها لدى المتلقي عروضا أخرى متخيلة ومرئية بصور مختلفة ومتعددة ، فهو الذي لا يقف عند النص بوصفه نصا مؤلفا مكتملا ، إنما بوصفه فكرة قابلة للتحول والخلق من جديد ، ولا يقف عند الصورة المكتملة للعرض ، بقدر ما يذهب بها بعيدا نحو مختبر صياغتها من جديد ، وكما لو أنه يتعمد شرخ المرايا ليرى صورا تتعدد من خلال هذه الشروخ لم تكن موجودة أصلا في الصورة المكتملة الملمعة والعاكسة للوجه الواحد ، ولا يقف عند ( فورما ) المكان المؤطر الجاهز للعرض ، إنه يبحث من خلال اشتغاله المختبري للمكان عن فضاء آخر يعده بحرفية عالية تتجلى من خلاله قدرته الفائقة على صناعته وتكوينه ، ولا يقف عند الشخصية التي رسمتها خطوط النص الأصلي ، إنه يبحث من خلالها عن شخصيات أخرى أكثر تعميقا و مساءلة لها ، لتبدو في حالات متعددة تتراوح أحيانا بين الكائنات الحية والكائنات الماريونيتية والكائنات الشبحية والكائنات التي تولد مباشرة في العرض كما هو حال شخصياته في ( صهيل الطين ) .

وحده العامري الذي يمكننا أن نطلق عليها المخرج المختبري المحترف ، الذي تلازمه شخصيات خلقه في كل عرض ، في الماكياج والكوريغرافيا والموسيقى والتمثيل ، ووحده العامري الذي أوشكت طقوسه المسرحية أن تصبح ملازمة له في كل عرض مسرحي يقدمه ، كانت فوق الخشبة أم كانت من فضائها الخارجي حتى إليها في العمق ، وحده الذي اختبر أفضية واسعة كأفضية الصحراء ليشكل من خلالها عرضا يتجاوز حدود الرؤية المخروطية للعرض ، كما فعل ذلك وجسده في مسرحية ( داعش والغبراء ) لمؤلفها وداعم المسرح وراعيه في وطننا العربي سمو الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة ورئيس الهيئة العربية للمسرح وحكيم المسرح ومفكر الثقافة المبدع الذي حظي منه العامري وحظينا كلنا المسرحيون العرب ما حظي من اهتمام يفوق أي اهتمام وتصور .

العامري هو المخرج المبدع المغمور بهم وحلم المسرح ، وهو المغمور بحبه المسرح حتى عرض آخر ، هو الذي رفع في كثير بل أغلب المهرجانات الخليجية والعربية المسرحية هاماتنا بجوائز عروضه المسرحية الإبداعية الاستثنائية ، فحق لنا أن نفتخر به وأن يكون التكريم اعترافا حقيقيا بجهده الإبداعي الإشكالي الذي قدمه وهو لم يزل بعد في يفاعة الخلق والمشاكسة .. فهنيئا لنا العامري ..

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *