لينا أبيض تمسرح عري الداخل

«حبيبتي رجعي عالتخت» عنوان عرض لينا أبيض يمكن قراءته أيضاً على النحو الآتي: «أيها الجمهور عد إلى المسرح»! عرض كوميدي بسيط لا تبسيطي الطرح. إنّها تلك

اللعبة الإخراجية الأقوى، القادرة على ترجمة تعقيدات ومعضلات حياتية ضمن قالب بسيط، يحترم عقل المشاهد، ويرسم ضحكة تخبئ أسى أعمق من أن يظهر إلى العلن.

 

صحت لينا (سحر عساف) في الليل، نظرت إلى شريك عمرها منذ ست سنوات، ووالد طفلهما الوحيد جاد (إيلي يوسف)، وذعرت لأنّها شعرت بأنها ما عادت تحبه. أيقظته وقالت له ذلك، حتى إنها تكره وجهه، وقميص نومه، وشخيره، وأشياء أخرى… لكنها لا تطلب سوى مساعدته كي تعود لتحبّه. عن نص الأميركي غريغ كاليريس، تقدم المسرحية اللبنانية عرضاً متقن التفاصيل والطرح، مع لبننة جديرة بالثناء لناحية السلاسة، والقرب الحقيقي من لهجة محكية تخلو من العبارات المصطنعة، وتلجأ نتافاً إلى اللغة الأجنبية عندما تدعو الحاجة.
ما يميّز «حبيبتي رجعي عالتخت» (إنتاج فرقة «بيروت 8:30») هو غياب الادعاء، وهيمنة اللحظة الحقيقية البسيطة، بدءاً بالسينوغرافيا التي قد نخالها غائبة من شدة الضجيج السينوغرافي الذي اعتدناه في المسرح الكوميدي. هنا تمثل السينوغرافيا جزءاً أساسياً من الرؤية الإخراجية بدل توظيفها كديكور. وسط المساحة الجديدة في «مسرح بابل» التي كانت سابقاً صالة تمرين، نشاهد مربعاً أبيض يمثل سرير الزوجين، وخشبة مسرحهما. أما الجمهور، فيجلس عند الزوايا الأربع للسرير، أو بالأحرى في غرفة نوم الزوجين في حميمية ليلة اختفى فيها الحب. يجلب الطرح السينوغرافي المشاهد إلى تماس مع لحظة ضعف تسيطر على زوجين. في يد الممثلين، شرشف أبيض وقميصا نوم على جسديهما. نصل إلى الواقعية المفضوحة عناصرها كما هي في الواقع، وليست ادعاءً للواقعية. غرفة نوم، لا بل سرير، وليلة طويلة، لن يعرف النوم إليها سبيلاً. جميلان وبارعان هما عساف ويوسف. لن يحتاجا إلى أكثر من دقائق ليدخلاك إلى عالمهما وصراعهما، فتشعر بالحرقة، وتبتسم لسخريتهما. عن الحب، والرغبة، والجنس، والخيانة… يحدثانك، وأنت تعلم وتشعر بأنّك معني بكل لحظة من معركة المحافظة على حبهما، إما بسبب تجربة شخصية، أو بدافع الخوف، أو الغيرة. صحيح أنّ تركيبة النص الأصلي غنية بالتفاصيل التي كلما ولجتَها، أصبحت كونية تعني كل إنسان، لكنّ هذا الاندماج أيضاً يعود إلى خفة الممثلين، وقدرتهما على تجسيد مسألة درامية كفقدان الحب من دون أن تسقط في الميلودراما، كما في الحياة، تجدهما يستعينان بسلاح السخرية للتغلب على مخاوف عميقة من فقدان الحب. وفي مشاكل الحب، تمثل الرغبة الجنسية عائقاً أساسياً، وفي «حبيبتي رجعي عالتخت» حديث عن الجنس، والرغبة، والخيال الجنسي، وقبلة، ووضعيات ومغامرات جنسية. مَن قال إنّنا لا نريد مسرحاً يتكلم في الجنس ويمارسه، لكنّه يظهر في «حبيبتي رجعي عالتخت» كما نعرفه ونفعله في الحياة، لا عبر إيحاءات نمطية رديئة.
«حبيبتي رجعي عالتخت» مسرحية كوميدية اجتماعية مثل مسرحيات عديدة تعرض الآن على خشبات بيروت، لكنها تضع حالة اجتماعية محددة تحت مجهر المسرح. لماذا نفتقد عروضاً مماثلة في بيروت؟ على الأرجح لأنها تتطلّب جرأة التعري أمام المشاهد، جرأة لا تتلّطى خلف التمثيل النمطي والبذخ السينوغرافي، والنصوص الآمنة التي تعيد تسطير قراءة الواقع السطحية. خبرة لينا أبيض، وجرأة وبراعة ممثلين شباب مثل سحر عساف وإيلي يوسف، ونصّ معاصر وحقيقي، عناصر اجتمعت لتقديم عرض اجتماعي كوميدي يعيد الاعتبار إلى هذا المسرح في لبنان.

«حبيبتي رجعي عالتخت» للينا أبيض ــ 8:30 حتى 23 كانون الأول (ديسمبر) «مسرح بابل» ــ 01/744033

في متاهة الأحاسيس

على الخشبة، يجرؤ الممثلان على قول ما نستره وراء جدران غرفتنا، لا يكرران على مسمعنا روايات نمطية، بل يخبراننا عن خوفهما من فقدان الحب فجأة لشخص قررا أن يمضيا العمر معه. يقولان ما نخاف قوله، ويضعان أمام أعيننا الخوف المتنكر بضحكة، يثبتّان الزمن لنغوص معهما داخل متاهة الأحاسيس التي نهرب منا في كل يوم. وللمسرح تلك القوة. حين تغلق الأبواب، تجد نفسك في مواجهة أسئلة ومخاوف كثيرة. والمسرح الكوميدي يحميك كمشاهد من المواجهة، من التعري، فقد قدم ممثلين على خشبته ضحيةً لك، يضحكانك، فتضحك، لكن متى ينتهي العرض، تتذكّر، وتفكّر… وتتساءل.

 

روي ديب

http://www.al-akhbar.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *