“يوم صيف” ..بانتظار الحبيب الذي لن يعود

 

يستعيد المشاهدون شيئاً فشيئاً ملامح وجه كارين ألين بعد غياب طويل و هم يتابعون تمثيلها في مسرحية الكاتب النرويجي جون فوس، ( يوم صيفي A Summer Day )، عن الزمن و حالة الجمود، في مسرح شيري لين، كما يقول بِن برانتلي في هذا المقال. و كل من يتذكر هذه الفنانة بدور ماريون رافينوود في فيلم ” المغيرون على  السفينة المفقودة ” لعام 1981 الذي جعلها شهيرةً، لن يصعب عليهم التعرف عليها.
هذا، حتى مع كونها تمثل شخصيةُ لا تُعرَف في النص إلا بـ ” المرأة الأكبر سناً “. و هي، باتخاذها تسريحة ما يُعرف بذيل الحصان و وضعها مكياجاً خفيفاً، توحي بشخصٍ ما توقف عن تفحص المرايا قبل وقتٍ طويل و ذلك لأن لا علاقة للمرايا بالموضوع. و قد تجاهل الزمن تقريباً هذه ( المرأة الأكبر سناً ). فقد وقعت في فخ لحظة واحدة لعقود من الزمن، كنسخة بسيطة من الآنسة هافيشام الروائي الانكليزي ديكنز.
إن ( يوم صيفي )، التي افتُتحت مؤخراً بإخراج سارة كاميرون ساند، عملٌ صغير قاسٍ يحوّل قصة رومانسية ذات طابع تكراري cliché إلى حكم بالموت الوجودي (أو الحرية، وفقاً لرؤيتك). و شخصية المسرحية المركزية، التي تمثّلها الآنسة ألين و سامانثا سول (التي تقوم بدور البطلة و هي أصغر سناً)، تستحضر للذهن إحدى السيدات المحبوبات المفقودات في لوحات ما قبل الرفائيلية  Pre-Raphaelite و قصائد تينيسون، و هن يتطلّعن إلى خارج النوافذ بحثاً عن عشاق لن يعودوا أبداً.
وقصتها هنا حزينة، و بسيطة، و كلاسيكية. ففي يوم في أواخر الصيف، الذي نوافق جميعاً على أنه وقت لطيف، حتى و هناك زخّات رذاذ من المطر، يستقلّ زوج البطلة زورقاً خارجاً به على المياه قريباً من المنزل الريفي الذي انتقلا إليه مؤخراً. و لا يعود أبداً. و يبدو أنه منذ ذلك الحين ــ حسَنٌ، ليس هناك ” منذ ذلك الحين “، إذ لم تفعل المرأة إلا القليل أكثر من أن تعود لعيش ذلك اليوم الذي تجمدت الحياة فيه، و التفكير به مجدداً، أو تخيّله مرةً بعد أخرى. و نراها، أجل، أولاً وأخيراً تتطلع إلى خارج النافذة، تحدّق، و تحدّق، و تحدّق بالبحر المهلك. 
ونُمضي اليوم مع المرأة الأكبر سناً و هي تراقب نفسها ( شابةً و تمثلها هنا الممثلة سول، كما قلنا ) في آخر محادثة لها مع أسل Asle، زوجها ( يمثّله مكاليب بَرنيت )، قبل أن يخرج بالزورق إلى عرض البحر. فتشكو له من قضائه على الزورق وقتاً أكثر مما يقضيه معها. فيقول لها حسَنٌ سيمكث معها؛ فتقول لا، امضِ في طريقك.
و يمكنني القول إن الشعور الذي لازمني على امتداد الدقائق الـ 80 المتّصلة، وقت المسرحية، لم يكن السأم بل الفزع. فحتى و نحن نعرف ما الذي حدث و ما سيحدث في ( يوم صيفي )، فإن هذا العمل المسرحي يُشعر الواحد بعدم ارتياحٍ جليدي. و في لب ذلك الشعور ليس فكرة أن هذا يمكن أن يحدث لك؛ إنها الفكرة الأشد تجهماً بأن هذا ما يحدث لك، الآن تماماً و كلَّ الوقت. فالقلق يسود المحادثات بين المرأة الأصغر ( أي وقت شباب البطلة ) و زوجها. فهما لا يتناقشان، بل يتشاجران و يحس المرء بأن الزوج غير سعيد بالعيش في هدوء الريف، حتى مع كونه هو الذي أراد الانتقال من المدينة.
ويحس الواحد هنا أن المرأة مفزوعة من فكرة أنها قد فقدته الآن، و يمكن ألاّ تراه أبداً. و حينما يمضي في فقدانه، تبدو الخسارة بطريقةٍ ما أشبه باكتمال روحي عظيم، قبول متحقق بالمحتوم. و تقول المخرجة الآنسة ساند، التي قامت بتكييف ثلاث مسرحيات أخرى للكاتب النرويجي السيد فوس للمسرح الأميركي، إن كل التفسيرات مشروعة على حد سواء. و يجدر بالذكر أن السيد فوس مشهور كثيراً في أوروبا بصرامته البيكيتية، و روحانيته العديمة الشفافية، و تصويره الزمن كمحرر ومدمّر معاً.
عن / New York Times

 

ترجمة/ عادل العامل

http://www.almadapaper.net

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *