إنتاج أم استهلاك ؟ – صميم حسب الله

 

 

 

صميم حسب الله

قد يتساءل البعض عن جدوى طرح فكرة (المنتج والمستهلك) في دراسة تعنى بـ (واقع المسرح العراقي المعاصر ) ، سيما وأن تلك الثنائية  إمتلكت مرجعياتها في الذاكرة الجمعية بوصفها تعبيراً عن المسرح (الجاد والمسرح التجاري) في واحدة من توصيفاتها ، إلا أنني استثمر ذلك التوصيف للتعبير عن فكرة مغايرة وبعيدة عن المسرح التجاري ومشكلاته التي تحتاج إلى دراسة مستقلة ، بمعنى آخر نجد أن هذه الدراسة تعنى بالبحث عن المسرح المنتج والمسرح المستهلك في إطار (المسرح الجاد)

، إذ أجدني أتساءل هل العروض المسرحية التي قدمت هي عروض  (منتجة للمعرفة ) أو هي عروض مسرحية (مستهلكة للمعرفة) ؟  وهل ثمة مسميات  على هذه الشاكلة يمكن ان نركن إليها للتعبير عن واقع المسرح العراقي ؟تحيلنا توصيفات (بيتر بروك) للمسرح في كتابه الأثير (المكان الخالي) إلى مسارح منتجة واخرى مستهلكة وإن كانت بمسميات مغايرة جاءت تحت عنوانات ( المسرح المميت ، المسرح المقدس ، المسرح الخشن ، المسرح المباشر ) ، إذ يذهب (بروك) في تعريف المسرح المميت في الإشارة إلى (مسرح رديء ) ، أما المسرح المقدس  كما يراه(بروك) : (فهو الحلم الحقيقي الذي يكمن خلف مثاليات المسرح الميت الحقيرة) ، وأما المسرح الخشن ففيه إحالة إلى (المسرح الشعبي) ، ويأتي المسرح المباشر بوصفه تعبيراً عن الفعل المباشر للاحداث والوقائع اليومية من دون أن يتم الحفر في مرجعياتها وصولا إلى استنتاجات مستقبلية لتلك الظواهر الاجتماعية والسياسية ، من جهة اخرى فإن فكرة المسرح (المستهلك للمعرفة) فتحت الأبواب امام تشكلات سردية واخرى شعرية أسهمت في تطوير هذا النوع المسرحي، الأمر الذي صارت معه قاعة العرض المسرحي بكل ما تحمل من قدسية الإصغاء والإنصات إلى تلك العوالم النبيلة التي تتفاعل وتتصارع على خشبة المسرح يختزل كل هذا إلى ملفوظات من المتداول اليومي والتصفيق غير المبرر والذي بات صناّع العرض المستهلك للمعرفة  يساهمون في حضوره الدائم ، الامر الذي صار معه نجاح العرض المسرحي يقاس بالتصفيق والآهات التي يطلقها الجمهور .
وقد أسهم ذلك كله في إنتاج فوضى التلقي الذي تشابهت معه فكرة تلقي العرض المسرحي والتواصل مع عناصر العرض لتكون نسخة أخرى لذلك النوع من التواصل الذي يتوافر في منتديات (الشعر الشعبي) ، إذا راح المتلقي في المسرح يطالب الممثلين بإعادة الحوارات كما يحصل في تلقي الشعر ، وتأتي فكرة (المسرح المستهلك للمعرفة) الذي أسهم في إنتاج ثقافة متداولة في (مواقع التواصل الاجتماعي) من دون البحث عن أسرار العرض المسرحي وقدرته على إنتاج المعرفة التي تعلمنا على وجودها في المسرح العراقي الذي كان يحتكم إلى موقف معرفي وجمالي أسهم في إنتاج ثقافة عراقية تضرب بجذورها أعماق الأرض ، بل على العكس من ذلك فإن مظاهر المسرح (المستهلك للمعرفة) بدت حاضرة في البحث عن مصادر للترويج تتمثل في المهرجانات التي ينتمي البعض القليل منها إلى المسرح وبعضها الكثير ينتمي إلى مهرجانات الإستهلاك المجتمعي والسياحي ، الأمر الذي جعل المشتغلين في المسرح المستهلك للمعرفة يجدون صدى تجاربهم في عدد المشاركات الخارجية من دون ان يتم التفكير بالإنسان العراقي وحاجته إلى المعرفة بكل تعريفاتها التي يمكن أن تكون علاجاً للكثير من المشكلات الاجتماعية ؛ ومن اجل التصدي لظاهرة (المسرح المستهلك للمعرفة) والذي يندرج كما أسلفنا تحت مسمى (المسرح الجاد) نؤشر إلى بعض المشكلات للحد من تضخم هذا الفايروس المسرحي،
مقترحات في تطوير المسرح المنتج للمعرفة:
–  ضرورة  التعامل مع المسرح بوصفه مؤسسة تعنى بتقديم الجمال والفكر، ويساعد في التعبير عن المشكلات الاجتماعية بأسلوب فني بعيداً عن الاحداث والوقائع اليومية ، وأن لايقتصر تقديم العروض المسرحية على ايام قليلة ، ويتم بعدها تحويلها إلى المهرجانات الخارجية .
–   يجب ان تعمل المؤسسة على تطوير استراتيجية  تعنى بإنتاج  عروض مسرحية  ، كأن تقدم عروض بمناسبة (مئوية شكسبير ، أو تشيخوف أو أبسن ) وغيرهم من الكتاب العالميين والعرب والعراقيين ممن تكون نصوصهم مشهود لها بالجودة والإبداع ، إلى جانب تقديم عروض اخرى لمؤلفين آخرين.
–  ضرورة وجود ستراتيجيا  خاصة بتقديم عروض مسرحية  من اجل بناء موسم مسرحي ، يتم بعدها تفعيل نظام الربرتوار المسرحي  ، وان لايقتصر تقديم العروض المسرحية على المهرجانات فقط ، ويمكن ان يصار إلى إقامة مهرجان سنوي يكون حصيلة لتجارب الموسم المسرحي ويتم إنتقاء افضل عروض الموسم عن طريق لجان متخصصة .
– على بدائرة السينما والمسرح ان تعمل على تطوير برنامج يتم فيه تقديم النتاجات التي تقدم في مسارح العاصمة  وإعادة تقديمها في المحافظات ، ويكون ذلك شرطاً من شروط العقد بين المؤسسة والمخرج
المسرحي.
– ضرورة إقامة ورش مسرحية في تخصصات (التمثيل، الإخراج،السينوغرافيا، المؤثرات السمعية ، النقد المسرحي، الدراماتورج ) وذلك عن طريق  إستقطاب خبرات من خارج البلاد او من داخلها ومن المتخصصين الذين يشهد لهم بالكفاءة ، من اجل تطوير القدرات البشرية الموجودة في المؤسسة أو خارجها .
–  تفعيل الخطاب النقدي  عن طريق إعادة الجلسات النقدية  الجادة التي تسهم في تطوير العرض المسرحي ، وان لا يقتصر الأمر على إقامة جلسات احتفائية  بما يقدم من عروض مسرحية ، ويتم ذلك عن طريق تكليف مجموعة من النقاد  بشكل رسمي  من اجل متابعة العروض المسرحية  وتقديم دراساتهم النقدية في الجلسات النقدية  ومن ثم نشرها في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المتخصصة بالمسرح ومواقع التواصل الإجتماعي المختلفة .

 

 

http://www.alsabaah.iq/

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *