
مسار طبَعه التجريب… وعمر أُنفق على «أبي الفنون» – عبد الجبار خمران
أمس، انطفأت الممثلة المغربية بعد معاناة طويلة مع المرض. منذ السبعينيات، بدأت بشق مسارها الحافل بالإبداع وبالتجارب المسرحية المميزة. مدرسة الطيب الصديقي كانت حاسمة في وعيها وتكوينها، قبل أن تلتقي برفيق دربها المخرج عبد الواحد عوزري ويؤسّسا معاً «مسرح اليوم»، إحدى أبرز الفرق التي طبعت المسرح المغربي بأعمال حققت المتعة والفرجة من جهة، وقدمت قراءة فكرية للزمن الراهن من دون فذلكة ولا ادعاء
رأت السعدية قريطيف النور العام 1952 في درب السلطان في مدينة الدار البيضاء، وبدأ مشوارها الفني صغيرة. فقد نالت الإعجاب والتصفيق في سن مبكرة. كانت أمها تعمل مربيةً في «مؤسسة خيرية»… مُرافقة السعدية لأمها إلى هذه المؤسسة، ستؤثر في شخصيتها ووجدانها..بعد فترة الهواية، اكتملت سعادة السعدية بولوجها «معهد المسرح الوطني» في الرباط عام 1969. ومن الشخصيات التي لعبت دوراً أساسياً في حياتها محمد جبران (زوج شقيقتها) الذي استعارت منه لقبها ليصير اسمها ثريا جبران… هذا الاسم ما إن يذكر حتى يتمثل للسامع مسار حافل بالإبداع وزاخر بالتجارب المسرحية المميزة.

كانت أعمال «مسرح اليوم» ينتظرها جمهور المثقفين كما الجمهور العام. أعمال تحقق المتعة والفرجة من جهة، وتقدم قراءة فكرية للزمن المغربي الراهن من دون فذلكة أو ادعاء من جهة أخرى… فكانت عناوين العروض المسرحية التالية: «حكايات بلا حدود»، «نركبو لهبال»، «سويرتي مولانا»، «النمرود في هوليود»، «عباس تيمورلنك»، «اللجنة»، «بوغابة»، «أيام العز»، «الشمس تحتضر»، «إمتا نبداو إمتا»، «البتول»، «الجنرال»، «الشمس تحتضر»، «أربع ساعات في شاتيلا»، «طير الليل»، «امرأة غاضبة» (مونودراما)، «ياك غير أنا» (مونودراما)، و«العيطة عليك»… كل المسرحيات من توقيع المخرج عبد الواحد عوزري، باستثناء واحدة أخرجها لفرقة «مسرح اليوم» المخرج المسرحي والسينمائي فوزي بن سعيدي، وهي مسرحية «طير الليل»…
توقفت تجربة «مسرح اليوم» ولم يتوقف عمل ثريا جبران على خدمة المسرحيين والفنانين والمثقفين والمساهمة في تطوير المشهد الثقافي المغربي عامة، من خلال تعيينها كأول فنانة مغربية تشغل منصب وزيرة الثقافة عام 2007، رغم الفترة القصيرة التي قضتها في هذا المنصب… إذ طلبت إعفاءها من الوزارة بعد عامين فقط من توزيرها بسبب حالتها الصحية التي لم تسعفها لممارسة مهامها.
وتعتبر كلمتها في اليوم العربي للمسرح من أهم رسائل المسرح. تقول ثريا في رسالتها تلك عن المسرح:
«المسْرَحُ إِنصاتٌ وصَمْتٌ وتَأَمُّلٌ وسكينَة. فضاءٌ للأَمل، وحتَّى حين يَيْأَس المسرحُ يكونُ يَأْسُه خلاَّقاً ومُدْهِشاً وحيّاً، وليس عَدَميّاً أو سلبياً.
المسْرَحُ ثقافة واستثمار ثقافي، خيالٌ وتقْنية وصناعة حضارية وإِنسانية.
المسرحُ هندسةٌ للأرواح الجديدة.
المسرحُ مَشْهَدٌ يُجاورُ مشهَداً، مَشْهَدٌ يُخَاطبُ مشهداً، ومشْهَدٌ يكملُ مَشْهَداً، تماماً كما تُجَاوِرُ الكلمةُ كلمةً أخرى في القَصيدَةِ، والصُّورَةُ صُورَةً أُخْرى في الفيلم السينمائي، والحركةُ حركَةً أخرى في أَيِّة رقصةٍ جميلةٍ أو تعبيرٍ جَسَدي، والإِيماءةُ إِيماءَةً أخرى في لحظةِ صَمْتٍ.
المَسْرَحُ أبو الفنون، كائنٌ حيٌّ ينْتَبِهُ إِلى التناقُضات فَيَقُولها، وإِلى التَّوازُنَاتِ فَيُضيئها، وإلى الاعْوِجاجاتِ فَيُعرِّيها، وإلى الهزائم فَيُسَمِّيها».
ظهور ثريا جبران «الرسمي» الأخير كان ذلك المشهد الذي ألقت فيه التحية على جمهورها العام الماضي، لحظة تكريمها على خشبة مسرح الأوبرا في تونس من قبل إدارة «مهرجان أيام قرطاج» في دورته الحادية والعشرين. ضجّت القاعة بالتصفيق الحار لحظة اعتلائها المنصة، فما كان من ثريا إلا أن بادلت حرارة الحب تلك بركوعها واضعة يديها على صدرها في حركة رمزية كأنها تحتضن الجميع مودعة… لربما كانت تودعنا جميعاً من دون أن ندري ولا هي تدري.
عبد الجبار خمران
من ملف : ثريا جبران… وداعاً كاهنة المسرح العربي
(الأخبار اللبنانية)