عبد الله الكفري عند «عتبة» الواقع

في تجربته الإخراجية الأولى، حوّل المسرحي السوري «عتبة الألم لدى السيدة غادة» إلى عرض اختُتم أمس في «دوار الشمس»، وصدر في كتاب عن «الصندوق العربي للثقافة والفنون». النصّ كناية عن مكابدات امرأة بين ذكرى زوجها المتوفى وجسد لا ترى فيه سوى الأوجاع والندوب… والانتحار

 

 

روي ديب

أمس، اختتمت العروض الثلاثة لـ«عتبة الألم لدى السيدة غادة» التي احتضنها مسرح «دوار الشمس» البيروتي. العمل الذي وقّع نصه عبد الله الكفري أخيراً هو التجربة الإخراجية الأولى للمسرحي السوري. غادة (ريم خطاب) امرأة أربعينية دمشقية، على علاقة متوترة مع أهلها منذ أن قررت مغادرة البيت لتسكن بمفردها بعد ترمّلها. مع ذلك، لا تزال غادة تزور والدتها (حنان الحاج علي) في وقت الصلاة، تجنباً لرؤية والدها الذي يذهب إلى الجامع. وجعُ أسنانها قادها إلى زيارة الطبيب أنس (كامل نجمة) الذي فتح عيادة في الطابق الأول من مبناها.

هكذا، ستبدأ قصة حب بين أرملين، يواجهان صعوبة في التخلص من ماضيهما والانطلاق إلى قصة حب جديدة. بالتوازي مع ذلك، ستقودها رغبتها في التخلص من السمنة الزائدة في بطنها، إلى علاقة صداقة مع طبيب جراحة التجميل (محمد آل رشي) الذي يرفض إجراء عملية لها في بادئ الأمر، قبل أن يرضخ لاحقاً أمام إصرارها. هكذا تتوالى خطوط المسرحية، وعلاقات الشخصيات بغادة، على حدة قبل أن تكون السبب في جمعهم مع بعضهم بعضاً.
الجمهور مدعو إلى الجلوس على مدرج نصب خصيصاً على المسرح، قبالة سينوغرافيا العرض. بذلك أُلغيت المساحة المخصصة عادة للجمهور للاكتفاء بفضاء الركح. خيار أدى إلى اختصار المسافة بين الجمهور والممثلين، ووضعهما على مستوى واحد، بعكس منطق الخشبة الإيطالية، الذي يتصف بها «دوار الشمس». أما السينوغرافيا (زكريا الطيان)، فكانت حاضرة بقوة كعنصر أساسي في المشهدية، وفي المنطق الكلاسيكي لتحديد فضاءت الأحداث الدرامية: بيت الأهل، بيت غادة، والعيادتان. وعلى مساحة خشبة الأداء المحددة بحاجز يفصلها عن الجمهور، وزِّعت مكعبات بيضاء كبيرة، ترسم ممرات وتحدد الجدران الوهمية: كان الممثلون يخرجون من داخل المكعبات خلال الانتقال من مشهد إلى آخر: مجسم درابزين لشرفة أم غادة، ومكاتب مع مقاعد وخزائن لعيادتي الطبيبين. أما الأكثر تفصيلاً، فكانت غرفة نوم غادة، حيث ظهر السرير، والخزائن، حتى المغسلة والحمام. كانت كل تلك الأشياء مطوية داخل المكعبات. المحاولة الجهيدة لتشكيل الغرف، بتفاصيلها، وبواقعيتها، تماشت على نحو مؤكد مع واقعية النص والتمثيل. أحداث المسرحية لا تترك للمشاهد مجالات واسعة للخيال، أو للاستنتاج، بل إن الكاتب والمخرج أصر على ذكر كل تفصيل منذ الافتتاحية حتى النهاية، في كل لقاء بين شخصيتن. يسرد الكفري ضمن الحوارات جميع الأفكار التي قد تخطر في بال الشخصيات، فلا يبذل الجمهور جهداً في تفكيك مونولوج داخلي، أو شعور أو إحساس مكبوت. هكذا، يوماً تلو آخر، نتابع قصة غادة وتطور علاقتها بالشخصيات الثلاث ضمن ساعتين وربع ساعة، حيث نصف ساعة منها على الأقل انقضت في تغيير الديكور بين المشاهد. إذاً، كانت الواقعية الخيار الأول للمخرج في عرضه «عتبة الألم لدى السيدة غادة»، تمثيلاً، ونصاً، ومشهديةً. لكن اللغة العربية الفصحى كانت عائقاً في التماس الواقعية تلك، وخصوصاً لدى ريم خطاب. يتميز مسرح الواقع عادةً بفجاجته وصراحته التي تحاكي الواقع وتفاصيله المستورة كي يفضحها ويعرّيها أمام الجمهور؛ لكن في «عتبة الألم عند السيدة غادة»، شاهدنا ملامسات طفيفة لأوجاع امرأة تتلوى بين ذكرى زوجها الذي توفي فوق جسد صديقتها، وحبيبها الذي لا تتواصل معه إلا ويكون الماضي حاضراً، إضافة إلى مشاكل الأهل، وجسد لا ترى فيه سوى العيوب والأوجاع… والانتحار.

تلفزيون أم مسرح؟

كل أوجاع غادة توالت خلال المسرحية،
لتختلط الرغبات بالمعوقات من دون أن يتوقف العرض لاسترداد الأنفاس. لحظات، ربما، كانت كافية لتطرح الشخصيات أسئلة على نفسها، وتحاول التعمق أكثر في واقعها، أو على الأقل، أن تفتح مجالاً للمشاهد كي يشغل باله بأسئلة لم يجد إجابة عنها على الخشبة. ما الفرق بين وتيرة الأحداث المتسارعة وواقعيتها في المسلسلات التلفزيونية ووتيرتها في الأعمال المسرحية؟ سؤال يطرحه المشاهد لعرض «عتبة الألم لدى السيدة غادة». يذكر هنا أنّ العمل صدر في كتاب عن «الصندوق العربي للثقافة والفنون ـ آفاق» بتقديم حنان الحاج علي
http://arabculturefund.org

 

http://www.al-akhbar.com


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *